فتح انتصار البنيان المرصوص على تنظيم الدولة في سرت الباب لعودة الجدل، هو جهاز الحرس الرئاسي الذي تشكل بموجب قرار المجلس الرئاسي رقم 2 لسنة 2016.
جذور الخلاف ترجع إلى النزاع السياسي الذي تفجر بعد إطلاق عملية الكرامة، ثم الرد العسكري عليها بإطلاق عملية فجر
ليبيا وما استتبع ذلك من عودة المؤتمر الوطني العام، واعتماده حكومة الإنقاذ ليكون للغرب برلمانه وحكومته وللشرق كذلك. وعندما تصدر قرارات عليا تتعلق بالجانب الأمني في ظل صراع مسلح محتدم، لابد أن تكون مثار جدل كبير بل نزاع شديد.
المجلس الرئاسي الذي قوبل بالصد من البرلمان والجيش التابع له، احتاج أن يؤسس قوة نظامية تبتعد عن الحالة المليشاوية السائدة، ليكون المجلس قادرا على فرض الأمن من خلال هذه القوة.
ونستطيع الجزم بأن تأسس جهاز الحرس الرئاسي مر بفترة جمود قاربت الثمانية أشهر - هي مدة طويلة في ظل الانفلات الأمني الحاصل - وارتبط هذا الجمود بالخلاف داخل المجلس الرئاسي حول الكيفية التي يتشكل بها الجهاز، وحول مهامه التي كانت فضفاضة بالرجوع إلى القرار، وارتبط أيضا بالعمليات العسكرية على الأرض في بنغازي وسرت، فما أن حسمت البنيان المرصوص الحرب في سرت حتى طفا ملف الجهاز إلى السطح.
المعارضون للجهاز أطياف، وتبدأ المعارضة من داخل المجلس الرئاسي من الأعضاء المحسوبين على البرلمان، ويمثل هؤلاء دائرة واسعة في المنطقة الشرقية، حيث الدعم الكبير للجيش بقيادة خليفة حفتر. ويرى هؤلاء أن تشكيل الجهاز هو مخطط محلي خارجي لإفشال الجيش والالتفاف على ما حققه من انتصارات، ويجزمون أن الجيش بات قريبا من السيطرة على كامل التراب الليبي بالتقدم الذي أحرزه في جنوب ووسط البلاد. المعارضون الأقل تعصبا يرون أن الأمن يكون من خلال مؤسستين رئيسيتين هما الجيش والشرطة، وما عداهما تضارب وترحيل للنزاع بصورة جديدة. وعلى الطرف الآخر هناك من يعارض الجهاز مع معارضته الشديدة لحفتر، وموقفهم مقترن بالشك في المجلس الرئاسي، وأن كل ما يُقدم عليه هو لضرب الثورة وتفتيت الثوار وشل قوتهم.
الداعمون لجهاز الحرس الرئاسي يرونه السبيل الشرعي لجمع القوة الثورية تحت مظلته، فالقوة الضاربة التي استطاعت القضاء على تنظيم الدولة في سرت في زمن قياسي، تحتاج أن تأخذ شكلا نظاميا يكفل لها الحماية والاعتراف محليا ودوليا، وتحقق من خلاله موازنة خليفة حفتر الذي تراه خطرا عليها وعلى البلاد.
تصريحات الرسميين المعنيين بالجهاز تتسق في غموضها مع حيثيات قرار تشكيل الجهاز، بل هي في تتناقض معه. نجمي الناكوع، رئيس جهاز الحرس الرئاسي، الذي كرر أن الجهاز لا يصادم مؤسستي الجيش والشرطة، أعلن عن فتح باب الانضمام للجهاز من كل المناطق، في الوقت الذي يتضمن القرار قصر التجنيد على أفراد الجيش والشرطة.
أيضا يتضمن القرار تحديد المهام الرئيسية للجهاز في تأمين المنشآت ومؤسسات الدولة ومرافقها الحيوية بما في ذلك الحدود والمنافذ، وقد ورد على لسان بعض المسؤولين الرغبة في أن يكون الجهاز قوة تتفوق على التشكيلات كافة على الأرض، وقادرة على ردعها لتتمكن من القيام بمهامها، مما يعني أنها ستعتمد على الكتائب والأفراد المتمرسين في القتال، ولا يمكن أن يحدث ذلك دون أن تنضم قوات البنيان المرصوص أو جزء مؤثر منها للجهاز، وهو ما يخالف نص القرار ويخالف تصريحات رئيس المجلس الرئاسي بالخصوص.
الضغوط ستقع من أحد الأطراف لتحجيم الجهاز ومنع تحوله لقوة عسكرية ضاربة، والحجة هي الخوف من قطعه الطريق على الجيش التابع للبرلمان. بالمقابل فإن القوات الرافضة لجيش البرلمان الذي تعتبره مشروع انقلاب وسيطرة على البلاد بقيادة خليفة حقتر ستراهن على الانضمام إليه.
العامل الحاسم سيكون المجتمع الدولي أو الأطراف الدولية الفاعلة؛ حيث إن الجهاز سيحتاج إلى الدعم في شكل تسليح وتدريب، والتخوف من أن يقع الجهاز في دائرة التجاذب الدولي بين من يؤيدون حفتر ومن يخافون من ارتهانه لأطراف الدولية في مقدمتها روسيا، يمكن أن تقصيهم من ليبيا في حال سيطر الجيش التابع للبرلمان على مقاليد الأمور في البلاد.