اثنان من أكبر الدروس التي لم يتم تداركها من بعد أحداث 2011؛ هما أن الهتاف والصياح في الشوارع لم يكونا السبب في التخلص من مبارك، وأن التخلص من مبارك لم يغير أي شيء في هيكل السلطة. وكون الشعب
المصري لم يع هذين الدرسين، وكأنهما فاتا عنه تماما، وكذلك الأمر بالنسبة لأغلب الأحزاب المعارضة والثورية، فهذا يحكم بالفشل على أي برنامج يسعى لإحداث تغيير حقيقي في البلاد.
وبعيدا عن أية أساطير ما زالت تداعب خيال الناس، فما حدث في مصر بين عامي 2011 و2013 على المستوى الحكومي، ليس إلا انتقالا كاملا ومدروسا للسلطة، فلم تكن هناك أية إطاحة بأي شخص من خلال التظاهرات الشعبية؛ لا مبارك ولا مرسي! فكلاهما تم التخلص منهما بإجماع آراء الهيكل القائم للسلطة، تحديدا: مجتمع الأعمال الدولي والجيش المصري.
التظاهرات المخطط لها يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، إن حدثت في الحقيقة، فيبدو أنها ستكون مجرد تكرار للأسلوب المعتاد للتظاهر، لا لشيء إلا لأن هذين الدرسين لم يعيهما أحد. وحتى إن ظل الشعب المصري يؤمن بأن التدفق إلى ميدان التحرير سيكون هو المعادلة السحرية التي ستجعل الطاغية يختفي، فلا شك أنهم تعلموا على الأقل أن اختفاء الطاغية لن يجعل الطغيان يختفي... ولكن يبدو أنهم يصرون بمنتهى العناد على عدم إدراك هذه النقطة الفارقة، رغم أن هذه النقطة لم تتضح لأي أحد مثلما اتضحت للشعب المصري!
إبدال وإحلال الطغاة بغيرهم ليس صعبا على هيكل السلطة، وإبقاء تركيز الناس على التخلص من الطغاة شيء مفيد جدا لهم، فالسلطة الحقيقية تقبع خارج الحكومة على أي حال! فهي في القطاع الخاص وفي الجيش، فإن تم توجيه أعين الناس إلى الحكومة بدلا من السلطة الحقيقية؛ تصبح إدارة الأمور أسهل بكثير.
والديمقراطية هي نظام الإدارة المثالي للتعامل مع الاضطرابات الشعبية، فالناس يمكن إلهاؤهم في عملية إبدال وإحلال حاكم مكان حاكم، وإلقاء لوم المعاناة على الحكام، ثم الظن بأن الأمور ستتغير لو تغير الحاكم. ولكن طبعا الأمور تظل كما هي بدون تغيير، والسبب في عدم التغيير هو أن هؤلاء الطغاة لا يقومون بإملاء أي شيء ولكن يتم إملاؤهم، ومن يقومون بالإملاء في الحقيقة يظلون في مأمن من الانتفاضات الشعبية التي تصر أن تثور فقط ضد الحكومات.
من المحتمل جدا أن مجتمع الأعمال العالمي يرغب في رؤية عملية إبدال وإحلال لديكتاتور مصر، فتطبيق برنامج التقشف الخاص بقرض صندوق النقد الدولي سيكون صعبا جدا، وعادة يكون من الأفضل تطبيقه في أوقات الأزمات والاضطرابات وهذه هي المعادلة الأساسية لـ"عقيدة الصدمة" التي تحدثت عنها ناعومي كلاين واستخلصتها من عدة أمثلة تاريخية متكررة. فقد قام
السيسي بتطبيق أغلب مطالب صندوق النقد الدولي، وربما من الأفضل له أن يتم التضحية به من أجل تهدئة الغضب الشعبي! والحاكم الجديد طبعا سيكمل باقي مطالب صندوق النقد الدولي، ولن يلاحظ أحد الأمر لأن الجميع سيكونون سعداء بنهاية السيسي ومنشغلين بها.
لهذا السبب، فإن الثورات الحقيقية تركز على السياسات بدلا من الشخصيات! ولهذا السبب فإن الثورات الحقيقية توجه حراكها ضد قوة السيطرة والهيمنة الحقيقية، ولهذا السبب أنا لست متفائلا بشأن تظاهرات 11/11، ولهذا السبب تساورني الشكوك الكثيرة حول الدعوة ليوم 11/11 وحول حركة "
ثورة الغلابة". أي شخص لديه أدنى مستوى من الوعي السياسي يفهم أن إزالة السيسي لن تغير السياسات، لهذا فمن يصر على أنها ستغيرها، فهو إما جاهل بشكل خيالي أو كاذب. وفي كلتي الحالتين، من المرجح أنه يتم استخدامه كأداةمن قبل من يفهمون أن إزالة سيسي لن تغير السياسات.
وهذا لا يعني أن 11/11 لا يمكن أن تنجح. ولكن من أجل أن تنجح، يجب أن يكون أسلوب الاحتجاج مختلفا بشكل جذري عما رأيناه في الماضي. فيجب ألا يكون على غرار الاحتجاجات التي ترتكز على أحلام عام 2011. فالاحتجاج يجب أن يتوجه ضد المؤسسات الحقيقية للسلطة، ويجب أن يكون تعطيليا، ويجب أن يستند على أُس المطالب السياسية. ولكن لسوء الحظ، لا توجد أية بوادر ولو قليلة على أن أيا من هذه المعايير سيتم الوفاء بها، لهذا فربما سيأتي 11/11 كمجرد تكرار لعام 2011، مما يعني في الأساس تكرار نفس الحلقة المفرغة التي سارت بين عامي 2011-2013: مجرد نقل كامل ومدروس للسلطة التي تحافظ على السياسات كما هي، وتبقي على هيكل السلطة بلا مساس.