نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسلتها كيت هودال، تتحدث فيه عن
الأطفال السوريين، وتأثير
الحرب الأهلية عليهم، ومعاناتهم في ظل الصراع الدائر منذ ست سنوات.
وتقول الكاتبة: "تزايد عدد الأطفال الذين قتلوا أو شوهوا أو جندوا للحرب في
سوريا بشكل دراماتيكي على مدى العام الماضي، لدرجة أن أطفالا في سن السابعة من العمر أكرهوا على القيام بوظائف القتال على الخطوط الأولى، وحراسا للسجن، ومفجرين انتحاريين، وحتى جلادين".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الانتهاكات ضد الأطفال السوريين وصلت إلى أعلى مستوى منذ بداية الحرب عام 2011، بحسب تقرير لليونيسيف، حيث قتل ما لا يقل عن 652 طفلا عام 2016 و20% زيادة عن العام السابق، و850 طفلا تم تجنيدهم للقتال في الحرب، وهو ثلاثة أضعاف عدد من جندوا عام 2015 تقريبا، حيث كان عددهم 331، لافتا إلى أنه بسبب أن تقرير
اليونيسيف تضمن التقارير المؤكدة للإصابة أو الوفاة أو التجنيد، فإن الأرقام الحقيقية ستكون في الغالب أكبر بكثير.
وتنقل الصحيفة عن المتحدثة الاقليمية باسم اليونيسيف جولييت توما، قولها: "وصل حال الأطفال السوريين إلى الحضيض.. فكان العام الماضي هو الأسوأ منذ بدء الأزمة، حيث دفع بالأطفال إلى حافة الهاوية، فأصبحوا يجندون في أعمار هي الأصغر، واستخدموا لحراسة نقاط التفتيش، وتم تدريبهم على السلاح، وخدموا حراسا في السجون، بالإضافة إلى أن لدينا تقارير حول تعرض البنات للاعتداءات الجنسية من أولاد لم يبلغوا السن القانونية.. فالصورة قاتمة جدا".
وتلفت هودال إلى أن التقرير حذر من أن آليات التحمل لدى العائلات والأطفال السوريين تراجعت بشكل سريع، سواء كانوا في سوريا أو خارجها، حيث تقوم العائلات باتخاذ قرارات غير عادية بشكل متزايد؛ فقط للتمكن من العيش، فأحيانا يدفعون الفتيات الصغار إلى الزواج المبكر، والأطفال للعمل لكسب لقمة العيش، مشيرة إلى قول اليونيسيف إن الأطفال في أكثر من ثلثي البيوت يعملون لدعم عائلاتهم ماديا، وبعضهم يعملون في ظروف لا تصلح حتى للكبار.
ويورد التقرير نقلا عن فارس، البالغ من العمر 4 سنوات، وهو لاجئ سوري في لبنان تم الاستشهاد بأقواله في تقرير اليونيسف، قوله: "لا أعرف القراءة والكتابة، لكني أعرف فقط كيف أرسم السماء والبحر والشمس"، ويضيف: "قمت بخدمة الطاولات، حيث قدمت الفول والحمص والذرة والأرجيلة والبطاطا والمكسرات، وكنت أنظف البقالة، وأقدم المرطبات للأطفال، لا أستطيع ملأ قرطاس البوظة، لكن أساعد الآخرين لفعل ذلك، أريد أن أخرج من البيت، حيث اشعر أن البيت أصبح البيت كالسجن".
وتبين الصحيفة أنه كان للصراع أثر مدمر على الصحة العقلية للأطفال السوريين، فأظهر أكثر من 70% من الأطفال السوريين الذين تمت مقابلتهم من منظمة "أنقذوا الأطفال" أعراض "الضغط النفسي السام"، أو اضطراب ما بعد الصدمة، وأعراضا مثل التبول في الفراش، وفقدان القدرة على الكلام، والعدوانية، وتعاطي المخدرات، لافتة إلى أن التقرير ذكر أيضا أن 59% من الكبار يعرفون أطفالا ومراهقين تم تجنيدهم للمشاركة في الصراع، والنصف تقريبا يعرفون أطفالا يعملون على الحواجز في المعسكرات.
وتنوه الكاتبة إلى أن هناك حوالي ستة ملايين طفل سوري يعتمدون على المساعدات الإنسانية، مشيرة إلى أن هذا الرقم هو 12 ضعف ما كان عليه عام 2012، بحسب التقرير، حيث أن الأكثر عرضة للخطر، والبالغ عددهم 2.8 مليون، يوجدون في مناطق يصعب الوصول إليها، وحوالي 300 ألف طفل يعيشون تحت الحصار معزولين عن المساعدات الإنسانية، بحسب اليونيسيف، بالإضافة إلى أن هناك 2.3 مليون طفل لاجئ في تركيا ولبنان والأردن ومصر والعراق.
ويفيد التقرير بأن "الأطفال السوريين في الخارج يضطرون للعمل لكسب لقمة العيش لعائلاتهم؛ لأن آباءهم في الغالب عاطلون عن العمل، بحسب تقرير اليونيسف، ويعمل الأطفال في 75% من البيوت السورية، نصفهم تقريبا معيل وحيد أو معيل مشترك، ويعملون منظفين وزبالين وميكانيكيين ونجارين وحلاقين وفي خدمة الفنادق، وفي لبنان قد يعمل الطفل اللاجئ 10 ساعات في بيع العلكة والزهور أو التسول، بحسب تقرير صدر العام الماضي".
وبحسب الصحيفة، فإن هناك حوالي مليوني طفل في سوريا دون مدارس، حيث أصبحت حوالي ثلث المدارس غير صالحة للاستخدام؛ بسبب الدمار والخراب، أو استخدام المدارس ملجأ أو لأغراض عسكرية، بحسب اليونيسيف، منوهة إلى أن هناك نصف مليون طفل سوري محرومون من المدارس في البلدان المجاورة، بحسب توما، التي تقول إن "هؤلاء هم الأطفال الأكثر عرضة للخطر؛ لأنهم معرضون للزواج المبكر، ودخول سوق العمل، ولأشكال الاستغلال كلها، وهذا يجعلهم الأكثر عرضة ليكونوا الجيل الضائع".
وتستدرك هودال بأن ما يجمع الأطفال السوريين هو شغفهم لتلقي العلم، بحسب توما، التي أشارت إلى مئات الأطفال الذين يدرسون اللغة العربية والرياضيات واللغة الإنجليزية في كهف تحت الأرض في محافظة إدلب، وقالت: "نعلم أن أكثر من 12 ألف طفل قطعوا خطوط النار والحواجز (العام الماضيٍ) فقط للذهاب لحضور الامتحانات.. وهذا بالضبط ما علينا أن نستثمر فيه، ذلك التصميم وتلك المثابرة، بتقديم المزيد من المساعدات للعائلات لتستطيع إرسال أطفالها إلى المدارس، ولمنع البنات من الزواج المبكر، ولمنع الأطفال من دخول سوق العمل".
وينقل التقرير عن المسؤولة عن التعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي صفاء الكوقلي، قولها: "لا يمكن التقليل من أثر الحرب الأهلية السورية في قطاع التعليم، فالبنية التحتية للمدارس دُمرت، وهرب المدرسون، وأصبح الطلاب عرضة للاستهداف وهم في طريقهم إلى المدرسة.. وستؤدي آثار هذه السنوات المفقودة في التعليم على المدى القريب والبعيد دورا مهما، ليس فقط في الحد من مستقبل المجتمع والاقتصاد السوري، بل في السلام والاستقرار في المنطقة".
وتورد الصحيفة نقلا عن دارسي، وعمره 12 عاما، وهو لاجئ في تركيا، فوله: "أريد أن أكون جراحا لمساعدة المرضى والجرحى في سوريا.. أحلم بسوريا دون حرب لنستطيع الذهاب إلى وطننا.. أحلم بعالم دون حروب"، منوهة إلى أن منظمة اليونيسيف دعت إلى حل سياسي للصراع في سوريا، ونهاية مباشرة للانتهاكات الخطيرة ضد الأطفال، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول توما: "إن الأطفال واعون تماما لهذا الوضع، وكل ما يتمنوه هو أن تنتهي الحرب ليستطيعوا العودة، وليكونوا أطفالا ثانية.. وهذا بالضبط ما نحتاج أن نستثمر فيه، تقديم المساعدات للأطفال السوريين أينما كانوا في سوريا أو في أي بلد مجاور أو في أوروبا.. ليستطيعوا أخيرا العودة إلى بلادهم لبناء حياتهم".