لم يتأثر تداول
الدولار في
السوق السوداء بمحاولات الحكومة تحجيمها، بل إن مراقبين يقولون إنها تنتعش بسبب حاجة المتعاملين إلى العملة الأمريكية وعجز البنوك عن توفيره بالسعر الرسمي.
ولإلقاء نظرة عن كثب، فقد اتصلت "
عربي21" بأحد العاملين المخضرمين في السوق السوداء، لشراء مبلغ من الدولارات، بعدما تعذر الحصول عليه من البنوك أو شركات الصرافة التي ادعت عدم توافره لديها.
وفي بداية المكالمة، بدا عماد عبد الله (اسم مستعار) متحفظا، بسبب المخاطر التي تحيط بالمهنة.
وأصبحت التجارة في العملة الأجنبية نشاطا مغريا للكثيرين في
مصر بسبب أرباحها المرتفعة، على الرغم من المخاطر التي تحيط بها.
البيع لن يتوقف
وقال عبد الله، الذي تحدث لـ "
عربي21"، إن الشركة التي يعمل بها أغلقت أبوابها بعد مداهمتها من مباحث الأموال العامة بزعم ارتكابها مخالفات تستوجب غلقها، لكن العمل في بيع وشراء العملات، وخاصة الدولارات الأمريكية لم يتوقف، على الرغم من غلق الشركة، لكنه أصبح أكثر خطرا.
وأكد الشاب الثلاثيني أنه بات أكثر حذرا حينما يقابل عملاءه خوفا من الملاحقة الأمنية المتواصلة لتجار العملة.
وأوضح عبد الله أن التفاوض على البيع والشراء وعقد الصفقات يتم عبر الهاتف أو باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك" و"واتتس أب"، أما التسليم فيتم بعيدا عن أعين رجال الشرطة.
وأكد أن السعر متذبذب بشدة هذه الأيام بسبب اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 12 مليار دولار، في مقابل الطلب المتزايد على العملة الأمريكية لتلبية احتياجات المستوردين إضافة إلى لجوء الكثير من المصريين إلى الدولرة (تحويل أموالهم إلى دولارات) كنوع من الحماية لمدخراتهم من فقدان القيمة نتيجة تدهور قيمة الجنيه المصري.
ووصل سعر الدولار في السوق السوداء خلال تعاملات يوم السبت إلى 12.80 جنيه، لكنه يختلف من تاجر لآخر، كما أن السعر يزيد كلما زادت الكمية المعروضة للبيع من العملة الأمريكية.
واتسع الفارق بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق السوداء للدولار إلى أكثر من 40%، حيث يبيعه البنك المركزي مقابل 8.88 بينما اقتربت قيمته في السوق الموازية من 13 جنيها.
إغلاق عشرات الشركات
ويقول المسؤولون المصريون إن شركات الصرافة مسؤولة عن الجزء الأكبر من أزمة الدولار، ويتهمونها بجمع العملة الأمريكية وتخزينها بغرض المضاربة عليها وجني أرباح كبيرة بعد تعطيش السوق، بينما يؤكد أصحاب شركات الصرافة أنهم مجرد وسطاء بين بائعي ومشتري الدولار وأن سعر العملة تحدده قوانين العرض والطلب.
وقال جمال نجم نائب رئيس البنك المركزي، في تصريحات صحفية عن مشاركته بمؤتمر اتحاد المصارف العربية بمدينة شرم الشيخ يوم الجمعة الماضي، إنه تم إغلاق 53 شركة صرافة من أصل 120 شركة تعمل في مصر، بسبب مخالفتها لتعليمات البنك.
وتشن الحكومة حملة أمنية مشددة على تجار العملة الأجنبية، حيث أكد اللواء "عصام سعد"، مدير الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة، في حوار مع قناة "صدى البلد" السبت، أن الشرطة تشن حملات أمنية على مكاتب الصرافة بالتعاون مع البنك المركزي، موضحا أنه خلال الأسبوع الماضي فقط تم ضبط 75 قضية اتجار في النقد الأجنبي خارج السوق الرسمية، و15 قضية تحويلات مالية غير شرعية للخارج تبلغ قيمتها أكثر من 20 مليون جنيه مصري.
وأوضح مدير الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة، أن جماعة الإخوان وراء أزمة الدولار في مصر، مشددا على أن هذه الحملات الأمنية ستدفع المواطنين إلى الالتزام بشراء الدولار وبيعه بسعره الرسمي في البنوك ما يسبب انفراجة كبيرة في الأزمة الحالية.
وقبل أسبوعين، أصدر مجلس النواب قانونا لتغليظ العقوبة على المتاجرين في العملة الأجنبية خارج القنوات الرسمية، ينص على معاقبتهم بالسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات وغرامة تصل إلى خمسة ملايين جنيه بتهمة الإضرار بالاقتصاد الوطني.
ووصف علي عبد العال رئيس مجلس النواب شركات الصرافة بأنها ورم سرطاني في جسد الاقتصاد المصري، وطالب بتوقيع بإغلاقها جميعا، وتوقيع عقوبة الإعدام على تجار العملة.
ويقول محللون إن السبب الرئيس لارتفاع سعر الدولار، هو نقص إيرادات مصر من الدولارات، بسبب الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات، بينما يرتفع الطلب عليه لتلبية احتياجات البلاد من السلع المستوردة.
ومنذ ثورة يناير 2011 أخذ احتياطي مصر من العملة الأجنبية يتناقص بشكل متواصل، مع السياحة والاستثمارات مع تصاعد العنف وعدم الاستقرار، حيث فقدت البلاد أكثر من نصف احتياطياتها الأجنبية منذ 2011، فبلغت 15.5 مليار دولار في شهر آب/ أغسطس الماضي، بعدما كانت نحو 36 مليارا عند اندلاع الثورة.