تناقلت وسائل الإعلام المحلية والعالمية تصريحات الرئيس
السوداني عمر
البشير، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الوزراء الإثيوبي ماريام ديسالين، يوم 15 آب/ أغسطس الحالي في الخرطوم، حيث أعلن أن السودان مهتمة بثلاث قضايا بشأن
سد النهضة، وهي "سلامة السد، وملء البحيرة التي قال إنها كبيرة جدا وتخزن"74" مليار متر مكعب من المياه، ما يؤثر سلبا على منشآت الري في السودان.
وأعرب "البشير" عن مخاوف لدى الخرطوم تتصل بسلامة السد، الذي سيصبح عند اكتماله هو الأكبر في القارة الإفريقية، مؤكدا أنه إذا حدث أي شيء لجسم السد فستكون كارثة على السودان، لأن السد يخزن كمية كبيرة من المياه، إلا أن الحكومة الإثيوبية قد قامت ببعض التغييرات في تصميمه ما جعلنا مطمئنين.
والسؤال هنا: ما هي تلك التغييرات في تصميم سد النهضة التي طلبتها الحكومة السودانية من قبل، وجاء رئيس الوزراء الإثيوبي يوم 15 آب/ أغسطس للسودان ليقنع الرئيس البشير بأن إثيوبيا قد عدلت في التصميم وجعلت سد النهضة أكثر أمنا من قبل؟
فالمتابع للتطورات سد النهضة منذ نهاية عام 2015 وتحديدا يوم 28 كانون الأول/ ديسمبر 2015 حين أعلنت الحكومة الإثيوبية عن تحويل مجرى النيل بهدف بدء بناء المقطع الأوسط الواقع تحديدا على مجري النيل، يمكنه ملاحظة بطء معدلات البناء بهذا المقطع بشكل يثير التساؤلات، حيث تم بناء نصف المقطع إلى ارتفاع يناهز الـ100 متر، بينما توقف بناء النصف الآخر من المقطع عند ارتفاع قرابة 20 مترا فقط.
والسؤال هنا: هل هناك علاقة بين توقف بناء المقطع الأوسط عند 20 مترا والتعديلات الفنية التي طلبتها السودان وكانت وراء زيارة رئيس وزراء إثيوبيا للخرطوم منذ نحو أسبوعين ليحمل البشرى للرئيس السوداني عمر البشير ويجعله يعلنها صراحة للشعب السوداني، بأنه (اليوم) صار مطمئن تماما على سلامة سد النهضة بعد تلك التعديلات التي أجراتها إثيوبيا على جسم سد النهضة؟
فما هي تلك التعديلات التي أدخلتها إثيوبيا على سد النهضة جعلت البشير مطمئنا تماما على سلامة السد؟
هل حدثت تعديلات على طول سد النهضة ذات الـ1800 متر؟ الإجابة (لا)، هل حدثت تعديلات على ارتفاع سد النهضة ذات الـ175 مترا؟ الإجابة أيضا (لا).
هل حدث تعديلات على سعة بحيرة التخزين؟ الإجابة (نعم)، فلقد زادت سعة بحيرة التخزين من (74 لـ79 مليار متر مكعب)، هل زادت القدرة الإنتاجية للطاقة الكهربائية؟ (نعم)، فلقد زادت قدرة السد على توليد كهرباء من 6000 إلى 6450 ميجاوات.
فهل التعديلات على سعة البحيرة وعلى قدرة إنتاج الكهرباء هي ما كان يقصدها الرئيس البشير؟ أكيد (لا)، فليس هناك علاقة بين هذين العنصرين وسلامة جسم السد، التي تتحدد من خلال عوامل سلامة عدة أهما (معامل أمان ضد الإنزلاق+ معامل أمان ضد الانقلاب+ معامل أمان ضد الغرز في تربة الأساسات+ معامل أمان ضد طحن خرسانة الطبقات السفلى من السد نفسها بسبب عدم قدرتها على تحمل الأحمال الواقعة عليها).
عدم وجود شفافية بشأن البيانات التصميمة لسد النهضة يجعل من الصعب جدا على أي شخص خارج إثيوبيا أن يحسب معامل الأمان ضد الإنزلاق أو ضد الإنقلاب، وذلك بسبب عدم معرفة (عرض سد النهضة عند منسوب الأساسات).
إلا أنه من السهل جدا ملاحظة وجود مشكلة تتعلق بشروخ المقطع الأوسط الواقع على مجرى النيل، ما يزيد احتمالية وجود مشكلة في معامل الأمان ضد "طحن خرسانة الأساسات نفسها" أو "معامل الأمان ضد الغرز" أو كليهما معا.
وكانت جريدة الدستور وعدد من وسائل الإعلام
المصرية قد نقلت عن شبكة الأخبار الإثيوبية "إثيوبيان نيوز نتوورك" يوم 19 آذار/ مارس 2017 خبر يفيد بوجود خطأ في استخدام بعض مواد البناء والمكونات الخرسانية أدى إلى ظهور تصدعات وتشققات فى أساسات السد، موضحا أن الخبراء الأجانب، الذين يشرفون على بناء السد وغالبيتهم من إسرائيل، يجرون حاليا أبحاثا ودراسات لمواجهة المشكلة وطرق احتوائها، تجنبا لانهياره.
وعلى الرغم من إنكار وزير الإعلام الإثيوبي تلك الأخبار والسخرية منها معتبرها نوع من الدعاية العدائية ضد سد النهضة، إلا أن استجواب المدير التنفيذي لسد النهضة من قبل لجنة فنية إثيوبية يوم 25 آذار/ مارس أي بعد أسبوع واحد من صدور تلك الأخبار لعرض تفاصيل هامة جدا بشأن (نوع الخرسانة المستخدمة)+ ( نوع المعالجات التي تمت على الأساسات)+ (دقة اختبارات التربة)+ (متانة ستارة منع التسريب تحت الأساسات) يعطي لتلك الأخبار مزيد من المصداقية.
فإعادة مناقشة تلك التفاصيل بعد ست سنوات من بناء السد وبعد استكمال 60 في المئة منه لا يعني غير أمر واحد فقط وهو وجود مشكلة في أساسات سد النهضة.
وهذا قد يكون هو السبب الحقيقي وراء بطء نمو المقطع الأوسط بالسد، وعدم تمكن إثيوبيا من ملء السد خلال موسم الفيضان الحالي، الذي استفاد منه لاختبار المعالجات التي تمت على أساسات السد من خلال عملية تحميل تجريبي تمت أثناء الفيضان الحالي وعمل نموذج حسابي لنتائج هذا التحميل التجريبي.
وهي النتائج ذاتها التي حملها رئيس وزراء إثيوبيا منذ أسبوعين وجعلت الرئيس البشير مطمئن للغاية على التعديلات الإثيوبية بسد النهضة.
إلا أن السؤال هنا للوفد المصري المفاوض بالجنة الثلاثية بشأن سد النهضة: لماذا لم يظهروا أي اعتراض حكومي بشأن قرار إثيوبيا بزيادة حجم سعة البحيرة من 74 إلى 79 مليار متر مكعب أو بشأن زيادة القدرة الإنتاجية للكهرباء من 6000 إلى 6450 ميغاوات؟
ولماذا لم يعترضوا على "سلامة جسد السد" تاركين السودان وحده يواجه هذه المشكلة مع إثيوبيا؟ وأيضا لماذا لم تهتم الحكومة الإثيوبية بإزالة مخاوف مصر بشأن سد النهضة، ولكنها في الوقت ذاته حريصة جدا لطمأنة حكومة السودان وحدها؟
أسئلة عدة كان لابد للمفاوض المصري في اللجنة الثلاثية أن يثيرها ويخبر الشعب المصري بأهميتها، لكونها تمس عصب الحياة لهذا الشعب.
إلا أن المفاوض المصري اختار المداهنة والمهادنة للجانب الإثيوبي، بهدف ستر خطيئة السيسي بتوقيعه على اتفاقية المبادئ لسد النهضة، التي تنازل فيها عن حقوق مصر التاريخية كاملة في نهر النيل.