تدفع جهود
مصر لتخفيف أزمة نقص
الدولار التي تشل حركتها صوب مزيج غث من ارتفاع الأسعار وتدني
النمو، ما يقوض الآمال في إنعاش
الاقتصاد بعد سنوات من القلاقل السياسية.
وقفزت الأسعار منذ خفضت مصر قيمة عملتها 13 بالمئة في منتصف آذار/ مارس، لتضع حدا للمضاربة ضد الجنيه، ومعالجة نقص الدولار الذي يعطل التجارة في بلد يعتمد على الواردات في توفير شتى متطلباته من الغذاء إلى الوقود.
لكن
السوق السوداء للدولار انتعشت مجددا بعد ذلك، لتعود مصر إلى المربع رقم واحد، حيث ترزح تحت ضغط لخفض قيمة العملة وإيقاد شرارة جولة جديدة من ارتفاعات الأسعار، في وقت يتباطأ فيه النمو الاقتصادي.
وتوفير الغذاء بأسعار في المتناول قضية سياسية قابلة للانفجار في مصر، التي يعيش عشرات الملايين من سكانها على حد الكفاف.
يصف محمود عبد الله -الذي يعيش بمنطقة فقيرة أقيمت في موقع كان مكبا للنفايات في القاهرة- كفاحه اليومي، لكي يفي دخل الأسرة بما يزيد على الفول والبطاطس، بينما يسجل التضخم الأساسي أعلى مستوياته في سبع سنوات، متجاوزا 12 بالمئة في أيار/ مايو.
يتساءل عبد الله الذي له ستة من الأبناء وهو يضحك بمرارة: "الفاكهة؟ أي فاكهة؟ كفاية علينا أن نرى الفاكهة في الشارع".
يقول المستوردون إن خفض العملة زاد تكلفة جلب الشحنات، في حين يجبر نقص العملة الصعبة البعض على دفع سعر أعلى في السوق السوداء، حيث يباع الدولار بنحو 11 جنيها. يبلغ السعر الرسمي 8.8 جنيه، لكن البنوك عاجزة عن الوفاء بالطلب.
وفي مسعى لتقليص الواردات التي تلقي باللوم عليها في الطلب الزائد على الدولار، رفعت مصر الرسوم الجمركية هذا العام. تهدف الخطوة إلى تشجيع المستهلكين على استخدام البدائل محلية الصنع، ما سيعزز الشركات المصرية ويشجع الصادرات.
لكن الصادرات انخفضت 13.9 بالمئة في النصف الأول من 2015-2016، في حين يقول المصنعون إن نقص الدولار يزيد من صعوبة استيراد المواد الخام. كما أن خفض قيمة العملة يجعلهم يدفعون المزيد لشراء مستلزمات الإنتاج تلك، ما يرفع سعر المنتج المحلي.
يقول تيموثي قلدس، الزميل غير المقيم بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط: "يريدون أن يجعلوا الاستيراد أكثر صعوبة، لكن ما يقومون به أيضا هو مخاطرة قد تخلق ركودا اقتصاديا... لا أحسد أي أحد يحاول التعامل مع هذا الوضع؛ لأنه لا توجد حلول جيدة".
في غضون ذلك يكابد عبد الله الأمرين للعثور على عمل منتظم منذ انتفاضة 2011، التي أنهت 30 عاما من حكم حسني مبارك، وكانت مدفوعة جزئيا بالغضب من سياسات اقتصادية بدا أنها تصب في صالح الأغنياء فقط دون من سواهم.
وقال لرويترز: "الوضع تحت الصفر... كل مرة الأسعار تزيد تكون النتيجة وقوعنا نحن ووقوع غيرنا... الفقراء ضائعون".
استدعاء الجيش
لا تخفى مخاطر ذلك على الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي تعهد بإنعاش الاقتصاد بعد تسلمه السلطة في 2013، وقد استدعى الجيش للمساعدة في كبح جماح الأسعار.
وعلى مدى العام المنصرم، بدأت شاحنات الجيش تجوب أنحاء البلاد، لتبيع البقالة بأسعار زهيدة، بينما انتشرت منافذ البيع التابعة للقوات المسلحة.
تقول اللافتة المعلقة فوق أحد تلك المتاجر في القاهرة: "منفذ بيع الدفاع الجوي. لا لارتفاع الأسعار. لا لجشع التجار".
ومن نافذة تغطيها القضبان الحديدية ينادي الزبائن على طلباتهم.
يقول الضابط الذي يدير المتجر إن السلع من إنتاج شركات الجيش لتموين القوات، لكنها تباع إلى المستهلكين؛ لمحاربة ارتفاع الأسعار الذي عزاه إلى التجار.
لكن رجال الأعمال يقولون إنهم لا يستطيعون البيع بأسعار الجيش المعفي من الضرائب، والذي يستخدم المجندين كعمالة مجانية في مصانعه ومزارعه.
وبتوفير سلع مدعمة أسعارها خارج المنافسة، يقول الاقتصاديون إن الدولة تقوض القطاع الخاص، وتزيد الاعتماد على الدعم، الذي لا تستطيع تحمله، بل وينبغي تقليصه.
وقال محمد عبد الرحمن، الذي يملك مخبزا: "انظر إلى ارتفاع سعر الزيت والسمن والخضراوات لتعرف لماذا رفعنا الأسعار".
منافسة على الزبائن
أمام عربة تبيع قطع اللحم الرخيصة بسوق للمواد الغذائية في القاهرة، تشتري امرأة كيسا من أمعاء البقر. تسأل أخرى عن سعر عظم الساق، ثم ترحل عندما تسمع الرد.
عند كشك آخر، تنتقي امرأة من كومة طماطم فاسدة تباع بسعر منخفض. وبجانبها كومة طازجة بمثلي السعر لا يقربها أحد.
غالبا ما يكون شهر رمضان مزدحما لباعة الأغذية، لكن النشاط أقل من المعتاد هذا العام.
وقال جزار طلب، عدم نشر اسمه: "كنا ننتظر هذا الموسم... كان موسم شراء الكميات والأصناف المتنوعة. الآن يكتفي الناس بالفرجة".
يقول الاقتصاديون إن التباطؤ الاقتصادي قد يتفاقم مع قيام الناس بخفض الإنفاق، مما قد يثير المشاكل للحكومة التي تحتاج إلى تسريع النمو لتوفير فرص العمل في ظل الزيادة السكانية.
وتباطأ النمو إلى 4.5 بالمئة في النصف الأول من 2015-2016 مقارنة مع 5.5 بالمئة قبل عام، وهو معدل قوي بالمعايير الغربية، لكن الخبراء يقولون إنه بالغ البطء بالنسبة لسكان زاد عددهم مليون نسمة إلى 91 مليونا في الأشهر الستة الأخيرة.
غير أن ارتفاع التضخم أجبر مصر على رفع أسعار الفائدة نقطة مئوية واحدة الأسبوع الماضي إلى أعلى مستوياتها في سنوات.
يزيد ذلك تكلفة الاقتراض والتوسع بالنسبة لشركات القطاع الخاص في بلد تفضل فيه البنوك بالفعل الاستثمار في الدين الحكومي مرتفع العائد منخفض المخاطر.
وثمة خطة لسن ضريبة القيمة المضافة، لكنها تأخرت بسبب تخوف صناع السياسات من التداعيات السياسية لجولة تضخم جديدة.
وشهد العامان الأخيران بالفعل قيام الحكومة بخفض دعم الكهرباء والبنزين، لكن إجراء مزيد من التخفيضات تأجل؛ نظرا لانخفاض أسعار النفط. وفي الأسابيع الأخيرة، رفعت مصر سقف السعر للشريحة الأرخص من العقاقير النوعية.
واحتمال ارتفاع الأسعار أكثر هو بمنزلة الكابوس، حتى بالنسبة للطبقة المتوسطة، مثل الموظفة الحكومية شادية عبد الله التي تقاعد زوجها ولها ابنان كبيران يقيمان معهما.
تقول: "دخْلنا ثابت، لكن الأسعار ترتفع".