كشف الباحث والمحلل الاستراتيجي التركي، زاهد غول، تفاصيل مثيرة حول دور جهاز المخابرات التركي في كشف محاولة الانقلاب الفاشلة، التي تعرضت لها
تركيا في الخامس عشر من تموز/ يوليو الحالي.
وقال الباحث خلال ندوة حوارية نظمها مركز الشرق الأوسط للدراسات في العاصمة عمان، مساء الأربعاء، إن "جهاز المخابرات التركية كشف المؤامرة الانقلابية قبل ست ساعات، وأخبرت المخابرات هيئة الأركان بالمحاولة، ليُعقد على إثرها اجتماع طارئ وسري بين رئيس هيئة الأركان خلوصي آكار ورئيس المخابرات التركية
هاكان فيدان؛ لاتخاذ التدابير اللازمة التي كان الرئيس
أردوغان على اطلاع عليها".
وبين أن جهاز المخابرات العامة أقر باتخاذ جملة من التدابير، أبرزها: منع خروج أي قوات عسكرية من ثكناتها، وعدم تحريك الطائرات العسكرية من المطارات، دون إظهار ضجيج، لكن تسريبات وصلت للانقلابيين دفعتهم فورا لتقديم موعد الانقلاب، الذي كان مقررا البدء به الساعة الثالثة من فجر يوم السبت".
وحسب غول، كان الانقلابيون في تلك الساعات يبحثون عن مكان تواجد الرئيس أردوغان، وتمكنوا من معرفته بعد منتصف الليل في فندق مرمريس، وكانت سيطرتهم في أنقرة كبيرة وواسعة، حسب ما أفاد به قائد الجيش التركي الأول، الجنرال أميت وديدار، الذي كان من أوائل من اتصل مع الرئيس أردوغان وأخبره بضرورة السفر إلى إسطنبول، حيث سيؤمن مكان إقامته".
لماذا فشل الانقلاب؟؟
يعيد الباحث أسباب فشل محاولة الانقلاب لعدة أسباب، منها: "يقظة الجيش التركي ورفض قطاعات كبيرة منه للانقلاب، وتحرك الشعب التركي ومقاومته للدبابات في الشوارع، ووقوف أحزاب المعارضة والإعلام إلى جانب الحكومة التركية ورفض الانقلاب سياسيا، والإجراءات التي اتخذها الرئيس أردوغان وحكومته في مقاومة الانقلاب، ما كان كفيلا بإفشال المحاولة الانقلابية، وأظهر "اللحمة الكبيرة بين الجيش والحكومة الشرعية والشعب". على حد قوله
تداعيات محاولة الانقلاب الفاشلة
و اعتبر الباحث والمحلل السياسي التركي أن ما جرى من محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا سيكون له تداعيات على السياسة التركية، داخليا وإقليميا ودوليا، بحيث أن هذه السياسة ستكون أكثر قوة، لا سيما في تأييد القضايا العربية والدولية العادلة.
وناقش خبراء استراتيجيون أتراك وعرب خلال الندوة دلالات وتداعيات محاولة الانقلاب الفاشلة، وقالوا إن دولا كأمريكا ودولا أوروبية لها دوافع في دعم الانقلاب، وتتقاطع مصالحها مع الكيان الموازي في تركيا؛ إذ سينعكس فشل محاولة الانقلاب على علاقات تركيا مع الدول العربية إيجابا، خاصة مع دول مجلس التعاون الخليجي.
من جهته، قدم مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في أنقرة، د.شعبان كردش، ملخصا لمراحل الصراع بين جماعة فتح الله غولن والنظام في تركيا منذ عام 2010 وحتى محاولة الانقلاب الأخيرة.
وأشار كردش إلى عدة تساؤلات تتعلق بعدد القيادات العسكرية في الجيش المتورطة في الانقلاب، في ظل انعدام أي تسريبات حول شهادات من يتم التحقيق معهم من المتورطين في محاولة الانقلاب.
ولفت كردش إلى عدة إجراءات بعد محاولة الانقلاب، منها وضع قوات الدرك تحت قيادة وزارة الداخلية، إضافة إلى تغييرات متوقعة في هيكلية الجيش، كما أشار إلى ما جرى من اعتقالات لأعداد كبيرة من الموظفين للتحقيق معهم، موضحا أنه سيتم الإفراج عمن سيثبت عدم تورطهم في محاولة الانقلاب.
كما أكد كردش أن ما جرى أثر بشكل سلبي في ثقة الشعب التركي بالجيش، كما أثر على معنويات الجيش، وهو ما يجب معالجته خلال الفترة القريبة القادمة، حسب كردش.
بدوره، قدم وزير التربية والتعليم الأردني الأسبق، عزت جرادات، ورقة بعنوان "قراءة في الأزمة التركية"، تحدث فيها عن مرحلة ما بعد المحاولة الفاشلة، وقال إن المرحلة القادمة تمثل فرصة للنظام التركي للتقييم ومعالجة الاختلافات الثقافية والعرقية والإيديولوجية، والتقارب مع المعارضة وتأجيل الخلافات، وفرصة لإعادة بناء الجيش والقضاء بنهج توافقي، والالتزام بسيادة الدستور.
وتوقع جرادات ظهور متغيرات في العلاقات التركية الخارجية، لا سيما تجاه أمريكا والاتحاد الأوروبي، مع بقاء هذه العلاقات مرتبطة بالمصالح المشتركة، فيما توقع تطور العلاقات التركية مع دول الإقليم.
الجيش التركي ما بعد الانقلاب
فيما وصف الخبير العسكري الأردني، الفريق المتقاعد د.قاصد محمود، ما جرى انقلابا داخل الجيش التركي نفسه من قبل مجموعة صغيرة، معتبرا ذلك كان بعد إعداد استغرق عدة سنوات من التخطيط، ما يعكس حالة "تسلل سياسي إلى الجيش، وخللا في حالة الضبط داخل صفوفه، وتراجع مستوى الثقة بين قياداته".
ويرى محمود أن محاولة الانقلاب فشلت عسكريا قبل 12 ساعة من موعدها، من خلال مجموعة تحركات سياسية وعسكرية سبقت ساعة الانقلاب، ما دفع قادة تلك المحاولة إلى تقديم موعدها 6 ساعات.
مضيفا أن عدم تورط القادة العسكريين الأساسيين في محاولة الانقلاب، وفشل الانقلابيين في السيطرة على أنظمة الاتصالات، ووجود قوة الأمن التي كانت موازية لقوة الجيش، وتحركها ضد محاولة الانقلاب، كان لها الدور الأساسي في إفشال تلك المحاولة.
وأكد محمود أن ما جرى سيكون له عدة آثار سلبية، لا سيما على الجيش، من خلال تراجع معنوياته، وتراجع مستوى الثقة بين قادته ووحداته، وسيتسبب بفراغ داخل قيادة الجيش، وتراجع لكفاءته العسكرية، وتوسيع الفجوة بين الجيش والقوات الأمنية، وتأثر جهاز الاستخبارات.
ويرى الخبير أن المؤسسة العسكرية التركية ستكون أمام مراجعة استراتيجية شاملة، وأن تركيا أمام تحدي إعادة بناء الثقة الوطنية الشاملة، وإيجاد مقاربة وطنية تخرج بتركيا مما جرى، لتكون أكثر قوة من قبل.