تسبب دفع البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة الأرثوذكسية،
المسيحيين لمؤازرة قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السسي، أثناء خطابه بالأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع الماضي؛ في حالة غضب بين المعارضين، ما أفرز
دعوات بمقاطعة اقتصادية للمسيحيين في
مصر.
الكاتبة الصحفية آيات عرابي كانت أطلقت حملة لمقاطعة المسيحيين اقتصاديا عبر صفحتها الشخصية بـ"فيسبوك"، بحجة دعمهم للانقلاب على الرئيس محمد مرسي، واستمرار دعمهم للسيسي حتى اليوم، والذي ظهر أمام مبنى الأمم المتحدة.
ولكن كيف رد الإسلاميون على هذه الدعوة؟
معظم الذين أجابوا عن هذا السؤال رفضوا تلك الحملة، واعتبروا أن الترويج لمثل هذه الدعوات لا يخدم مستقبل مصر والثورة المصرية، فيما أشار البعض إلى نماذج للتعايش بين المسلمين والمسيحيين رغم ما يوجد من اختلافات دأب النظام السابق لمبارك على تزكيتها.
تعايش قائم على العدالة
المحامي والباحث بعلوم القانون والشريعة الإسلامية، نزار غراب، أكد رفضه للدعوة وقال: "أؤيد الموقف السياسي الواضح من الكنيسة ومن تبعها من شعبها، إنهم في بؤرة إرهاب السلطة، وكل مسيحي شريف يرفض الظلم ويؤمن بقيم التعايش فهو يعتبر حليفا لمشروع التحاور من أجل تعايش عادل".
العضو السابق في برلمان "2012" أكد في حديثه لـ"
عربي 21"، أنه "لا يوجد في التاريخ وطن طائفي، ومصر لن تنجو من محنتها إلا بتعايش قائم على العدالة بين جميع أبنائها، واحترام حقوقهم لا استئصال طرف لصالح آخر".
ووجه نزار، الذي يعمل في المجال الحقوقي، تحيته للمسيحيين الرافضين لموقف الكنيسة الداعم لإرهاب سلطة الانقلاب، ودعا المسيحيين لرفض موقف القيادات الكنسية، والانحياز للتعايش كمصريين مع المسلمين.
خندق الثورة المضادة
من جانبه، أكد سمير العركي، القيادي بالجماعة الإسلامية، أن "معظم المسيحيين في مصر حسموا خياراتهم منذ البواكير الأولى لثورة 25 يناير؛ وهو الاصطفاف في خندق الثورة المضادة اتباعا لخيارات الكنيسة، وقد بدا واضحا عقب انقلاب 3 يوليو، الدعم الكنسي الهائل لها لوجيستيا وروحيا، والذي وصل ذروته لوجيستيا في مظاهرات 30/6، والحشود الطائفية التي استقبلت السيسي في نيويورك مؤخرا".
الكاتب الصحفي بقناة (TRT) التركية، رفض في حديثه لـ"
عربي 21"، دعوة المقاطعة وقال: "إنني أرى عدم حرف الثورة عن مسارها وإدخالها في مسارات فرعية من عينة مقاطعة المسيحيين اقتصاديا، فهذا صرف للشعب عن وجهته الحقيقية؛ وهي مواجهة العسكر مكمن الثورة المضادة، والعدو الأول لثورة الشعب المصري".
السيسي يتقدم والنخب تتراجع
وفي السياق نفسه، أشار العركي عبر صفحته الشخصية بـ"فيسبوك" إلى أن السيسي أعاد تقديم نفسه إلى المجتمع الدولي (الاستعماري)، بالدعم الطائفي له في نيويورك، وبمغازلة إسرائيل، وحديثه الدائم عن التطرف الإسلامي.
وتنبأ العركي بواقع سيء لما أسماه بالجالية "المسلمة" في مصر، وقال: "إن القادم أسوأ بكثير، في ظل فشل النخب السياسية (إسلامية وليبرالية ويسارية)، في إدارة الثورة، ووصولها إلى مرحلة الموت الإكلينيكي، وانكفاء البعض على مشاكله الداخلية ومحاولة السيطرة على كامل التنظيم، وإخضاع وتأديب المخالفين، وتفكك تحالف دعم الشرعية" .
مقاطعة للمجرمين
وعلى عكس ما سبق، أيد الإعلامي ماجد عبد الله، حملة المقاطعة، وقال: "حسب رأيي الشخصي فإنه يجب مقاطعة كل من ساعد قائد الانقلاب العسكري في جرائمه سواء كان مسلما أو مسيحيا".
عبدالله، في حديثه لـ"
عربي 21"، أشار إلى أن المقاطعة قد لا تخدم الثورة ولكنه قال إن "الثورة لن تقوم بكل المصريين"، وأضاف: "نظرا لتشابك المجتمع المصري اقتصاديا، فإن المقاطعة قد لا تحقق عمليا الأثر المرجو منها، ولكنها تدعم معسكر المظلومين، ولابد من دعم المعتقلين ولو بالصمت، ومضايقة الآخرين (داعمي الانقلاب مسلمين ومسيحيين) وإيلامهم، ولو بالصمت أيضا".
وأدلى عدد من المنتمين للتيار الإسلامي بدلوهم في دعوة المقاطعة للمسيحيين في تدوينات عبر "فيسبوك".
غضب وتنفيس
وقال الكاتب الصحفي، حازم غراب، واصفا دعوة المقاطعة: "بأنها الغضب والضيق والتنفيس الشعوري واللاشعوري".
وأضاف رافضا تلك الدعوة: "المقاطعة الشعورية واللاشعورية لإخوتنا في الوطن المسيحيين ليست مقصودة ولا متعمدة في ذاتها. المسلم المصري يدرك يقينا أن لو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة دينا وعِرقا ولغة ولونا وووو".
وضرب غراب مثلا بحاجة الجزء للكل داخل المجتمع، وقال: "المسلم الذي يقرر لنفسه المقاطعة جراء ظلم وشماتة وتجاوز أعداد غير قليلة من إخوة الوطن؛ يتفاجأ أنه لا يجد أمامه مثلا سوى صيدلية مسيحي، في حين تكون سواها مغلقة أو لا يتوفر فيها دواء يتوفر عند المسيحيين".
وأنهى تدوينته بالقولك "لا يجوز شرعا أن نأخذ الجميع بجريرة من دبروا وخططوا وذهبوا إلى نيويورك".
دعوة لوقف الكراهية
وقال في تدوينة أخرى: "جهود نبذ وإجهاض تفشي الكراهية الدينية تستحق أن تبدأ فورا لاسيما في الشتات. الفتنة يؤججها المستفيدون والمستقوون بالخارج المتصورون أن قوة الآخر غير المسلم يمكن المراهنة عليها ضد التيارات الشعبية الإسلامية".
ودعا غراب القنوات الإعلامية التابعة للثورة والمناصرة للشرعية، بهذا الجهد عبر لقاءات مع رموز ثورية مسلمة ومسيحية، وطالبهم بتشخيص الداء ووضع النقاط على الحروف.
مقاطعة أقباط المهجر
أما الإعلامي المعارض، هيثم أبو خليل، فكتب عبر صفحته بـ"فيسبوك" تحت عنوان "افهموا أو اصمتوا للأبد".
وقال أبوخليل: "مصر في جنازة بعد كارثة رشيد، فبدل من أن نعبئ الشعب من هذا النظام القاتل المجرم؛ هناك أياد خبيثة سوداء تلعب على غباء وعاطفة بعض المغيبين وتتحدث عن مقاطعة اقتصادية لأشقائنا المسيحيين!".
وخاطب أبو خليل المصريين جميعا بقوله: "افهم أرجوك، توحيد الشعب ضد إجرام العسكر هدف الثورة، وتعميق الاستقطاب والعنصرية والفتنة الطائفية هدف العسكر".
وأضاف: "قولوا لمن ينشر هذه الدعاوي الهدامة أن ينشر بوست باللغة الإنجليزية يدعوا لمقاطعة أقباط المهجر في أمريكا الذين شاركوا ودعموا السيسي، وليس غالبية المسيحيين الذين يعانون مما نعاني منه".
هذا ما يريده العسكر
وقال محمد حسين، الكاتب والمعارض ذو التوجه الإسلامي، عبر صفحته الشخصية بـ"فيسبوك": "أرفض تلك الدعوات التي بدأت تنتشر الآن وتدعو إلى مقاطعة الأقباط، هذا ما يريده العسكر، تدمير بنية المجتمع حتى لا يتكرر مشهد لحمة ثورة يناير".
ودعا حسين أصحاب تلك الدعوى لكسب المسيحيين، وقال: "إن كنت تبحث عن موقف كرد فعل على الدعم القبطي معصوب العينين للسيسي؛ فحذر الأقباط من خطورة من ارتكبوا مذبحة ماسبيرو، وادعوهم للثورة على تواضروس الذي ورطهم في خصومة مع المصريين".