فورين بوليسي: "الدولة العميقة" بتركيا تواصلت مع نظام الأسد

ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، في تقرير أعده الكاتب غلين كينار، أن حزب الوطن القومي التركي يقوم باتصالات مع النظام السوري، وأبلغ الجيش والخارجية التركية بفحوى الاجتماعات، التي أجراها مع كبار المسؤولين السوريين، من رئيس النظام السوري بشار الاسد، إلى مدير مكتب المخابرات الوطني علي مملوك، ومدير المخابرات العامة محمد ديب زيتون، بالإضافة إلى وزير الخارجية وليد المعلم ونائبه فيصل مقداد. 

ويشير التقرير إلى أن رئيس الحزب دوغو برينشتك ونائيه حقي بيكن، رفضا وصف جهودهما بالوساطة، بقدر ما هي بناء "أرضية لاستئناف التعاون بين البلدين". 

ويعلق الكاتب بأن "الدولة العميقة" في تركيا تتحاور مع دمشق؛ في محاولة لإعادة المسار التركي السوري، بعد تطبيع العلاقات مع كل من إسرائيل وروسيا، مشيرا إلى أن العلاقات بين البلدين قد انقطعت بعد ثورة عام 2011، عندما رفض الأسد الاستجابة للمطالب التركية، بإجراء عملية الإصلاح التي طالب بها السوريون بعد ثورات الربيع العربي، فقررت أنقرة بعد ذلك دعم المعارضة، التي تطالب برحيل نظام بشار الأسد، واستقبلت 2.5 مليون لاجئ سوري على أراضيها.

وتلفت المجلة إلى أن حزب "الوطن" حزب يساري صغير، ذو أجندة كمالية قومية معادية للغرب والتدخل الأمريكي في تركيا.
 
ويجد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، أن التحولات المفترضة في الموقف التركي مدفوعة بعدد من الظروف، وهي أزمة اللاجئين في أوروبا بسبب الحرب السورية، والحملة العسكرية الروسية في سوريا، وتوسع المليشيا الكردية وإعلانها عن منطقة حكم ذاتي في شمال سوريا، لافتا إلى أنها ظروف تدفع تركيا نحو خيار التحاور مع أعدائها، حيث يزعم قادة الحزب أنهم نقلوا رسائل متبادلة بين المسؤولين السوريين والأتراك. 

وينوه كينار إلى الشراكة الغريبة، التي جمعت يساريا مثل برينشتك والمدير السابق للاستخبارات العسكرية في الجيش التركي الجنرال بيكن، حيث التقيا في السجن، عندما اتهم الجنرال عام 2011 بالتآمر مع عدد من الجنرالات لقلب نظام الحكم في القضية المعروفة باسم "إرغينكون"، التي اتهم أعضاؤها، وكلهم جنرالات، بالانتماء لمنظمة سرية، مشيرا إلى أن بيرينشتك وبيكن التقيا الأسد في شباط/ فبراير 2015، واتفقا "على حاجة تركيا وسوريا لقتال الانفصاليين والجماعات الإرهابية"، وزعما أنهما أجريا علاقات مع مسؤولين روس وصينيين وإيرانيين. 

وتذكر المجلة أن بيكن وعددا آخر من ضباط الجيش المتقاعدين، مثل أمير البحر سونير بولات، والجنرال بيازيتن كاراتاس، زاروا دمشق، حيث يقول بيكن إنه أثناء هذه الزيارات، التي جرت في كانون الثاني/ يناير، ونيسان/ إبريل، وأيار/ مايو، التقوا مع كبار المسؤولين الأمنيين والدبلوماسيين، وغيرهم من القادة في حكومة النظام السوري، مثل الأمين العام المساعد لحزب البعث عبدالله الأحمر، لافتة إلى أن الموضوع الرئيس لهذه اللقاءات هو "كيفية التحضير لاستئناف التعاون الدبلوماسي والسياسي بين البلدين"، وقال بيكن إن مملوك كان إثناء لقائه معهم يستأذن ويذهب إلى الغرفة الأخرى؛ للتحدث مباشرة مع الأسد. 

وينقل التقرير عن بيكن قوله إنه بعد كل زيارة كان يخبر المسؤولين في الخارجية والجيش بفحوى اللقاءات، وقد لاحظ تغيرا في مواقف المسؤولين الأتراك خلال الأشهر الـ18 الماضية، وأضاف: "في كانون الثاني/ يناير 2015، لم تكن تركيا مستعدة لتغيير سياستها، وفي زيارتي الأخيرة لاحظت انفتاحا (من مسؤولي وزارة الخارجية) حول الموضوع"، منوها إلى أن وزارة الخارجية لم تنف استقبالها بيكن، حيث قال مسؤول في الخارجية: "نعم، استمعنا لبيكن"، لكنه أكد أنه مجرد استماع، وقال: "نحن نستمع لملايين الناس، حتى لسائقي الشاحنات، ممن يقولون إن لديهم معلومات حساسة عن محاور النزاع، ولم يتم التناقش في هذه اللقاءات".

ويورد الكاتب أن المسؤولين البارزين في حزب الوطن القومي يعتقدان أن المسألة الكردية، وإعلان حزب الاتحاد الديمقراطي عن منطقة حكم ذاتي في شمال سوريا، يجعلان من النظامين التركي والسوري خندقا واحدا، ويقول برينشتك: "أخبرنا الأسد أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو منظمة خائنة وانفصالية، وقال إنه لن يتسامح مع جماعة انفصالية في سوريا، ولا يشك أن حزب الاتحاد الديمقراطي، وحزب العمال الكردستاني، هما بيدقان في يد الولايات المتحدة"، لافتا إلى أن زعيم حزب الوطن يرى أن حزب الاتحاد الديمقراطي يحظى بدعم من الولايات المتحدة، وأن الطريقة الوحيدة لمواجهته هي بناء تحالفات إقليمية، بما في ذلك التعاون مع الأسد. 

وتنقل المجلة عن برينشتك، قوله: "تواجه تركيا حزب العمال الكردستاني، وهذا ليس كافيا، ويجب أن تقطع الدعم الخارجي لحزب الاتحاد الديمقراطي ومواجهته؛ لهزيمة حزب العمال، وحتى تقطع الدعم على تركيا التعاون مع سوريا"، مشيرة لتصريحات متعاطفة برزت من أحد قادة حزب العدالة والتنمية الحاكم، التي قال فيها إن "في نهاية المطاف، فإن الأسد قاتل، وعذب شعبه، لكنه لا يدعم منطقة حكم ذاتي كردية، فقد لا نحب بعضنا، إلا أننا نسعى إلى الأهداف ذاتها".

ويفيد التقرير بأن عددا من المسؤولين الأتراك رفضوا ما ورد في حديث المسؤولين الحزبيين، حيث قالوا إنه لا يوجد تغير في الموقف التركي الرسمي من نظام الأسد، وقال مسؤول إن مقترحا كهذا "سخيف"، وأضاف أن "الأسد لا يستطيع حماية حيه، فكيف يمكنه مساعدتنا لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي عزز قوته ضد تركيا والمعارضة السورية"، منوها إلى أن برينشتك وبيكن يزعمان أنهما أسهما في عودة العلاقات التركية الروسية، حيث قال بيكن: "طلبت منا مجموعة من رجال الأعمال المرتبطين بأردوغان المساعدة"، وسافر بيكن إلى موسكو مباشرة في كانون الأول/ ديسمبر 2015، واجتمع والوفد المرافق له مع الفيلسوف الروسي القومي المقرب من الكرملين ألكسندر دوغين، الذي طلب لفتة من النظام التركي واعتذارا، وتم اعتقال المواطن التركي أرسلان تشيلك، الذي قتل الطيار الروسي. 

وينقل كينار عن مصادر رئاسية تركية قولها إن لا علم لها بلقاءات كهذه، وردا على سؤال عن استعداد حزب الوطن لأداء دور الوسيط بين تركيا وسوريا، أجاب رئيسه: "لا نأخذ توجيهات من أي طرف"، وقال برينشتك: "هناك الكثير من الأشخاص داخل حزب العدالة والتنمية، خاصة المحيطين بأردوغان، يرون أن العداوة مع روسيا وسوريا لا يمكن استمرارها، ولهذا السبب تم تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة بن علي يلدريم، خلفا لحكومة رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو".

وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن يلدريم تحدث عن أهمية تحسين العلاقات مع الجيران، وقال: "لا توجد أسباب للقتال مع العراق وسوريا ومصر، لكننا بحاجة إلى توسيع التعاون معها أكثر".