بلغت حدة الخلافات بين
مصر والسودان مرحلة غير مسبوقة، وصلت حد تهديد سياسيين ووسائل إعلام بإعلان الحرب بين البلدين.
وعلى الرغم من نفي قائد الانقلاب عبدالفتاح
السيسي للاتهامات التي أطلقها الرئيس
السوداني عمر
البشير الأسبوع الماضي بدعم النظام المصري للمتمردين في دارفور وجنوب السودان؛ إلا أن السودان تجاهل النفي المصري، وواصل التصعيد ضد السيسي.
ولأول مرة منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013، اعتبر مسؤولون سودانيون أن مصر تأخذ موقفا عدائيا صريحا ضد السودان، وفي المقابل هدد سياسيون مقربون من النظام المصري بإنهاء حكم البشير للسودان خلال ساعات.
تهديدات متبادلة بالحرب
وفي كلمة له الثلاثاء الماضي، أثناء حضوره احتفالا لقدامى المحاربين السودانيين؛ قال الرئيس عمر البشير إن النظام المصري يدعم الحركات المتمردة في السودان بالأسلحة والمعدات العسكرية، مؤكدا أن الجيش السوداني صادر مدرعات ومركبات مصرية كانت بحوزة المتمردين.
وردا على هذه الاتهامات؛ نفى عبدالفتاح السيسي بشدة دعم مصر للمتمردين في السودان، مؤكدا خلال مؤتمر صحفي عقده الخميس الماضي في القاهرة مع المستشار النمساوي، أن مصر لا تتآمرعلى أحد، وتلتزم بعدم التدخل في شؤون الآخرين، وتنتهج سياسات شريفة.
لكن نفي السيسي لم يقابل بتصديق سوداني، حيث صرح قائد قوات الدعم السريع السودانية المقدم آدم صالح مجددا، بأن "الدعم المصري للحركات المسلحة المتمردة مثبت ميدانيا".
وأضاف صالح، في تصريحات صحفية الجمعة: "أؤكد أن الحكومة المصرية تورطت في فضيحة تاريخية موثّقة بالبراهين والدلائل، وأن الأسلحة المصرية المضبوطة موجودة الآن بحوزتنا؛ بعد أن كبدنا المجموعات المسلحة المتمردة خسائر في الأرواح والعتاد العسكري".
وتابع: "بعد إثباتنا أن المصريين عاونوا المسلحين السودانيين في إقليم دارفور؛ أقول إن مصر أصبحت في موقع العداء الواضح ضد السودان".
وفي السياق ذاته؛ أصدرت "هيئة علماء السودان" الجمعة، بيانا وصفته وسائل إعلام مصرية بأنه يحمل "تطاولا وإهانة سودانية جديدة لمصر".
وقالت الهيئة في إشارة لمصر دون تسميتها، إن "مشروع الحرب والعدوان من قبل الأعداء والمتربصين بأمن الوطن واستقراره في الداخل والخارج؛ هو مشروع تفكيك دولة، لا منافستها على المصالح المشتركة".
وردا على هذا البيان؛ قال رئيس مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية، مصطفي الفقي، في لقائه ببرنامج "يحدث في مصر" على قناة "إم بي سي مصر"، إن الرئيس السوداني عمر البشير يهدف من وراء هجومه على مصر إلى تجميع السودانيين حوله، مهددا بأن "مصر قادرة على قلب نظام الحكم في السودان خلال يومين فقط، ولكنها لن تفعل ذلك" على حد قوله.
تغطية على أزمات داخلية
وتعليقا على هذه التطورات؛ قال خبير الشؤون الأفريقية محمد شوقي، إن الرئيس السوداني عمر البشير يحاول بهذه التصريحات إيجاد دور إقليمي لنفسه عبر استغلال أي قضية أو سوء تفاهم للتصعيد سياسيا ضد مصر.
وأضاف شوقي لـ"
عربي21" أن "البشير يمر في الفترة الأخيرة بالعديد من الأزمات الداخلية في بلاده، والتي أفقدته جزءا كبيرا من شعبيته، لذلك فهو يحاول أن يظهر بصورة المنقذ لشعبه، والمحافظ على حقوق وطنه أمام المواطنين السودانيين، عبر إثارة قضيتين أساسيتين مع مصر، هما أزمة مياه النيل، والنزاع الحدودي على مثلث حلايب وشلاتين".
وتابع: "بالإضافة إلى هاتين القضيتين؛ أدخل البشير نفسه في معارك وهمية مع النظام المصري خلال الفترة الماضية، منها الأزمة الدبلوماسية التي وقعت في شهر نيسان/ أبريل الماضي، حينما طالب الإعلام السوداني بسحب السفير من مصر، وطرد السفير المصري من الخرطوم، بحجة أن مندوب مصر في مجلس الأمن طالب بتوقيع عقوبات على السوادان بسبب أزمة دارفور، ثم اتضح لاحقا أنها قصة مفتعلة وغير حقيقية، وهو ما أكد أن النظام السوداني تنقصه الحنكة والتروي في معرفة حقائق الأمور وتعمده استغلال أي فرصة للصدام مع التظام المصري".
تساهل السيسي في قضايا مصيرية
من جانبه؛ قال أستاذ العلوم السياسية محمود السعيد، إن الرئيس السوداني عمر البشير أصبح ينظر لمصر بطريقة مختلفة تماما في السنوات الثلاث الأخيرة، فلم يعد يعتبر أن مصر هي الشقيقة الكبرى كما كان السودان ينظر لمصر دائما.
وأوضح السعيد، في تصريحات لـ "
عربي21" أن الذي شجع البشير على هذا التوجه هو عودة العلاقات القوية بينه وبين السعودية، وما تبعها من مشاركة سودانية في حرب السعودية على اليمن، وتدريبات عسكرية مشتركة بين الجيشين، واستثمارات سعودية ضحمة في مشروعات تنموية في السودان.
وأضاف أن "البشير يصعد ضد السيسي في الفترة الأخيرة؛ لأن النظام المصري تساهل كثيرا في قضايا مصيرية؛ على رأسها أزمة مياه النيل التي أضاع حقوق مصر فيها، وظهر السيسي في مظهر ضعيف دبلوماسيا في هذه القضية، كل هذا جعل النظام السوداني يتجرأ على مصر، وخاصة بعدما وجد الدعم والمساندة من السعودية في مواجهة مصر الضعيفة".