يخيم شبح الفشل على الاتفاق التركي الأوروبي بشأن
اللاجئين والذي تم توقيعه في آذار/ مارس الماضي وسط اتهامات متبادلة بعدم الوفاء ببنوده؛ فبينما تطلب
تركيا من الاتحاد الأوروبي الوفاء بالتزاماته تجاه قضية اللاجئين، ورفع التأشيرة عن الأتراك بحلول تشرين الأول/ أكتوبر الجاري؛ يطلب الاتحاد من تركيا تعديل قانون "مكافحة الإرهاب"، كشرط لإلغاء التأشيرة عن مواطنيها.
وصرح وزير شؤون الاتحاد الأوروبي التركي، عمر جليك، قبل أيام "أنه في حال عدم إعفاء مواطني بلاده من تأشيرة دخول دول أعضاء الاتحاد حتى نهاية العام الحالي، فإن اتفاقية إعادة قبول اللاجئين لن تنفذ كذلك وسيتم التوجه إلى فسخها".
وأكد أن النظام العالمي يواجه أزمة اللاجئين التي تعد من أكبر الأزمات في العالم، وعدم قدرة الاتحاد الأوروبي على حل هذه الأزمة إلا بالتعاون مع تركيا.
ويقضي الاتفاق بقبول تركيا استعادة اللاجئين السوريين "غير الشرعيين" من
أوروبا إلى أراضيها مقابل المزيد من التمويل والمحفزات الاقتصادية والسياسية التي تعهد بها الأوروبيون لفائدة أنقرة.
بدوره، سيسمح الاتحاد الأوروبي بدخول لاجئ مباشرة من تركيا مقابل كل سوري تستعيده تركيا من الجزر اليونانية في بحر إيجه، وإعادة من يحاولون اجتياز البحر إلى تركيا، على ألا يوقف ذلك طلب اللاجئين السوريين حق اللجوء لأوروبا بشكل قانوني.
ويطلب الاتحاد من تركيا تعديل قانون مكافحة الإرهاب، كشرط لإلغاء التأشيرة عن مواطنيها، فيما تؤكد أنقرة عدم إمكانية ذلك في الوقت الراهن، لا سيما مع استمرار خطر المنظمات الإرهابية، مثل "بي كا كا" و"تنظيم الدولة" و"جماعة غولن".
اتفاق الضرورة
واعتبر المتخصص في الشأن التركي الدكتور سعيد الحاج أن الاتفاق منذ توقيعه حمل بذور فشله بين طيات مواده قائلا: "توقعنا له (الاتفاق) عقبات وتحديات جدية منذ تلك اللحظة؛ ذلك أنه لم يأت بحل جذري لمشكلة اللاجئين ولم يستهدف أسباب الظاهرة، بل كان أقرب لاتفاق الضرورة الذي استعجلته الدول الأوروبية لوقف تدفق اللاجئين نحوها، كما استثمرته تركيا لتقوية موقفها التفاوضي في وجه الاتحاد الذي تركها على بابه لعشرات السنين".
وقال الحاج في تصريح خاص لـ"
عربي21" إن مشكلة الاتفاق الرئيسة "تكمن في أنه زاوج بين ما يتعلق باستقبال أوروبا للاجئين السوريين وما يتعلق بملف عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، وهو الملف الإشكالي الذي تقف أمامه عقبات كبيرة، سياسية وثقافية واقتصادية وإجرائية ورفض قاطع لبعض الدول (الفيتو على عدة فصول في ملف الانضمام)".
وأردف: "ولأن الدول الأوروبية كانت في أزمة تحتاج حلاً عاجلاً بالنسبة لها، فقد قدمت لتركيا عرضاً سخياً يصعب عليها رفضه، لكنها في المقابل احتاطت لنفسها بشروط كثيرة بعضها من الصعوبة بمكان على أنقرة أن تفي بها، مثل الاعتراف بقبرص الجنوبية (اليونانية) والتعامل معها وتغيير قانون الإرهاب رغم حالة التصعيد من قبل حزب العمال الكردستاني إضافة للتهديدات القادمة من سوريا وفي مقدمتها ما يسمى بتنظيم الدولة - والميلشيات الكردية وغيرها من التهديدات".
وأشار الحاج: "يبدو أن الاتحاد الأوروبي كان يراهن على صعوبة تراجع أنقرة عن التزامها حتى ولو تعقد ملف عضويتها في جزئية تحرير تأشيرة شينغن".
التقارب التركي الروسي
وأوضح الحاج "أن تدفق اللاجئين لم يعد بنفس الخطورة بالنسبة للأوروبيين، لا من حيث العدد ولا على صعيد سخونة المواقف الرافضة له، وبالتالي عادوا للتصلب في وجه تركيا، متذرعين بعدم إيفاء أنقرة بالتزاماتها. وهو ما دفع الساسة الأتراك للتهديد أكثر من مرة بالتنصل من الاتفاق، وهو ما قد يفهم منه إمكانية التراخي المتعمد في ضبط الحدود و"إغراق" أوروبا باللاجئين مرة أخرى".
وأكد الحاج أنه "لا يجب إغفال عنصر آخر من عناصر التوتر بين أنقرة وبروكسل، وهو التقارب التركي - الروسي في ظل الأزمة بين روسيا والمعسكر الغربي بشكل عام والأوروبي بشكل خاص".
وفيما يتعلق بالمسؤولية عن فشل الاتفاق أوضح الحاج أنه "من الناحية النظرية، تبدو الدول الأوروبية محقة في الإصرار على شروطها، لكن عملياً تبدو نظرية الاستهداف وتعمد الإقصاء - من قبل تركيا - ذات مصداقية ولو جزئياً، أولاً لصعوبة تغيير قانون الإرهاب في تركيا في ظل المخاطر المتعددة والمتزامنة التي توجت بالمحاولة الانقلابية الفاشلة، وثانياً لعدم مرونة الأوروبيين مع أنقرة وحرفيتهم في الاتفاق، وثالثاً لأن أكثر من دولة أوروبية حصلت على الإعفاء من تأشيرة شينغن بالتزامات أقل من تلك التي قدمتها تركيا، فضلاً عن الإشارة التركية ذات الدلالة حول عدم اتفاق الدول الأوروبية المختلفة حول تعريف موحد للإرهاب وبالتالي قانون مشترك بخصوصه".
مبادرات تركيا
وقال الحاج: "يبدو الاتفاق اليوم في حكم الفاشل، فقد انتهى شهر تشرين الأول/أكتوبر دون أي تقدم ملحوظ، رغم محاولة الجانب التركي تقديم مبادرات لتليين الموقف الأوروبي. بيد أنه من المستبعد لجوء الطرفين للتصعيد لعدة أسباب. فمن جهة لا ترغب تركيا في أن تظهر وكأنها تعرض حياة اللاجئين للخطر لمعاقبة أوروبا على عدم ضمها للاتحاد، ومن جهة أخرى ما زالت هناك إمكانية لتقريب وجهات النظر بين الطرفين حتى نهاية السنة، فضلاً عن أن الجانبين يديران ملف عضوية تركيا أصلاً بسياسة النفس الطويل والنقاط والاستفادة من عملية الانضمام والوضع الخاص لتركيا بغض النظر عن نتائج هذه العملية".
وتوصلت تركيا إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر عُرف باسم "اتفاق إعادة القبول" في 18 آذار/مارس 2016.
ولوحت تركيا أكثر من مرة بتعليق العمل بهذا الاتفاق من أراضيها، في حال لم يرفع الاتحاد الأوروبي تأشيرة دخول المواطنين الأتراك منطقة شنغن الأوروبية.
وبعد عدة أشهر من توقيع الاتفاق والتطورات الحاصلة في تركيا بعد الانقلاب لا سيما صعوبة تغيير قانون الإرهاب التركي الذي تطالب به أوروبا أصبح من الواضح أن الاتفاق قد لفظ أنفاسه الأخيرة وتملكه الفشل خاصة مع قرب انقضاء مهلة تطبيق أبرز البنود التي يطالب بها طرفا الاتفاق.