منذ اللحظة الأولى لتسلم الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب السلطة في البيت الأبيض اندلعت مئات المسيرات والاحتجاجات في الولايات المتحدة وأوروبا وعدد من دول العالم رفضا لتوجهاته التي أعلن عنها خلال السباق الانتخابي.
وبدأت
التظاهرات خلال حفل تنصيب ترامب في واشنطن وعدد من المدن الأمريكية بشكل سلمي على الرغم من جنوح بعض المتظاهرين نحو العنف من خلال تحطيم واجهات متاجر ونوافذ سيارات في واشنطن بعد الاشتباك مع الشرطة التي منعتهم من الوصول إلى موقع حفل تنصيب ترامب.
واعتقل عشرات الأشخاص خلال التظاهرات الأولى على تنصيب ترامب ووجهت للمعتقلين تهم التخريب والعنف ضد سلطات إنفاذ القانون.
وشهدت واشنطن خلال حفل التنصيب إجراءات أمنية مكثفة وعمدت الشرطة لغلق عدد من الشوارع بالإضافة لنشر نقاط تفتيش يشرف عليها ضباط يرتدون الزي العسكري.
وفي لوس أنجلوس خرجت مسيرة احتجاجية ضد ترامب شارك فيها مهاجرون من دول أمريكا اللاتينية وركزت في شعاراتها على وصف ترامب لهم بالمجرمين.
وفي كاليفورنيا تظاهر عاملون في شركات تكنولوجية ضد توجهات ترامب لعمل قاعدة بيانات تخص
المسلمين في الولايات المتحدة.
ورفض العاملون في شركات تقنية التعاون مع ترامب لتكوين قاعدة بيانات للمسلمين الأمريكيين من بينها شركات آبل وغوغل وفيسبوك علاوة على رفض مايكروسوف المساهمة في قاعدة البيانات باعتبارها شكلا من أشكال التمييز.
وخرجت مسيرة مليونية للنساء في العاصمة واشنطن بعد تنصيب ترامب أدت إلى شل الحركة في العاصمة لساعات قرب البيت الأبيض في منتزه المول المؤدي إلى مبنى الكونغرس.
وقال منظمو المسيرة التي ارتدت فيها النساء قبعات وردية اللون إن عدد المشاركين وصل إلى مليون مع انضمام أعداد كبيرة من المحتجين الذين وصلوا تباعا من ولايات أمريكية أخرى.
ولم يسبق أن ووجه رئيس أمريكي بداية فترته الرئاسية بهذا الكم الكبير من الاحتجاجات في أمريكا وحتى في مدن العالم وفقا لاستطلاعات رأي أجرتها عدد من وسائل الإعلام الأمريكية.
ويطرح مراقبون تساؤلات عن مدى قدرة التظاهرات الحاشدة على إجبار ترامب على تغيير توجهاته التي يرفضها عدد كبير من الأمريكيين بالإضافة لمدى قدرتها على الإطاحة بحزبه في الانتخابات النصف رئاسية المقبلة.
المحلل السياسي والخبير في الشأن الأمريكي الدكتور صبري سميرة قال إن خروج المتظاهرين الأمريكيين للتعبير عن رأيهم في الرئيس الجديد بهذه القوة أحد مؤشرات تغير المجتمع الأمريكي، وهذا التغير ليس وليد اليوم بل هو نتاج تراكمات طويلة سبقت مرحلة ترامب.
وقال سميرة لـ"
عربي21" إن النزول إلى الشوارع محاولة لإيصال رسالة بأقصى قوة أن هناك جمعا كبيرا من الأمريكيين ضد أطروحات ترامب وتوجهاته وأفكاره وردة فعل على الاتجاه للعزله والعنصرية في مجتمع متعدد المكونات.
وأوضح أن دولة ديمقراطية مثل أمريكا تؤثر فيها الاحتجاجات على عكس دول العالم الثالث، والتظاهرات أدت لتغييرات في الكثير من مفاصل التاريخ الأمريكي مثل تظاهرات الحقوق المدنية التي أحدثت تغييرا في تلك الفترة.
وأضاف: "الاحتجاج في الشارع الأمريكي هو نوع من أنواع الحوار بين طرفين مثل الجلوس على طاولة وتبادل النقاشات وهو ليس عبارة عن رفع لافتات ووقفة لساعات تنتهي بنهاية اليوم ولا يعود لها أثر".
ولفت سميرة إلى أن "المبدأ ليس في عدد المتظاهرين بل في فكرة وجود أصوات رافضة لسياسات الرئيس والمسؤولين، ووجود تظاهرات يرسل مؤشرات لكل صناع القرار والباحثين والدارسين ورجال الأعمال والمفكرين بالإضافة إلى رجال الأعمال من أجل تحليل الوثائق وبالتالي التأثير في عمل حساب لكل قرار يمكن أن يفكر المسؤولون في اتخاذه".
ويرى أن التظاهرات لن تتوقف وستستمر الفعاليات الاحتجاجية لأن طبيعة المواطن الأمريكية ومبادئ الديمقراطية لديه تقول "إنه ما دام صوته يصل لكافة الأطراف من خلال الاحتجاج فالاستمرار به مفيد ويؤتي نتيجة".
وحول إمكانية أن تتطور التظاهرات السلمية لتتخذ أشكالا عنيفة قال سميرة إن المجتمع الأمريكي وعلى الرغم من ارتفاع مستويات العنف فيه خاصة خلال السنوات الأخيرة إلا أن الحركة الاحتجاجية فيه تتميز بالسلمية بعيدا عن الانزلاق وراء العنف كما يحصل في احتجاجات الدول العربية ودول العالم الثالث.
ولفت إلى أن المواطن الأمريكي يبحث عن حقوقه ويعرف أن الطريقة المثلى لإيصال صوته هو الطريق الديمقراطي ومبدأ العنف غير وارد سوى لدى الجماعات العنفية وهي ومعزولة وقليلة لا تحظى بتأييد أي طرف.
وتوقع سميرة أن لا تطول مدة الإطاحة بترامب وحزبه وقال إن سنة إلى سنتين ستظهر فيها مؤشرات على أداء ترامب وتوجهاته من خلال الانتخابات النصف رئاسية بعد عامين للكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكي.
وأشار إلى أنه وفي حال خسارة الجمهوريين للكونغرس وثلث الشيوخ فإن الحزب الجمهوري وترامب سيتلقى ضربة قاصمة وستظهر نتائج الاحتجاج.
ولفت إلى أن وجود التيار الليبرالي وأنصار الديمقراطيين في وسائل الإعلام الأمريكي سيؤدي لإضعاف ترامب وتصدير صوت معارضيه بقوه على مدار الوقت.
وعلى صعيد الفئات التي تنزل الشارع للاحتجاج ضد ترامب قال سميرة إن أنصار الحزب الديمقراطي الذين سحب البساط من تحت أرجلهم هم أول المحتجين على رئاسته وهؤلاء يريدون استغلال كل لحظة للإطاحة به.
وأضاف أن التيار اليساري الأمريكي الخبير في حشد التظاهرات يعمل ضد ترامب علاوة على اللاتينيين والسود والمسلمين والحركة النسوية بالإضافة إلى مجموعات حقوق المثليين وكل مجموعة تكره ترامب ستمارس أشكالا من الاحتجاج لحين منعه من الاستمرار في الغوغائية والتوجهات المتهورة.
يشار إلى أن أول قرار وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إلغائه عند دخوله البيت الأبيض كان قانون التأمين الصحي المعروف باسم "أوباما كير" والذي وعد بإلغائه خلال حملته الانتخابية.