نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا للصحافية لورا بيتل في إسطنبول، تتحدث فيه عن دلالات التقارب التركي المفاجئ مع
إسرائيل وروسيا.
وتقول الكاتبة إنه عندما أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أن أنقرة تسعى لزيادة أصدقائها، والتقليل من أعدائها، لم يتوقع كثير من المراقبين أن تجري هذه التحولات بالسرعة التي حصلت فيها، حيث أعلنت
تركيا هذا الأسبوع بأنها أصلحت علاقاتها مع إسرائيل، بعد خمس سنوات من تجميد العلاقات الدبلوماسية، وقدمت غضن الزيتون لموسكو باعتذار مفاجئ لإسقاط طائرة عسكرية روسية فوق
سوريا.
ويجد التقرير أن هذا التقارب يشير الى أن الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان، تبنى مقاربة جديدة أكثر تصالحية في سياسته الخارجية، بعد فترة نحس امتازت بالعزلة والتوتر مع حلفاء قدامى، مشيرا إلى أن العودة إلى فلسفة أكثر براغماتية لعضو الناتو والقوة الإقليمية التي تصل أوروبا بالشرق الأوسط هي خطوة إيجابية في منطقة تعاني من الاضطرابات، وهو تحرك رحب به الدبلوماسيون الأجانب والمستثمرون.
وتشير الصحيفة إلى أنه في ظل حكم أردوغان، الذي كان أكثر السياسيين بروزا على مدى أكثر من عقد، كان شعار أنقرة "تصفير المشكلات مع الجيران"، مستدركة بأن ثورات الربيع العربي في الشرق الأوسط عام 2011، شجعت أردوغان وحزبه ذا الجذور الدينية على تبني مقاربة دينية، حيث كان ذلك مبنيا على الاعتقاد بأن الحركات الإسلامية السنية ستصل إلى سدة الحكم.
وتنقل بيتل عن محللين قولهم إنه بعد خمس سنوات من نلك السياسة، وبسبب آفة الصراعات والاضطرابات، التي تعصف بالشرق الأوسط، قامت تركيا بالعودة إلى الوضع السابق.
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، نقلا عن رئيس مركز إسطنبول للدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية سنان أولغن، قوله: "فشل النموذج السابق القائم على سياسة خارجية مبنية على الأيديولوجيا فشلا ذريعا، وأخذ الأمر تركيا عدة سنوات لتقدير ذلك، ثم التعافي منه".
وتستدرك الصحيفة بأنه رغم أن يلدريم أعلن التغيرات الأخيرة، إلا أن العملية بدأت بسبب تحديات اقتصادية وأمنية وسياسية، قبل تسلم وزير النقل السابق والموالي لأردوغان لرئاسة الوزراء الشهر الماضي، حيث كان هناك إدراك بأن المقاربة السابقة لم تؤد إلى نتائج، ووجدت البلد نفسها تحارب على عدة جبهات دون حلفاء، بحسب المحللين.
وتلفت الكاتبة إلى أن جنوب تركيا الكردي عاد إلى العنف بعودة اشتعال الحرب، التي دامت 30 عاما بين الدولة وحزب العمال الكردي المحظور، مشيرة إلى أن هذا الصراع، مع تدخل
روسيا عسكريا في سوريا لدعم رئيس النظام السوري بشار الأسد، اضطر أنقرة لإعادة النظر إلى أهدافها من الحرب الدائرة داخل الجارة سوريا.
وينقل التقرير عن مدير مركز التوجهات السياسية العالمية في جامعة كولور في إسطنبول منصور أكغون، قوله: "جاء هذا التوجه نتيجة إدراك تركيا بأنها تركت وحدها معزولة في شرق أوسط مضطرب، وكانت بحاجة إلى إيجاد حلفاء في المنطقة وفي الخارج".
وتورد الصحيفة نقلا عن الزميل في معهد "أتلانتك كاونسل" آرون ستين، قوله إن تدخل روسيا في سوريا "غيّر موقف تركيا الاستراتيجي تماما"، مستدركا بالإشارة إلى أن تركيا لن تتوقف مرة واحدة عن الإصرار على خروج الأسد من الحكم، لكنها بدلا من ذلك، ستقوم بإعادة موازنة جهودها.
وتنوه بيتل إلى أن خسارة الثوار السوريين، الذين تدعمهم تركيا، مقابل تقدم القوات الكردية، التي تدعمها أمريكا، وقلق تركيا من أن تقوم روسيا بدعم الفصائل الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني لزعزعة الاستقرار في تركيا، اضطر تركيا إلى إعادة التقييم.
ويفيد التقرير بأن هناك عوامل اقتصادية أدت دورا في تغيير تركيا لسياستها، حيث تسببت التفجيرات الانتحارية، بالإضافة إلى النزاع مع روسيا حول الطائرة العسكرية الروسية التي أسقطتها تركيا على الحدود السورية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، بضرب قطاع السياحة المهم، وأظهرت الإحصائيات، التي نشرت يوم الثلاثاء، أن هناك تراجعا بنسبة 35% في نسبة السياح، بالإضافة إلى تراجع عدد السياح الروس بنسبة 92%.
وتنقل الصحيفة عن الخبير الاقتصادي تيم آش، قوله إن تدهور مداخيل السياحة أدى إلى "مخاطر في كشف مناطق الضعف التقليدية في الاقتصاد التركي"، بما في ذلك عجز في الحساب الجاري (الفرق بين الصادرات والواردات)، وهو ما يعني الاعتماد على التمويل قصير الأمد، وأضاف أنه كان أيضا يؤذي مؤيدي حزب العدالة والتنمية في قطاعات البناء والعقار والبنوك.
وترى الكاتبة أنه بتخفيف الضغط بسبب التحديات الكثيرة التي تواجهها تركيا، فإنه يمكن لأردوغان أن يجد متسعا من الوقت للسعي لتحقيق طموحه السياسي بتعديل الدستور التركي؛ لخلق رئاسة تنفيذية قوية.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية في جامعة قادر هاس، أكن أنفر: "كل التحولات في السياسة الخارجية لها أبعاد انتخابية محلية، وقد وضع الرئيس أردوغان أولوية للتحول الدستوري إلى رئاسة تنفيذية، ولهذا السبب فهو يريد التخلص من أزمات العلاقات الخارجية للتركيز على القضايا الداخلية".