أقام عدد من من المحامين والحقوقيين في
مصر ثلاث دعاوى أمام القضاء الإداري بمجلس الدولة، يطالبون فيها بإلغاء قرار إنشاء جهاز "الأمن الوطني" (أمن الدولة المنحل بعد ثورة يناير)، استنادا إلى أنه لا يزال يمارس أساليب شقيقه "أمن الدولة" المنحل نفسه، من قمع وتعذيب وتضييق على الحريات، والتحكم في مفاصل الدولة، وفي الحياة والسياسة بمصر.
جهاز خارج عن القانون
ونشرت صحيفة "الفجر" ملخصا للدعاوى الثلاث، في عددها الخميس، وقالت إن أول دعوى اختصم فيها المحامي والناشط الحقوقي، "صالح حسب الله"، برقم 49811 لسنة 79 ق، كلا من رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، ووزيري الداخلية والعدل، وطالبت بحل الجهاز، وإلغاء قرار تأسيسه، وما يترتب عليه من آثار، متمثلة في مقار الجهاز، والضباط العاملين به، وتوزيعهم في حال صلاحيتهم على قطاعات الوزارة أو إقالتهم في حال عدم الصلاحية.
واستندت الدعوى إلى أن اختصاصات جهاز "الأمن الوطني" حاليا، هي ذات اختصاصات جهاز "أمن الدولة" سابقا، حيث يختص الجهاز حاليا بجميع الجرائم التي تضر بأمن الحكومة من جهة الخارج، ومن جهة الداخل.
وأضافت الدعوى أن "جهاز الأمن الوطني، وفقا لنص المادة 1588 من قانون الإجراءات الجنائية، تنص صراحة على أن أمن الدولة مختص بجميع الجرائم سواء كانت جنحا أو جنايات، التي تضر بأمن الحكومة"، وبالتالي يتضح من هذا النص أن "أمن الدولة" هو أمن الحكومة، وليس أمن الشعب، وغالبا ما يحدث تضارب بينهما، وعادة ما يتم تقديم أمن الحكومة على مصلحة مواطنيها.
وأوضحت الدعوى أن "الأمن الوطني" يختص بالتحقيق والتحري عن المظاهرات والإضرابات، ومراقبة الجامعات، وسير التعليم في المعاهد والجامعات، وفي السابق كان تعيين اتحادات الطلاب بمعرفة "أمن الدولة"، وهو ذات الوضع الحالي، كما أن الجهاز هو المتحكم في أنشطة الجامعات، والمساجد، وكذلك الأحزاب، وجميع وسائل الإعلام.
ولا يزال - وفق الدعوى - الجهاز يتدخل في التعيين بالهيئات القضائية، وجهاز الشرطة والهيئات الحكومية العادية، إذ يجب أن يتم التعيين بعد إقرار تحريات الجهاز بصلاحية شاغل الوظيفة، من خلال قسم بالجهاز مختص بشؤون الموظفين في جميع مرافق الدولة.
وأشارت الدعوى إلى أن القطاع الخاص لم يسلم من تدخلات الجهاز، وأنه توجد بعض الأنشطة التي يجب أن يصرح الجهاز بمزاولتها، وهي أنشطة قد تكون تجارية أو خدمية، ما يعني أن الجهاز يراقب ويتدخل في حياة الموظفين، وينتهك الدستور والقانون، حين يمارس اختصاصاته.
وذكرت الدعوى أنه تبين في السنوات الخمس الأخيرة، ومنذ حل جهاز أمن الدولة، وتأسيس جهاز جديد باسم "جهاز الأمن الوطني"، أن الأخير يمارس أعمال وانتهاكات الجهاز المنحل نفسها، التي أدت إلى اندلاع ثورة 25 يناير 2011، ونشوء حالة الغضب العارمة تجاه جهاز الشرطة، ومن ثم أصبحت ذات الأسباب التي تم بمقتضاها حل جهاز أمن الدولة قائمة في حق جهاز الأمن الوطني.
الإنشاء سري وغير قانوني
ولم تكن هذه الدعوى هي الوحيدة المقامة لحل جهاز الأمن الوطني، فقد سبقتها دعوى أقامها المحامي أبو الفتوح عبد المقصود، برقم 16126 لسنة 69 ق، اختصمت وزير الداخلية، وطالبت بحل جهاز "الأمن الوطني".
واستندت الدعوى في أسباب طلبها، إلى أن إنشاء الجهاز الأمني الجديد تم بموجب قرار "سري" غير معلن، ولم ينشر في الجريدة الرسمية، ولم يتم اتخاذ أي من الإجراءات القانونية السليمة لنشر قرار إنشاء الجهاز في القنوات المحددة، ليحل محل جهاز أمن الدولة، وهي الإجراءات الواجبة في الاتباع والتطبيق؛ لكي يكون قرار الإنشاء صحيحا من الناحية القانونية.
عاد لحماية الفساد وإجهاض الثورة
أما الدعوى الثالثة فقد سبقت الدعويين السابقتين، وأقامها الباحث بالمركز القومي للبحوث، حامد صديق، برقم 31136 لسنة 65 ق، وطالبت بوقف قرار إنشاء قطاع الأمن الوطني؛ لعدم قيامه على سند قانوني، كما طالبت بمصادرة مقاره بجميع إداراته، وتحويلها لمتحف ونصب تذكاري لشهداء 25 يناير.
وذكرت الدعوى أنه بعد التخلص من النظام (نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك)، الذي اعتمد على "الأمن السياسي" في السيطرة على نظام الحكم، إذ إن وظيفته الأساسية كانت حماية النظام، وبرغم انتقال السلطة أكثر من مرة؛ استمر الجهاز تحت أسماء عدة.
وأوضحت الدعوى أنه في 15 آذار/ مارس 2011 صدر قرار من وزير الداخلية بإلغاء جهاز المباحث أمن الدولة، وصدر القرار برقم 445 بإنشاء قطاع جديد بالوزارة بمسمى "قطاع الأمن الوطني"، على نفس نمط جهاز "أمن الدولة"، مستخدما جميع مقاره وفروعه وأدواته، وبعضا من قياداته، وكثيرا من عناصره، دون سند من القانون، أو الشرعية الثورية.
وأضافت الدعوى أنه من متابعة النشأة التاريخية لأسباب نشأة الجهاز، فإنه ينحصر دوره في تتبع المواطنين، والقضاء على مقاومة الظلم، وحماية الفساد، ومن ثم فإن إعادة الجهاز، أيا كان اسمه، هي لحماية الفساد، وإجهاض الثورة، بدليل تمسك جهاز "الأمن الوطني" ببعض قيادات الجهاز المنحل، والكثير من عناصره، التي كانت شاهدة على مقابر التعذيب، وأدوات البطش، وإرهاب المواطنين، قبل ثورة يناير.