بين
مصر وسوريا علاقة ضاربة في عمق التاريخ، تمتد للعصر الحجري، وفي العصر الحديث
تشاركت الدولتان محطات تاريخية مهمة بدءا من الوحدة في إطار الجمهورية العربية
المتحدة (1958-1961)، ثم حرب يونيو/ حزيران 1967، وبعدها اتحاد الجمهوريات العربية
مطلع السبعينات والذي لم يعمر طويلا (مصر-
سوريا- ليبيا –السودان)، ثم حرب أكتوبر/
تشرين 1973، ولكن أهم المحطات في تقديري هي مشاركة الشعبين السوري والمصري في
الموجة الأولى للربيع العربي مطلع العام 2011، حيث ظل العلم السوري قرين العلمين
المصري والفلسطيني في ميادين
الثورة المصرية بعد انطلاق الثورة السورية، وظل
الارتباط بين الثورتين قائما بمحاصرة سفارة نظام بشار الأسد في القاهرة، ولاحقا
قطع العلاقة مع النظام السوري بقرار من الرئيس الراحل محمد مرسي.
اليوم
يعبر السوريون بـ"حميمية" كبيرة عن امتنانهم للشعب المصري الذي أحسن
وفادتهم خلال فترة لجوئهم إلى مصر التي امتدت على مدار السنوات الماضية ولا تزال
ممتدة حتى الآن، واليوم يعود الرابط الوثيق بين الثورتين ليبعث انتصار الثورة
السورية الأمل في نفوس المنتمين للثورة المصرية المغدورة، وليقذف الرعب في النظام
الحاكم في مصر، بكل أذرعه ومؤسساته، وهو ما تظهر أعراضه بشكل جلي حاليا.
الرعب من انتصار الثورة السورية دفع النظام إلى اتخاذ موقف سلبي حتى الآن تجاه القيادة السورية الجديدة، ورغم توافد الوزراء والمسئولين العرب وغير العرب على دمشق لمقابلة قيادتها الجديدة ونسج علاقات معها؛ امتنع النظام المصري حتى الآن عن هذه الخطوة، وبدلا من ذلك منح الضوء الأخضر لأذرعه الإعلامية للهجوم الكاسح ضد القيادة السورية ووصفها بالعصابات الإرهابية التي لا يمكن التعاون أو تطبيع العلاقات معها
هذا
الرعب من انتصار الثورة السورية دفع النظام إلى اتخاذ موقف سلبي حتى الآن تجاه
القيادة السورية الجديدة، ورغم توافد الوزراء والمسئولين العرب وغير العرب على
دمشق لمقابلة قيادتها الجديدة ونسج علاقات معها؛ امتنع النظام المصري حتى الآن عن
هذه الخطوة، وبدلا من ذلك منح الضوء الأخضر لأذرعه الإعلامية للهجوم الكاسح ضد
القيادة السورية ووصفها بالعصابات الإرهابية التي لا يمكن التعاون أو تطبيع
العلاقات معها. (لن يستمر هذا الموقف طويلا، وسيضطر النظام للاعتراف بالقيادة
السورية الجديدة قريبا، ودعكم من التشنجات الإعلامية الصاخبة!!).
يقولون
في الأمثال إن الطيور على أشكالها تقع، فإذا كان الشعب السوري فد ارتاح للشعب
المصري، والعكس صحيح، ووجد كلا الشعبين بعضهما نصفين مكملين لشعب واحد، من حيث
الامتداد التاريخي والحضاري، والديني والثقافي، فإن نظامي الحكم القمعيين في مصر
وسوريا كانا قريبين لبعضهما أيضا، ولعب النظام المصري دورا كبيرا في إعادة نظام
بشار إلى جامعة الدول العربية بعد طرده منها عقب اندلاع الثورة السورية، بل إنه
لعب دورا أيضا في إبعاد المعارضة السورية عن مقعد سوريا في الجامعة الذي كانت قد
شغلته بالفعل عامي 2011، و2012، وظل المقعد شاغرا بعد ذلك حتى تمت إعادة نظام بشار
إليه في أيار/ مايو من العام الماضي (عقب اجتماع لوزراء الخارجية العرب في
القاهرة).
كان
بشار الأسد يمثل المثل الأعلى للسيسي في قمع الشعب، وكان الأخير يهدد المصريين
دائما بمصير سوريا، ملمحا إلى صور القمع غير المسبوق والذي قتل أكثر من نصف مليون
سوري، بخلاف تهجير 12 مليونا داخل سوريا وخارجها.
سقوط
النظام السوري المريع والسريع رغم امتلاكه لجيش قوي، وأجهزة أمنية متعددة، وحزب
متجذر ومنتشر في ربوع سوريا (حزب البعث)، بث الرعب في نظام السيسي، لقد سقط
النموذج البشع للقوة والقمع، وهذا يعني أن سقوط من هو دونه أسهل، فلا الجيش
العرمرم، ولا مليشيات الدفاع الوطني السورية، أو شقيقاتها الإيرانية واللبنانية
والأفغانية والباكستانية، ولا الأجهزة الأمنية المرعبة، استطاعت حماية بشار، بل
إنها تبخرت سريعا،
تدمج الأبواق الإعلامية الرسمية في مصر بين الدولة والنظام باعتبارهما شيئا واحدا، وتحذر من سقوط الدولة المصرية كما سقطت سوريا، والحقيقة أن سوريا تحررت ولم تسقط، بينما الذي سقط هو نظامها الذي كان يعتبر نفسه الدولة أيضا، وإذا أردنا الحفاظ على مصر من السقوط فينبغي أن نميز بين نظام الحكم الذي يمكن أن يسقط، وبين الدولة التي يجب أن تبقى
وبحث كل فرد فيها عن ملاذ سريع داخل سوريا أو خارجها، وحين رأى
بشار هذا الانهيار مع دخول مقاتلي الفصائل بسهولة إلى المدن والمحافظات المختلفة
فر بدوره إلى قاعدة حميميم، ومنها إلى روسيا تاركا أقرب الناس من عائلته بلا
حماية!
الغريب
أن النظام المصري الذي لا يخفي ألمه لما حدث لنظام بشار، دعا القيادة السورية
الجديدة عبر بيان رسمي لوزارة الخارجية بعد يومين فقط من سقوط الأسد إلى "تدشين
عملية سياسية شاملة ذات ملكية وطنية سورية خالصة، تحافظ وتدعم وحدة واستقرار سوريا
وشعبها بكل مكوناته وشرائحه، وتتبنى مقاربة شاملة وجامعة لكافة القوى الوطنية
السورية".. يا إلهي.. كيف لفاقد الشيء أن ينصح به؟ النظام المصري الذي يرفض
تماما تدشين عملية شاملة تشمل كل القوى الوطنية المصرية، ويصر على الاستئثار بحكم
مصر، يطالب القيادة السورية الجديدة بما لم يفعله!!
تدمج
الأبواق الإعلامية الرسمية في مصر بين الدولة والنظام باعتبارهما شيئا واحدا،
وتحذر من سقوط الدولة المصرية كما سقطت سوريا، والحقيقة أن سوريا تحررت ولم تسقط،
بينما الذي سقط هو نظامها الذي كان يعتبر نفسه الدولة أيضا، وإذا أردنا الحفاظ على
مصر من السقوط فينبغي أن نميز بين نظام الحكم الذي يمكن أن يسقط، وبين الدولة التي
يجب أن تبقى وتزدهر في ظل الحرية والديمقراطية واحترام إرادة الشعب.
يمكن
لمصر أن تتجنب الخيار السوري عبر ما دعا إليه بيان الخارجية المصرية نفسه يوم 10 كانون
الأول/ ديسمبر 2024: "تدشين عملية سياسية شاملة ذات ملكية وطنية (مصرية)
خالصة، تحافظ وتدعم وحدة واستقرار (مصر) وشعبها بكل مكوناته وشرائحه، وتتبنى
مقاربة شاملة وجامعة لكافة القوى الوطنية (المصرية)"، بغير ذلك فكل الاحتمالات
مفتوحة، بغض النظر عن التوقيت.
x.com/kotbelaraby