نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا للباحث
الفلسطيني أحمد سامح الخالدي، في الذكرى الـ68 للنكبة.
يبدأ الخالدي تقريره قائلا: "بينما تمر هذه الذكرى، تبقى المعاناة الفلسطينية دون حل، حيث شهدنا على مدى الأسابيع القليلة الماضية جدلا مختلفا، عمل على حرف الانتباه لقضية أخرى، وهي قضية عداء
السامية داخل حزب العمال".
ويضيف الكاتب: "يدرك معظم المؤيدين الحقيقيين للقضية الفلسطينية الفرق بين معاداة السامية ومعاداة
الصهيونية، وهذا الفرق بالذات كان، ولفترة طويلة، جزءا من الخطاب الوطني الفلسطيني، وتم تبنيه بصفته وسيلة للتفريق بين العنصرية ومعارضة الفكر السياسي".
ويتابع الخالدي بأنه "يجب على أي شخص يعرف شيئا عن تاريخ الصراع الفلسطيني-
الإسرائيلي، أن يعرف خطورة استحضار النازية، عندما يتحدث عن إسرائيل أو الصهيونية؛ ليس لأن المقارنة قبيحة فحسب، بل لأنها تشوه طبيعة هذا الصراع".
ويجد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه "سواء كان الأمر صدفة أو مخططا له أو جهلا محضا؛ فإن تهم معاداة السامية داخل حزب العمال أثارت قضايا تستحق انتباها جادا؛ بالرغم من محاولات التشوية، وإبراز المواقف والتلاعب، الذي صاحب الجدل، حيث تساءل البعض: لماذا العدوانية تجاه إسرائيل بالذات، في الوقت الذي لو كانت فيه هذه العدوانية موجهة لحركة سوداء مثلا، لأدرك اليسار (مع غيره) أن ذلك تمييز عنصري غير مقبول أخلاقيا؟ ومهما كانت أخطاء إسرائيل التاريخية أو الحالية، فإنه يجب احترام اليهود، الذين يعدون إسرائيل خلاصا قوميا مثل أي مجموعة قومية أو إثنية، والفشل في ذلك هو بحد ذاته تمييز مفرط، وهو اختبار حقيقي للمعارضة العنصرية".
ويشير الكاتب إلى أنه "بعد
النكبة وقيام إسرائيل على أنقاض الوطن القومي الفلسطيني بسبعة عقود، فإنه جدير أن يطرح السؤال عما إذا كانت إسرائيل (حالة خاصة) ولماذا؟ صحيح أن بلدانا كثيرة ولدت نتيجة حمل أقل من مقدس، لكنها لا تتعرض للعدوانية التي تتعرض لها إسرائيل".
ويستدرك الخالدي قائلا: "لكننا لا نتحدث عن التاريخ هنا، فالصراع على الأرض إسرائيل/ فلسطين لا يزال قائما ومستمرا، فالأمر يختلف عما هو حال السكان الأصليين في الأمريكيتين الشمالية والجنوبية وأستراليا وغيرها، حيث لا يزال الفلسطينيون لم يهزموا ولم يقهروا. والأمر الآخر هو أن إسرائيل ولدت في القرن العشرين، ويجب الحكم على أفعالها بالقيم العصرية، وليس بقيم الحقبة ما بين الخامس عشر إلى التاسع عشر، خاصة في ضوء الادعاء الصهيوني بأنها قوة أخلاقية وأهدافها حميدة؛ فإن كان الأمر كذلك فيجب الحكم على أفعالها ونتائجها بناء على ذلك، وإلا فإن تأكيد ادعاءاتها بأخلاقيتها يستدعي الاتهام بالنفاق".
وتذكر الصحيفة أن "هناك سببا مباشرا آخر لكون إسرائيل حالة خاصة، وهو كونها مثالا حيا على دولة محتلة ومستوطنة، فليست هناك دولة أخرى تدعي أنها ديمقراطية على النمط الغربي، تقوم باحتلال أراضي شعب آخر، وتدعي بأنها أرضها، بل وتقوم بتطبيق مشروع استعماري بزرع مواطنيها بشكل غير قانوني في أراضي الغير، إنها الحالة الوحيدة في القرن الحادي والعشرين".
ويفيد التقرير بأنه "ليس هناك أي دولة تدعي أنها ديمقراطية على النمط الغربي تقوم فيها القوانين والممارسات السياسية على أساس التمييز الديني والعرقي، فليس هناك دولة تضع محاصصة إثنية للإبقاء على نسبة اليهود للعرب في القدس 70% إلى 30% ، أو تهويد الجليل، أو أن ترفض فكرة أن تكون (دولة لمواطنيها كلهم)، ولا يمكن لقائد في ديمقراطية على النمط الغربي أن يستمر في منصبه إن ادعى أن مشاركة المواطنين الأصليين في العملية الديمقراطية تشكل تهديدا، كما فعل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو العام الماضي".
ويرى الخالدي أن "القوى السياسية الفاعلة في الغرب تتحمل بشكل عام مسؤولية خاصة عن إقامة دولة إسرائيل وما تلا ذلك من أفعال، وما يدعم هذا هو أن الحكومات الغربية الرئيسة كلها ومعظم الأحزاب السياسية الكبيرة تؤكد دعمها لإسرائيل وما تمثله، بغض النظر عن أفعالها، حتى عندما تكون تلك الأفعال معارضة لقيمها التي تدعيها".
ويلفت الكاتب إلى أن "المملكة المتحدة تتحمل مسؤولية خاصة؛ بسبب الدور الغادر والخطير الذي أدته في سلب فلسطين، من خلال وعد بلفور الظالم وشروط الانتداب الذي دعمته، والانسحاب الدنيء من فلسطين عام 1948، حيث إنها بقبولها شروط الانتداب لصالح وطن قومي لليهود تحملت المملكة المتحدة مسؤولية مصير الفلسطينيين، ولولا الدعم الناشط وتسهيل الانتداب لما خسر الفلسطينيون وطنهم".
ويقول الخالدي: "مع اقترابنا للذكرى المئة لوعد بلفور العام القادم، فإنه حري بالمملكة المتحدة، التي أكد زعماؤها من ونستون تشرتشل إلى غوردون براون إلى ديفيد كاميرون علنا أنهم صهاينة، أن تعترف بدورها في سلب الفلسطينيين وطنهم، كما يجب أن تقف حارسا ضد أفة معاداة السامية".
ويرى الكاتب أنه "ليس هناك حاجة لزخرفة القضية الفلسطينية بمقارنات خاطئة ومضللة، وأقلها إقناعا تلك المقارنة بين الصهيونية والنازية، فكونها تسمح لمؤيدي إسرائيل بإثارة التهمة المضادة بمعاداة السامية، فإن هذه المقارنة تحرف انتباه العالم عن البؤس الذي يعانيه الفلسطينيون ويشوه قضيتهم، حيث إن القضية الفلسطينية ترتكز على أسس أخلاقية وسياسية وعلى مسألة بسيطة، هي أن شعبا اقتلع من أرضه ضد رغبته لصالح أقلية إثنية فرضت عليه من قوى خارجية، وبقوة السلاح، فالفلسطينيون في الواقع دفعوا الثمن الباهظ للعداء الأوروبي للسامية، الذي هم أبرياء منه".
ويخلص الخالدي إلى القول: "قد يريد البعض منا أن نفهم لماذا يفتخر اليهود بإسرائيل، ولا يمكنهم وصف إقامتها بالذنب، لكن وبالمنطق ذاته قد نريد منهم أن يفهموا لماذا لا يمكن التوقع من الفلسطينيين الاحتفال بسلب وطنهم، أو أن يفعلوا شيئا غير الحزن على نكبتهم، فهذا لا علاقة له بمعاداة السامية؛ لأن إثنية أو ديانة المجموعة التي تقوم بالسلب لا تهم كثيرا، حيث إننا سنعارضهم مهما كانت الإثنية أو الديانة".