مثلت نتائج الانتخابات
المغربية التي أعلنت السبت 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2016 صدمة جديدة لقوى الثورة المضادة في المنطقة العربية بمشرقها ومغربها، ذلك أن إسلاميي المغرب ممثلين في "حزب العدالة والتنمية" لم يحافظوا فقط على تمثيلهم السابق، وقد كان ذلك مرضيا لهم ولكل أنصار الحرية في المنطقة العربية، بل إنهم أضافوا 23 مقعدا جديدا لحصتهم النيابية (كانت حصتهم في الانتخابات الماضية 106 مقعد ارتفعت إلى 129 مقعد هذه المرة)، وذلك رغم الحملة العاتية التي تعرضوا لها، والتي شاركت فيها بشكل واضح بعض أجهزة الدولة الرسمية، وهي الحملة التي لم تقتصر على ذيول الثورات المضادة والقوى الاستئصالية الساعية لمحو وجود التيار ا?سلامي داخل المغرب، بل شاركت فيها أطراف إقليمية جعلت همها الرئيسي وأد أي تقدم باتجاه الديمقراطية والحرية في المنطقة، خوفا على عروشها التي لا تحتمل نسائم الحرية.
وياللمفارقة بين عروش قبلت الخيار الديمقراطي (ولو نسبيا) فحافظت على علاقة إيجابية مع شعوبها تمنعها من التفكير في تغييرها، كما هو الحال في المغرب وا?ردن، وبين عروش لا تحتمل أي صوت آخر غير صوتها ، لأنها تتعامل مع شعوبها باعتبارها عبيد إحساناتها، وأن عليها أن تحمد الله أن تلك العروش تركتها تعيش في أمان في أوطانها.
وكأن الأقدار أرادت أن لا تفصل سوى أيام قلائل بين انتصارات الإسلاميين في المشرق العربي (الأردن) ونظرائهم في المغرب العربي (المغرب) لتكون الصفعة قوية، لأولئك المتنطعين من القوى العلمانية العسكرتارية التي شربت الخمور ودقت الطبول وعزفت القينات واستمتعت برقص الراقصات احتفالا بوهم التخلص من التيار الإسلامي في دول الربيع العربي وفي القلب منه
مصر.
صحيح أن الديمقراطية في كل من المغرب والأردن هي ديمقراطية هشة، تتحرك في هامش ضيق، إذ أن الملكين وحاشيتهما في كلتا المملكتين يمتلكان معظم مفاصل السلطة، ولا يتركان إلا ذلك الهامش الضيق، لكن الصحيح أن الانتخابات أثبتت قدرة الإسلاميين - حتى في ظل تلك الهوامش الديمقراطية الضيقة - على كسب ثقة الناخبين بنزاهتهم وإخلاصهم لأوطانهم وشعوبهم، وقدرتهم على مواجهة خصومهم السياسيين طالما ظلت المنافسة في إطارها السياسي، بعيدا عن استخدام الدبابة والمسدس، كما أن الصحيح أيضا أن وعي الشعوب يتطور مع الوقت، ويصبح أي تقدم أو مكتسب ديمقراطي شيئا عزيزا يستحق العض عليه بالنواجذ بل تنميته وتطويره تدريجيا، ومع ذلك تبقى الاحتمالات مفتوحة على ردات ديمقراطية تقودها العروش مباشرة إذا كانت الضغوط الخارجية عليها فوق فدرتها على الاحتمال، أو إذا كانت الإغراءات الخارجية أيضا لا تقاوم، وكلا الأمرين ممكنان.
هل يعني فوز الإسلاميين في المغرب وقبلهم في الأردن القبول بالتعايش مع الأنظمة العربية الأخرى في ظل ما تمنحه من مساحات ديمقراطية؟ يمكن الإجابة بنعم في حال وجود مساحات حقيقية تسمح بالتحرك، وتسمح بتطوير التجربة، لكن الواقع أن غالبية النظم العربية تتعامل مع إسلامييها باعتبارهم الخطر الرئيسي الذي يهددهم، ولذا لا تسمح لهم بحرية العمل السياسي سواء للإسلاميين أو لغيرهم، بل تضيق الخناق على شعوبها، وهذا ما دفع تلك الشعوب للثورة على حكامها بعد أن يئست من الإصلاح الديمقراطي، وليس هناك من سبيل أمام القوى الإسلامية في تلك البلدان التي نجحت فيها الثورات المضادة إلا مواصلة النضال الثوري لاسترداد ما حققته من مكاسب عقب ربيعها الثوري، لأن نظم الثورات المضادة لا يمكن أن تقبل بعودة الديمقراطية لإدراكها أن في ذلك نهايتها بطريقة سريعة.
رسالة الانتخابات المغربية - كما سابقتها - الأردنية هي أن التيار الإسلامي مكون أساسي لأي شعب عربي، لا يمكن استئصاله أو تجاوزه، بل ينبغي لمن أراد استقرارا حقيقيا وتننمية شاملة أن يستفيد بهذا التيار المتجذر شعبيا، والقادر على الوصول إلى كل شارع وحارة، وكل قرية أو محلة.
كما أن الحالات الديمقراطية الحقيقية أثبتت أنها هي العلاج الأمثل لمواجهة تمدد الفكر التكفيري والعمل المسلح، وللتذكير فقد كانت سيناء هادئة إلى حد كبير جدا في فترة حكم الرئيس محمد مرسي باستثناء حادث أو حادثين، لأن أهل سيناء شعروا أن لديهم فرصة حقيقية للحصول على حقهم في التنمية، وكذا على حقوقهم الديمقراطية كبقية الشعب، ولكن بمجرد وقوع الانقلاب العسكري تزايدت وتصاعدت العمليات المسلحة في سيناء ولم يخل يوم تقريبا من عملية ومن قتلى أو مصابين، وهذا الأمر تكرر من قبل في الجزائر بعد ربيعها الديمقراطي مطلع التسعينات وشهدت البلاد انقلابا عسكريا أيضا أدخلها في حرب أهلية دامت عشر سنوات سوداء راح ضحيتها مئتي ألف جزائري، وظلت تلك الحرب مستعرة حتى توقيع اتفاق الوئام والمصالحة، ولأن ذلك الاتفاق كان أقرب إلى عقود الإذعان فقد ظلت النار تحت الرماد، وظل التأزم السياسي قائما وإن بدرجة أقل من ذي قبل، وعلى كل حال فإن الجزائر مقدمة مجددا على انتخابات نيابية ستظهر مدى قناعة القوى العسكرية الحاكمة بالتحول الديمقراطي الحقيقي كما أنها ستكشف عن حجم التمثيل الإسلامي في بلد تتعدد فيه القوى السياسية الإسلامية بل وتتصارع أيضا.
انتخابات الجزائر المقبلة (غربا) والانتخابات المقبلة في الكويت (شرقا) ستكون اختبارا جديدا للخيار الديمقراطي في المنطقة من ناحية، ولقدرة الإسلاميين على تثبيت أو تحسين وجودهم في مواجهة حملات عاتية عليهم داخليا وخارجيا من ناحية أخرى.
وإنا لمنتظرون.