قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن السبب الرئيس وراء عدم انهيار الاقتصاد
المصري هو ضخ
السعودية المليارات في البلد المتهالك بما يفوق الدعم الأمريكي السنوي لمصر.
ونشرت الصحيفة تقريرا لكل من ضياء حديد ونور يوسف، تقولان فيه إنه لم يمنع من انهيار اقتصاد أكبر دولة عربية من ناحية التعداد السكاني في العامين المضطربين، اللذين مرا على مصر، منذ وصول الرئيس عبد الفتاح
السيسي إلى السلطة، إلا دولة واحدة، وهي السعودية، التي ضخت أكثر من 25 مليار دولار؛ لدعم الاقتصاد المصري المتهالك.
وتعلق الكاتبتان قائلتين إن "السعودية ربما ظنت أنها تشتري الولاء من خلال هذا الدعم، لكن تصويت القاهرة في مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي مع الروس، على قرار يتعلق بالحرب في
سوريا، يهدد بحل علاقة السيسي مع الداعم المالي الأهم لمصر".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن السفير السعودي في القاهرة غادر المدينة بعد التصويت بفترة قصيرة، وفي زيارة غير مقررة استمرت ثلاثة أيام للرياض، لافتا إلى أن شركة النفط السعودية أرامكو قررت في الشهر الماضي تعليق شحن 700 ألف طن من النفط المباع بأسعار مخفضة إلى مصر، وقال متحدث باسم وزارة النفط المصرية إن مصير الشحنة المقررة لشهر تشرين الثاني/ نوفمبر غير واضح.
وتذكر الصحيفة أن الأسبوع الماضي شهد موقفا أظهر التوتر بين البلدين، عندما علق رئيس منظمة إسلامية كبيرة بسخرية على السيسي، مشيرة إلى أنه رغم أن المسؤول استقال، إلا أن كلامه كشف عن الصدع مع الحكومة التي يترأسها السيسي.
وتلفت الكاتبتان إلى ردة فعل الإعلام المقرب والمؤيد للسيسي، حيث رد أحمد موسى، الذي يقدم برنامجا حواريا، وهو أحد المتحمسين الأشداء للرئيس المصري، قائلا: "يريدون تركيع مصر"، في إشارة إلى السعوديين، ومن ثم قدم تهديده الخاص بالقول: "لا تفكروا بالضغط أبدا، مصر لا يمكن أن ترجع إلى الوراء، فقرارتها سيادية ولا ندين لأحد، بل نحن من يدان لنا".
ويعلق التقرير بأن "التفكك في التحالف بين الدولتين السنيتين المؤثرتين يأتي في وقت تتزايد فيه المشاعر الطائفية في المنطقة كلها، كما أن إمكانية خسارة الدعم السعودي تأتي في وقت تمر فيه مصر بأزمة اقتصادية حادة، بالإضافة إلى تعويم العملة، وانخفاض في الواردات، وتراجع في السياحة، وبلغت نسبة التضخم 14.6%، أي ضعف النسبة المسجلة في العام الماضي، وتنتظر الحكومة المصرية موافقة صندوق النقد الدولي على رزمة مساعدات بقيمة 12 مليار دولار أمريكي، وستكون، إن تم تمريرها، مشروطة بقطع الدعم عن الوقود، وهو ما يفتح المجال أمام حالة من عدم الاستقرار".
وتبين الصحيفة أن المملكة العربية السعودية تعيش أوضاعا اقتصادية صعبة؛ بسبب تراجع أسعار النفط، وبسبب الخطط الإصلاحية، التي يشرف على تنفيذها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لافتة إلى أنه في ظل الأمير محمد، فإن السعودية تشهد مرحلة من الوطنية القوية، وتحاول تأكيد موقعها، بصفتها قوة سنية في المنطقة وفي مواجهة إيران الشيعية.
وتذهب الكاتبتان إلى أن "هذا الأمر خلق نوعا من الشعور بانتقاص الكرامة الوطنية المصرية، التي شعر سكانها أن بلدهم هو قائد العالم العربي، وشعروا بعدم الارتياح لاعتمادهم الاقتصادي على السعوديين، وعادة ما ينظرون إليهم على أنهم محدثو النعمة".
ويجد التقرير أن "هذا لا ينفي اعتماد مصر الكبير على السعودية، قارن بين 25 مليار دولار قدمتها السعودية خلال العامين الماضيين مع الدعم الأمريكي السنوي البالغ 1.3 مليار دولار، وهو جزء من الدعم الذي تحصل عليه مصر كل عام، منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979".
وتفيد الصحيفة بأن "معظم العداء يتركز على الحرب الدموية السورية، التي مضى عليها ستة أعوام تقريبا، وفي الوقت الذي دفعت فيه السعودية للإطاحة برئيس النظام السوري بشار الأسد، المدعوم من إيران، فإن نظام السيسي يدعم الأسد، وإن بشكل غير رسمي، ومع أن المقترحين الروسي والفرنسي لوقف إطلاق النار في سوريا فشلا بالحصول على الأصوات الكافية في مجلس الأمن الدولي، إلا أن الدعم المصري للروس أدى إلى إثارة ردة فعل سلبية لدى السعوديين".
وتورد الكاتبتان أنه جاءت بعد ذلك تصريحات إياد مدني، الذي كان حتى يوم الاثنين مديرا لمنظمة التعاون الإسلامي، التي تعمل على تعزيز آفاق التعاون مع 57 دولة مسلمة، بعد تلفظه خطأ باسم الرئيس التونسي "بالباجي قايد السيسي"، حيث علق مدني ساخرا قائلا للرئيس التونسي: "أنا متأكد من أن ثلاجتك فيها غير الماء"، في إشارة إلى تصريحات السيسي بأنه قضى عشرة أعوام وليس في ثلاجته سوى الماء، لكنه لم يشك أبدا.
وبحسب التقرير، فإن تصريحات السيسي أثارت حملة من السخرية في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أنه خدم لسنوات طويلة في الجيش، وتلقى راتبا كبيرا، وأصبح مدير الاستخبارات العسكرية قبل أن يصبح مسؤولا عن المؤسسة العسكرية كلها.
وتقول الصحيفة إنه "من هنا، فعندما أعاد مدني القصة، انتقدها وزير الخارجية واصفا إياها بالمؤسفة، وبأنها (اعتداء صارخ)، وتعهد بمراجعة العلاقات مع منظمة مدني، وأعلن الأخير عن استقالته من منصبه (لأسباب صحية). وبعيدا عن تصريحات مدني، فإن المحللين يقولون إن الخلاف بين البلدين واسع".
وتنقل الكاتبتان عن مسؤول مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية إسكندر العمراني، تساؤله قائلا: "إلى متى ستستمر هذه العلاقة؟" وقال العمراني: "تقوم العلاقة على نوع من التفاوض السلبي- العدواني، وما تقوله مصر فعلا هو: أنا طرف لا يوثق به، وحليف لا أستحق الاحترام، تتم السخرية مني في أي فرصة، لكنني أعرف أنك ستأتي إلي لأنك تخاف من ضعفي وقدراتي المزعجة، وليس من قوتي المحتملة".
ويشير التقرير إلى أن المحاضر في العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد، يقلل من أهمية المناوشات الأخيرة على العلاقات بين البلدين، ويقول إن السعودية ستواصل دعم السيسي ماليا؛ لأنها لا تريد انزلاق مصر نحو الفوضى، ولاحظ أن السعوديين أودعوا ملياري دولار في البنك المركزي المصري بعد أيام من وقف شحن النفط الشهر الماضي.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول السيد: "سيواصلون التعاون؛ لأن عليهم المواصلة"، لافتا إلى أنه لا يتوقع انهيارا في العلاقة، لكن "التطورات الأخيرة تضيف ضغوطا على العلاقة".