وافق مجلس الوزراء السعودي في جلسته المنعقدة يوم الاثنين 11 نيسان/ إبريل، على التنظيم الجديد المحدد لصلاحيات الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، المنظم لعملها.
ووفقا للمادة السابعة من التنظيم الجديد، فقد تم تقييد عمل الهيئة بجملة من الضوابط، حصرت عملها بـ"تقديم البلاغات بشأن ما يظهر لها من مخالفات أثناء مزاولتها لاختصاصها، إلى الشرطة أو الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، بحسب الاختصاص".
وجاء التأكيد في الضابط السابق، على أن "جميع الإجراءات اللاحقة لتلك البلاغات بما في ذلك إجراءات الضبط الجنائي والإداري والتحفظ والمتابعة والمطاردة والاستجواب والتثبت من الهوية والتحقيق والقبض" من اختصاص الشرطة أو الإدارة العامة لمكافحة المخدرات وحدهما، في إشارة واضحة إلى منع الهيئة من القيام بتلك الإجراءات.
أثارت الموافقة على التنظيم الجديد جملة من التساؤلات حول خلفيات التنظيم ودوافعه، فبحسب مراقبين ومحللين، فإنها جاءت للحد من صلاحيات الهيئة، وتقليص دورها في المجتمع، وقصره على الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، من غير أن يكون لها أي صلاحيات تُذكر في إجراءات الضبط والتحفظ والمطاردة والاستجواب.
وتوضيحا لخلفيات التنظيم ودوافعه، فقد ذكر الإعلامي السعودي عبد العزيز قاسم، أن اللائحة تم الاشتغال عليها منذ ما يقارب السنتين، في عهد الرئيس السابق للهيئة عبد اللطيف آل الشيخ، وبعد إنجازها تم رفع تلك التوصيات للجهات المعنية لدراستها وإقرارها، وقد تمت الموافقة عليها مؤخرا من قبل مجلس الوزراء.
من جهته، أجاب الإعلامي السعودي قاسم جوابا، عن سؤال وجهته له "
عربي21" حول مدى استجابة الدولة
السعودية للضغوط الخارجية في موافقتها على التنظيم الجديد للهيئة، أوضح قاسم أن الضغوط الخارجية ليست خاصة بتنظيم عمل الهيئة فحسب، بل في مجالات أخرى مثل حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ومحاربة الفساد، وما إلى ذلك.
وأشار قاسم إلى أن ربط الموافقة على التنظيم بالضغوط الخارجية فيه قدر كبير من الحيف، لافتا إلى وقوع أخطاء فردية من المنتسبين للهيئة أثارت ردود فعل غاضبة في الداخل والخارج، وكانت أحد الأسباب وراء تنظيم عمل الهيئة.
وأشار قاسم إلى أن انفتاح المجتمع السعودي، وارتفاع درجة الوعي والتعليم لدى أبناء المجتمع، لهما دور في إعادة النظر في ما يتعلق بتنظيم عمل الهيئة، بما يتماشى مع متطلبات تحديث المجتمعات وتطورها من غير الإخلال بجوهر القيم والمبادئ التي قامت عليها الدولة السعودية ومؤسساتها المختلفة.
من جانبه، تحاشى الباحث الشرعي السعودي، ماهر القرشي، الجواب المباشر عن دوافع التنظيم الجديد للهيئة، مقترحا على "النخب الثقافية المحافظة" الاشتغال بالبحث عن الآليات والكيفيات للمحافظة على مكتسبات شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتطويرها بما يتناسب مع التنظيم الجديد للهيئة.
وأقر القرشي أن التنظيم الجديد للهيئة "تضمن تقليصا للصلاحيات السابقة للهيئة، فأبرز ما جاء فيه حصره لعمل الهيئة في الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وإبلاغ الشرطة أو إدارة مكافحة المخدرات إذا اقتضى الأمر، وينتهي دورها عند هذا الحد".
وردا على سؤال "
عربي21" (ماذا قرأ المراقبون والمحللون في اللائحة الجديدة؟)، فقد لفت القرشي إلى اختلاف قراءات المراقبين والمحللين للتظيم الجديد بحسب تخصصاتهم وانتماءاتهم المختلفة، فثمة قراءات قانونية، وأخرى اجتماعية، وثالثة دعوية، ورابعة أمنية، التي تبعها بطبيعة الحال اختلاف المواقف وتباينها".
وحول مدى تقبل التنظيم الجديد والتكيف معه، قال القرشي: "ربما يقال بأن التنظيم الجديد ليس حالة مثالية في الأوضاع العادية، لكنه قد يكون حلا مناسبا لاستثناءات الواقع الذي نعيشه، بحيث يُبعد أعضاء الهيئة، والمؤسسة الدينية عن أتون صراعات مشتعلة تكون على الأغلب خاسرة، الأمر الذي يساهم في تحسين صورة التدين في المجتمع"، على حد قوله.
بدوره، وبرؤية تحاول استكناه الخلفيات المنشئة، واستنطاق العوامل المؤسسة، قال الكاتب والباحث السعودي، عادل الهذلول: "يجب أن تتضح لنا السياقات التاريخية لتأسيس هذا القطاع (
هيئة الأمر بالمعروف..) وهل كانت أهدافها شرعية أم سياسية لتكون ذراعا قوية للسلطة السياسية في توجيه الناس، خصوصا إذا ما عرفنا مشاركة الهيئة في فض اعتصامات سياسية أيام فتنة الربيع العربي".
وتساءل الهذلول في حديثه لـ"
عربي 21": "هل تقوم الهيئة بدور
الحسبة وفقا لدورها التاريخي المشرف في الرقابة على أسعار السوق، ومنع الغش والتلاعب، والاحتساب على الظلم مهما كان مصدره، أم أنها مجرد أداة بيد السياسي يستثمرها في كل أحوالها حتى في قضية تنظيم عملها؟".
وأشار الهذلول إلى أن السياسي سيستفيد من هذا الجدل العقيم، الذي يصرف الناس عن الأهم، فالكل بات يدرك أن هذه الأمور يتم حسمها بقرار سيادي إذا وجدت الإرادة السياسية تماما، كما حدث في قضية تأنيث محلات بيع الملابس الداخلية في الأسواق، ولن يعترض أحد من طرفي القضية.
وبشأن التحليلات التي ترجع أهم دوافع إصدار التنظيم الجديد إلى الضغوط الخارجية، قال الهذلول: "حكومة المملكة تنجح دائما في التعامل مع الضغوط الخارجية، وليست قلقة منها بخصوص الهيئة مطلقا، وكل ما يجري هو جدالات وصراع تيارات داخلية يستفيد منها من قصّر في حقوق الناس ليصرفهم عنها".