"
جاستا" هو أحدث تشريع أمريكي أقام الدنيا ولم يقعدها، ويبدو لي أن هذا الـ"جاستا" سوف يكون حديث العالم العربي لعقود، وأنه سيؤرخ لمرحلة جديدة في تاريخ المنطقة العربية أو ما تبقى منها، فما هو جاستا؟
Justice Against Sponsor of Terrorism Act - JASTA
الـ"الجاستا" هو تشريع أقره الكونجرس رغم أنف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والكلمة اختصارا لتعريف القانون الذي يعرف بأنه "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب"، والذي يسمح للمحاكم الأمريكية بالنظر في قضايا مرفوعة ضد الدول التي ترتبط بعمل أو أعمال إرهابية.
مضت سنة الدبلوماسية الدولية أن للدول والحكومات حصانتها من أن تقف متهمة أمام محاكم الدول الأخرى، فما بالك بالدول الصديقة والحليفة والتي تحتفل بشراكتها بمناسبة وبغير مناسبة؟
مر ذاك الزمان وجاء آخر، ويبدو لي أن أمورا كثيرة ستتغير معه، وأقصد هنا أن خريطة توزيع الجغرافيا القديمة والتي ارتبطت بالثروة والسلطة والتبعية، أو ما يعرف بالدفاع عن الأصدقاء مقابل اقتسام ثروتهم قد ولى، ذاك زمان والقادم مختلف.
قد يراهن البعض على فكرة أن المملكة العربية
السعودية مستهدفة ولكنني لا أراها هكذا، اللهم من أداء سلطتها في المقام الأول، وأطرح السؤال بالعكس، وهو: لماذا تستهدف؟ وممن؟
لا تغضب عزيزي المشاهد إذا قلت لك أن سياسة المملكة على مر العقود لم تكن أبدا متصادمة مع أمريكا، لا مصالح أمريكا، ولا أصدقاء أمريكا القدامى ولا الجدد.
المملكة العربية السعودية ومنذ تأسيسها لم تدخل معارك ضد أمريكا أو ضد أي من حلفائها، بالعكس فقد وقفت وبعض سفرائها في
امريكا كانوا كثيرا ما يرددون ذلك في الصحافة والإعلام الأمريكي تحديدا عبر منظمات ضغط أنشأتها المملكة لتسويق شراكتها مع أمريكا، وكان معظم هؤلاء السفراء من يتحدثون وبفخر عن علاقة الشراكة والدعم اللامحدود للسياسة الأمريكية في المنطقة بل والعالم ما ما أمكن.
مولت السعودية الحرب على الاتحاد السوفيتي في أفغانستان تحت راية "الجهاد الإسلامي" ثم ساهمت في الحرب على إيران، في إطار دعم الخليج للعراق في حربه ضد إيران (حرب الخليج الأولى)، ثم مولت الحرب على العراق لإخراجه من الكويت في 1990 (حرب الخليج الثانية)، ثم دعمت الحرب على أفغانستان ضمن التحالف الدولي بعد أحداث سبتمبر 2001 ثم مولت غزو العراق في 2003، ولا تزال تساهم مع أمريكا في الحرب على داعش.
دعمت المملكة الانقلاب على الرئيس
المصري محمد مرسي وهو انقلاب خطط له في الكيان الصهيوني و تم دعمه من المخابرات المركزية الأمريكية وبدعم مالي هائل من عيال زايد، وعلى الرغم من أن حجة الجنرال المنقلب على رئيسه أنه حال دون قيام الخلافة الإسلامي التي كان ينوي الرئيس مرسي إعادتها، وهو أمر من المفترض أن يزعج السعودية رافعة لواء الإسلام، ولكن السعودية اختارت أن تقف مع الرغبة الأمريكية والخطة الصهيونية والطموح الإماراتي المدعوم بلوبي ضخم داخل أمريكا والذي قدم الإمارات على أنها إحدى سواعد الدور الأمريكي في العالم وليس المنطقة العربية.
لم تدعم السعودية حماس يوما ما، ولو من باب المكايدة السياسية مع إيران التي قدمت دعما ماليا سخيا لحماس المحاصرة رغم أنها وصلت إلى السلطة بانتخابات حرة ونزيهة، واختارت السعودية أن تنحاز إلى الموقف الأمريكي الذي يصف حماس بأنها حركة إرهابية رغم أن أوروبا لها موقف أكثر تحررا من الموقف الأمريكي، إلا أن السعودية لم تحاول في لحظة من اللحظات أن تختلف عن الموقف الأمريكي في قضية هي أم القضايا في عالمنا العربي، وهي قضية عقدية في المقام الأول.
لم تدعم السعودية الشعوب العربية في خياراتها الديمقراطية، بل كانت ولا تزال تقف ضد إرادة الشعوب وتعتقد أن الديمقراطية هي مؤامرة دولية على المنطقة، وتارة تصف عبر بعض علمائها الديمقراطية بالكفر، وتارة تصفها بالبدعة، وفي كل الأحوال لم تدعم السعودية خيارات الشعوب العربية التي لا تزال وفية للملكة باعتبارها بلاد الحرمين.
ورغم ذلك فالشعوب العربية لا تزال تدافع عن المملكة في صراعها مع إيران التي تشن حملة لتدويل المشاعر المقدسة، وهو أمر لو تم لا قدر الله لأفقد المملكة مكانتها التي صنعتها منذ تأسيسها على أرضية أنها أرض المقدسات.
ما أردت قوله أن السعودية لم تكن يوما ما، منذ النشأة وحتى اليوم - اللهم إلا أثناء حرب رمضان أكتوبر 1973 - في حالة عداء أو تضاد، ولم تضبط ولو مرة واحدة في حالة تحليق خارج نطاق الهيمنة الأمريكية في أي قضية/ حتى قضيتنا المركزية فلسطين.
فلماذا تهدد أمريكا السعودية ولماذا يعتبر قانون الجاستا خطرا على المملكة؟
نناقش الأمر في المقال القادم إن شاء الله.