أكد مركز كارنيغي للشرق الأوسط أن
المشتريات العسكرية التي تقوم بها
مصر ربما تهدف إلى قمع انتفاضة متوقعة في المدن، لافتا إلى أنها مؤشر على مدى خشية نظام السيسي من اندلاع نزاع داخلي واسع النطاق.
وقال في تقرير له بعنوان "فن الحرب في مصر" نشره موقع صدى، المعني بنشر إضاءات جديدة عن التغيير السياسي والنزاعات الإصلاحية في العالم العربي: "منذ أصبح السيسي رئيسا للبلاد في حزيران/يونيو 2014، انطلق
الجيش المصري في فورة إنفاق هائلة".
وأشار التقرير إلى أن قيمة اتفاقات نقل الأسلحة التي وقّعتها مصر في العام 2015 بلغت 11.9 مليار دولار أمريكي، لتحتل بذلك المرتبة الثانية بين البلدان النامية.
وأضاف: "غير أن أنواع الأسلحة التي تم شراؤها لا تبدو مناسبة لرفع التحديات الأمنية الداخلية أو الخارجية التي تواجهها البلاد، كما أنها لا تتلاءم مع أهدافها في السياسة الخارجية، فالجزء الأكبر من المشتريات يتألف من مقاتلات ومروحيات هجومية وحاملات متعددة الأغراض تُستخدم تقليديا لإظهار القوة أو تنفيذ عمليات هجومية، وهذا يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الدولة تتوقع نشوب نزاع داخلي على الطريقة السورية".
وتابع :"يجسّد الإنفاق العسكري الأخير زيادة كبيرة بالمقارنة مع الأعوام السابقة. على سبيل المثال، وفقا لمعهد استوكهولم الدولي لبحوث السلام، بلغ معدّل مجموع الصفقات الدولية لنقل الأسلحة إلى مصر (بالاستناد إلى الأسعار الثابتة في العام 1990) 611 مليون دولار في السنة بين العامَين 2000 و2013، لكن أُنفِق مبلغ 1.47 مليار دولار إضافي في العام 2015 فقط، أو 32 في المئة من مجموع قيمة اتفاقات نقل الأسلحة العسكرية منذ العام 2008. وخُصِّص الجزء الأكبر من هذه المبالغ للطائرات ذات الأجنحة الثابتة والسفن (لا سيما حاملات الطائرات)".
وأكمل:" التهديدات التي تواجهها مصر على مستوى الأمن الداخلي والخارجي لا تقدّم أسبابا واضحة تبرّر هذه الأنواع من المشتريات. على الحدود الشرقية، بلغت مصر مستوى تاريخيا من التعاون الديبلوماسي والأمني مع إسرائيل".
وقال:" وعلى النقيض من سيناء، لم يظهر تمرد متطور في القسم الغربي من البلاد، فلم يتمدد النزاع الليبي عبر الحدود، وليست هناك أي مؤشرات بأنه سيتمدد، غير أن التهديد الأمني الأساسي الذي تمثّله ليبيا مصدره تهريب الأسلحة إلى سيناء، لكن بدلا من الاستثمار في معدات ضبط الحدود، مثل أجهزة الاستشعار، والطائرات من دون طيار، وزيادة الدوريات الميدانية، اشترت مصر معدات لإظهار قوتها غير مناسبة لجهود مكافحة التهريب".
وأدرف: "حتى في البلدان حيث كان يُتوقع من مصر زيادة تدخلها العسكري، لم تبادر إلى القيام بذلك. على سبيل المثال، لم تقدّم مصر سوى دعم رمزي للسعودية في الحرب في اليمن. وكذلك نأى السيسي بنفسه عن النزاع في سوريا، حتى إنه عبّر عن دعمه للجيوش "الوطنية"، بما فيها الجيش السوري، فيما رفض أي مشاركة في عمليات حفظ السلام".
واستطرد قائلا: "على الصعيد الداخلي، ربما كان ظهور تمرد متطور يقوده تنظيم الدولة في سيناء يستدعي إنفاق هذه المبالغ الطائلة، غير أن أنواع الأسلحة التي تم شراؤها لا تتناسب مع هذه المهمة".
وأضاف: "على سبيل المثال، لا فائدة من مقاتلات (رافال) التي ابتيعت من فرنسا، نظرا إلى أن الجيش المصري يملك في الأصل 230 مقاتلة "إف-16" تتمتع بإمكانات مماثلة، وهذا الرقم يفوق العدد الحالي للطيارين المدرَّبين في مصر".
وأكد أن "مروحيات (أباتشي) التي سلّمتها الولايات المتحدة إلى مصر في كانون الأول/ ديسمبر 2014 أكثر فعالية إلى حد كبير في مواجهة هذا النوع من التمرد، علاوة على ذلك، لن تعود حاملتا الطائرات من طراز (ميسترال) بفائدة كبيرة في سيناء، حيث لا حاجة إلى تنفيذ عمليات إنزال برمائي. بناء عليه، يصعب إقامة رابط بين القتال في سيناء وواردات الأسلحة الأخيرة".
وأردف: "لقد اعتبر بعض المحللين أن الهدف من هذه الواردات هو تنويع الجهات المزوِّدة للجيش المصري الذي يعتمد بشدة على الولايات المتحدة، لكن على الرغم من أن هذه الأخيرة عمدت مؤقتا إلى تعليق شحنات الأسلحة إبان الانقلاب في العام 2013، إلا أنها لا تزال تقدّم لمصر، بموجب اتفاقات كمب ديفيد، مساعدات عسكرية قدرها 1.3 مليار دولار في السنة، ما يجعل مصر ثاني أكبر متلقّي للتمويل العسكري الأمريكي في العالم".
وتابع: "ربما كانت الرغبة في تنويع مصادر التزويد بالأسلحة من العوامل التي تؤدّي دورا في هذا السياق، غير أنها لا تقدّم صورة وافية وشاملة. يبدو التنويع الحقيقي في مصادر التوريد خارج متناول الحكومة المصرية الراهنة، لأنه يتطلب مبالغ طائلة من أجل إرساء توازن في مقابل المليارات التي استُثمِرَت في الأسلحة الأمريكية خلال العقود القليلة الماضية".
وذكر: "على الرغم من أن النظام المصري استثمر مبالغ طائلة في شراء الأسلحة، إلا أن الاستثمار المطلوب يتخطّى بأشواط قيمة المشتريات الراهنة التي تلقي بعبء شديد على كاهل الاقتصاد المصري الهش".
وقال: "بما أن التهديدات الأمنية الخارجية والداخلية على السواء لا تبرّر المشتريات، من الممكن أن الجيش يستعدّ لخوض نزاع داخلي. في العام 2011، انهار الجهاز الداخلي القمعي الذي كان تابعا لحسني مبارك وكان يتألف من 1.5 مليون شرطي ومجنّد، في غضون 24 ساعة، ما استدعى تدخّل الجيش – الذي كان يحظى في ذلك الوقت بدعم شعبي كبير – للحفاظ على الأمن من دون إيقاع عدد كبير من الضحايا، إذاً، في حال اندلاع انتفاضة كبرى، ليست الشرطة والقوى الأمنية التابعة للدولة كافية".
وأضاف: "على ضوء هذه المعطيات، قد يكون الهدف من شراء أسلحة هجومية إظهار القوة في الداخل. على سبيل المثال، يمكن استخدام حاملتَي الطائرات "ميسترال" للسيطرة على مدن حيوية مثل بور سعيد والإسكندرية والسويس – التي كانت المدينة الأولى التي خرجت تماما عن سيطرة النظام في العام 2011 – على طول الساحل الشمالي والقناة".
وأشار إلى أن السيسي ألمح إلى استخدام الجيش أداة للقمع في الداخل في خطاب ألقاه في 26 أيلول/ سبتمبر 2016، عندما أعلن أنه لدى الجيش خطط طوارئ للانتشار في مختلف أرجاء البلاد في غضون ست ساعات في حال اندلاع اضطرابات في الداخل.
وقال: "قد يكون احتمال اندلاع نزاع داخلي الدافع وراء الاستثمار في سلاح الجو الذي يؤدّي عادة دورا فعالا في القضاء على المقاومة في المدن، فقد اضطلع سلاح الجو السوري، بدعمٍ من سلاح الجو الروسي أحيانا، بدور حاسم في ضمان بقاء النظام، وجعل ميزان الحرب الأهلية يميل في نهاية المطاف لمصلحة هذا الأخير".
واستطرد قائلا: "في التجربة المصرية، كان السبب الأساسي وراء انهيار الأجهزة الأمنية في العام 2011 الهجمات التي شُنَّت على مراكز الشرطة في مناطق ذات كثافة سكّانية عالية، نظرا إلى طوبوغرافيا الشوارع الضيّقة والشبيهة بالمتاهات في هذه المناطق، العمليات البرية مكلفة ومحفوفة بالمخاطر".
وأردف: "إذا كان النظام المصري يتوقّع أن تتكرّر هذه الهجمات – السيسي نفسه جاء مرات عدة على ذكر احتمال اندلاع حرب أهلية خلال زيارته إلى ليشبونة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 – تصبح زيادة الاستثمارات في سلاح الجو خطوة منطقية".
وقال: "نظرا إلى غياب التهديدات التقليدية الحقيقية، وعدم ملاءمة الأسلحة للعمليات الراهنة الخاصة بمكافحة التمرد، وطبيعة السياسة الخارجية المصرية التي تتجنّب المجازفة، غالب الظن أن الهدف من هذه الأسلحة هو قمع انتفاضة حاشدة في المدن – من دون الاكتراث كثيرا للضحايا المدنيين الذين يمكن أن يسقطوا بسبب استخدام المقاتلات والمروحيات الهجومية".
وأضاف: "لعل أكثر ما يثير الحيرة في هذه الفورة في الإنفاق العسكري هو أنها تأتي في وقت تتخبط فيه مصر في مواجهة أوضاع اقتصادية مزرية قد تتسبّب بإثارة اضطرابات اجتماعية. فالبلاد واجهت نقصا حادّا في احتياطيات العملات الأجنبية، ما يؤدّي إلى انخفاض شديد في قيمة العملة وارتفاع التضخم".
وتابع: "على ضوء الأوضاع المادية للبلاد، يطرح هذا الإنفاق سؤالا عن قدرة مصر على الوفاء بموجباتها المالية تجاه مدينيها، بما في ذلك صندوق النقد الدولي الذي أقرّ قرضا بقيمة 12 مليار دولار في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي".
ونوه إلى أن حجم الدين الخارجي المصري بلغ 60.1 مليار دولار، وهذا مبلغ ضخم جدا، مع تراجع الصادرات من 22.2 مليار إلى 18.4 مليار دولار خلال العام الماضي.
واختتم بقوله: "لعل الأولوية التي يوليها النظام لهذا الإنفاق العسكري، لا سيما على ضوء الأزمة الاقتصادية، هي مؤشر على مدى خشيته من اندلاع نزاع داخلي واسع النطاق، وحجم الاستعدادات التي يقوم بها في هذا الإطار".