الاتفاق والوفاق عنيت، وكيف يكون في الأفق القريب والخلافات لا تزال ملتهبة حول قضايا أساسية، ولكل فريق رأيه المناقض والمصادم للطرف الآخر؟
مناسبة التأكيد أن بشائر الوفاق والتوافق ليست في الأفق القريب بعد، هي التصريحات الأخيرة المتضاربة والتراشق بين الأجسام التي انبثقت عن اتفاق الصخيرات.
البيان الأخير للمجلس الأعلى للدولة، الذي يضم من أقروا اتفاق الصخيرات من أعضاء المؤتمر الوطني العام، لخص التضارب بين مؤسسات الوفاق حيث احتج مجلس الدولة على تصريحات لوزير خارجية حكومة الوفاق المفوض، الطاهر سيالة، الذي قال إن الجيش الذي يأتمر بأمر خليفة حفتر يمكن أن يكون نواة الجيش الليبي الذي تنشده حكومة الوفاق.
بيان المجلس الأعلى اعتبر التصريح خرقا للاتفاق السياسي، باعتبار أنهم يصرون على خروج خليفة حفتر من المشهد وفق البند الثامن لاتفاق الصخيرات.
والحقيقة أن السلطة التنفيذية المنبثقة عن الوفاق الوطني مرتبكة جدا في هذا الصدد، بل تناقض مكوناتها ظاهر وبقوة. ففي حكومة الوفاق هناك وزير الدفاع العقيد المهدي البرغثي الذي هو في مواجهة عسكرية مع حفتر، وكان من أبرز مظاهرها القوة التي أشرف على إعدادها البرغثي وخططت لاقتحام الحقول والموانئ النفطية الشهر الجاري وفشلت في ذلك.
المجلس الرئاسي مشلول نسبيا وأبرز أسباب فشله هذا الملف بالذات. ومعروف موفف عضو المجلس الرئاسي علي القطراني الذي يعتبر نفسه ممثل الجيش التابع للبرلمان في المجلس الرئاسي.
مواقف وتصريحات رئيس المجلس الرئاسي، فائز السراج، تضعه في خانة الداعمين لخليفة حفتر والجيش الذي يقوده، يفهم ذلك من زياراته المكوكية للقاهرة، ولقاءاته مع خليفة حفتر، وانسجامه مع الخط الدولي الذي بات يدفع باتجاه دمج خليفة حفتر في الاتفاق السياسي، وما يعطل عملية الدمج هم حفتر نفسه، ورئيس البرلمان، عقيلة صالح، كما جاء على لسان عدد كبير من البرلمانيين بل وحتى أطراف دولية معنية بالشأن الليبي، وتشرف على تطبيق اتفاق الصخيرات في مقدمتها المبعوث الأمريكي لليبيا، جونثان وينر.
بيان المجلس الأعلى للدولة المناقض لخيار السلطة التنفيذية ممثلة في رئيسها، وبعض وزرائها يكشف عن المعضلة الرئيسية للوفاق الهش.
فالمجلس الأعلى للدولة، أو أغلبية أعضائه، يصرون على تشكيل جيش بعيدا عن الجيش التابع للبرلمان، وفي حال قبلوا بالدمج، وهو أمر غير مستبعد، فإنهم سيصرون على تحقيق التوازن بين المؤسسات العسكرية.
التسريبات من هنا وهناك تتحدث عن احتمال موافقة أطراف أساسية في المنطقة الغربية على إسناد حقيبة الدفاع لخليفة حفتر، على أن يتولى منصب رئيس الأركان شخصية عسكرية ممن يعارضون حفتر على مبدأ "الثورة والثورة المضادة".
اللقاءات بين عدد من الضباط في المنطقة الغربية ورئيس المجلس الرئاسي، التي أعقبت اجتماع ضباط الجيش في الشهر الماضي، تهدف إلى انتزاع قرار بتعيين رئيس أركان من ضمن معسكر فبراير في المنطقة الغربية، وهو أمر يجد المجلس الرئاسي ورئيسه فيه صعوبة.
يبدو أن السراج يراهن في مقاربته لنجاح الاتفاق والوفاق على استمالة خليفة حفتر ودمجه، ويعتمد على وساطة ونفوذ الأطراف الدولية الراعية للاتفاق في ذلك، لكن تعنت خليفة حفتر وإصراره على أن تخضع المؤسسة الأمنية بمكوناتها كافة لسلطته، يفشل جهود السراج بل ويضعه في حرج شديد. فأن تراهن على ما يغضب طرفا مهما في الوفاق وهم أنصار فبراير في طرابلس وبعض المدن الغربية ومن بينهم المجلس الأعلى للدولة وعدد كبير من الضباط والمقاتلين، ثم لا يستجيب من خاطرت بمنصبك لأجله، فأنت في موقف صعب، وهو الواقع فعلا كما سبقت الإشارة.
السيناريو الأقرب في ظل هذا التضاد يقوم على فرضية أساسية وهي عدم تنازل حفتر وهو في موقف قوة نسبيا، ورفضه لمقاربة التوازن التي تقضي بإسناد منصب رئيس الأركان لشخص ليس مواليا له، وبالتالي فإن الخيار سيكون للمماطلة والتفتيت داخل معسكر الرافضين لهيمنة حفتر على المؤسسة العسكرية، مما يعني أن أمد الأزمة أطول والوفاق ليس قادما مع إشراقة الصباح.