لماذا مجدي أحمد حسين؟!.. كان هذا سؤال مذيع قناة "الجزيرة مباشر"، وهو من المؤكد سؤال اللحظة عندما تم إخلاء سبيل عدد من المتهمين بالانضمام لتحالف دعم الشرعية في
مصر؟!
لقد تعنتت وزارة الداخلية في الإفراج عن المجموعة، وأبقت عليها في حجز عدد من أقسام الشرطة لأيام، وهو المكان الأسوأ في عالم السجون. لكن بالنسبة لمجدي حسين، فقد فوجئ بحكمين قضائيين صدرا ضده بالسجن ثماني سنوات، في قضايا نشر، كان اللافت أنه لم يُعلن بالقضيتين مع أنه معلوم العنوان؛ سواء عنوان السكن، أو عنوان السجن، فالجهة التي أناط بها القانون إعلان المتهمين هي وزارة الداخلية التي تقوم على إدارة السجون، والمتهم ليس نكرة، على نحو كاشف بأن المحاكمة الغيابية كانت متعمدة ومقصودة، ما كان سببا في طرح السؤال: لماذا مجدي أحمد حسين؟!
وعندما نعلم أن المقالات التي تم اعتمادها جسما للجريمة، نشرت في 2003، فيجري إثارتها الآن، في حين إن الجرائم التي تقع بواسطة الصحف تسقط بعد ثلاث سنوات من النشر، فإن السؤال يطرح نفسه بقوة: لماذا مجدي أحمد حسين؟!
هذا فضلا عن أن الدستور نص في المادة (71) على إلغاء العقوبة السالبة للحريات في قضايا النشر (الحبس)، وعندما يتم القضاء بسجن الرجل، فإن السؤال حول: لماذا مجدي أحمد حسين يعاود طرح نفسه بقوة؟!
لماذا مجدي أحمد حسين؟ يُطرح بقوة أيضا عندما نعلم أن صاحبنا جري سجنه بمقتضى حكمين صدرا من محكمة الجنح، وهي محكمة أول درجة، وتكون المرة الأولى التي تصدر فيها محاكم الجنح بعبارة "مشمولا بالنفاذ"، فالأحكام تقرر غرامة لإيقاف التنفيذ في الشق الخاص بأحكام الحبس، إلى حين صدور حكم محكمة الاستئناف (جنح مستأنف)، وهي وشأنها، فقد تقرر عقوبة السجن أو تقضي بخفضها أو تلغيها!.
وعندما تصر جهة الإدارة (وزارة الداخلية) على الاستمرار في سجن مجدي حسين بالمخالفة للقانون، وتدفع به لتقديم معارضة في الحكم من محبسه بحجز قسم مصر القديمة، سيئ السمعة، ثم لا تمكنه من حضور جلسة نظر "المعارضة"، أي التظلم في حكمه، لكي ترتب وضعا قانونيا شكليا يبرر لها الاستمرار في سجنه عندما تُرفض "المعارضة" لعدم الحضور، فإن هذا يطرح سؤال: لماذا مجدي أحمد حسين؟!
وعندما تتعنت وزارة الداخلية، فتصر على حبسه، وهو المريض بأمراض في العظام وفي العمود الفقري، في حجز بقسم مزدحم بالمجرمين والمشردين، ولا تنقله للسجن، ولينخفض سقف مطالب أسرته وهيئة الدفاع إلى هذا المطلب، فلا يلام من يطرح سؤال: لماذا مجدي أحمد حسين؟!
الإجابة على هذا السؤال الملح لا بد أن تدفعنا للنظر في "صحيفة نضال" الرجل، الذي ربما لا تعرفه الأجيال الجديدة، التي بدأ اهتمامها بالسياسية مع ثورة يناير، وما حققته من حرية، ومع وقوع الانقلاب، وما أنتجه من استبداد غير محتمل، وهى المرحلة التي شهدت ظهور طفيليات على سطح بحيرة السياسة، وجدت في الثورة فرصة لهذا الظهور الآمن، في مرحلة تم الخلط فيها بين "النجومية" و"القيمة"!
مجدي أحمد حسين، لم تولد ثوريته في المرحلة الآمنة، بل كان ثائرا في حكم مبارك وفي زمن الانبطاح، ودخل السجن ثلاث مرات، الأولى في قضية فساد وزارة الداخلية، عندما جعل من أقوى وزير في مصر، عرضة لسهامه. والثانية عندما اتهم يوسف والي بالخيانة العظمي لسماحه بإدخال المبيدات المسرطنة لمصر، وهو الرجل القوي في زمن مبارك، وفي وقت كان يشغل موقع الرجل الثاني بعد المخلوع في الحزب الحاكم.
وبعد سنوات من القضية، جاء تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، وهو جهاز رسمي يتبع رئاسة الجمهورية، ليؤكد أن المبيدات المسرطنة دخلت بالفعل مصر، وقال "يوسف والي" إن الموافقة على دخولها كانت من رئيس الحكومة، الذي ربما يكون أعطاها له بعد إخطار الرئيس، وهو صاحب مقولة "كلنا سكرتارية الرئيس"!
وقد وجد نظام مبارك أنه رغم السجن والتنكيل ليس بقادر على السيطرة على مجدي أحمد حسين، رئيس تحرير صحيفة "الشعب" وعمه المناضل الراحل "عادل حسين" الأمين العام لحزب العمل الذي تعد الصحيفة لسانه حاله، فكان القرار بحل الحزب وإغلاق الجريدة ورفض تنفيذ ثلاثة عشر حكما قضائيا قضت بعودة الصحيفة وعدد من الأحكام الأخرى بإلغاء قرار تجميد الحزب، مع أنها أحكام واجبة النفاذ، لتصبح المقولة التي كانت تتردد، وصفا لعهد مبارك: "العهد الذي لم يقصف قلما، ولم يسجن صحفيا، ولم يغلق صحيفة"، "أسطوانة مشروخة"!
المرة الثالثة التي سجن فيها مجدي أحمد حسين، كانت عندما تجاوز مطلب فك الحصار على غزة من مجرد الدعوة إلى الفعل، فقد فاجأ الجميع بظهوره في القطاع، خطيبا ومؤيدا وداعما لنضال الشعب الفلسطيني، وفي عودته تم اعتقاله والحكم بسجنه ليخرج إبان الثورة!
لقد كان نظام مبارك يناصبه العداء، وكان طبيعيا عندما يعود هذا النظام للحكم بعد الثورة المضادة في 30 يونيو 2013، أن يتم التنكيل بالرجل ويدفع الضريبة المستحقة، ليست فقط على نضاله ضد النظام الانقلابي، ولكن أيضا على نضاله ضد نظام مبارك، وتكمن خطورة مجدي أحمد حسين في مواجهة سلطة الحكم، أنه يتبني المعارضة الجذرية، وليس من الذين يقبلون بأنصاف الحلول، أو يساومون على قضية الاستقلال الوطني، وهذه هو البعد الآخر في قضيته!
إن هناك من كان مجرد القبض عليهم، ولا تثبت لهم الصفة الصحفية، مبررا لأن تقف المنظمات الدولية على أطراف أصابعها، دفاعا عنهم واستنكارا لاعتقال صحفي يمارس عمله، في حين إن التنكيل بصحفي بحجم مجدي أحمد حسين، رئيس تحرير ثالث صحيفة حزبية في مصر، من حيث تاريخ الصدور، وعضو مجلس نقابة الصحفيين السابق، لا يجد صدى لدى هذه المنظمات بل والمنظمات الحقوقية داخليا وخارجيا!
وهو التجاهل الذي بدا مبكرا، فالدنيا كانت تقوم وتقعد لأن صحفيين بعينهم كانوا يقومون بالمعارضة الفهلوية للحكم، عندما يتم استدعاؤهم أمام جهات التحقيق، فمجرد الاستدعاء كان كفيلا بإثارة المنظمات الصحفية والمراكز الحقوقية، في حين إن مجدي حسين كان قابعا داخل السجن في قضايا صحفية، ولم تثر حالته اهتمام هذه المنظمات وتلك المراكز، ومجرد الاستدعاء لهذا الصنف من الصحفيين كان كفيلا بمنحهم جوائز عالمية في حرية الصحافة، لم تمنح أبدا لصحفي دخل السجن فعلا أو تعرض للتنكيل حقيقة.
وهذا هو "بيت القصيد" فالمعارضون الوطنيون في مصر، ومن لهم أجندة وطنية وينتمون لقضايا أمتهم، ويرفضون الهيمنة الأمريكية على المنطقة، وينحازون للقضية الفلسطينية ضد الصلف الإسرائيلي، هؤلاء وعلى رأسهم مجدي أحمد حسين لا بواكي لهم، ولا تدخل دولي يمنع الأنظمة المستبدة من العصف بهم، على أساس أنهم بلا ثمن، والثمن هو للكائنات التي تتبنى أجندات خارجية، وليست لها مرجعية وطنية، فهؤلاء هم الذين يريد "الغرب الاستعماري" تقديمهم كنخبة ونموذجا في المستعمرات القديمة.
فمحنة مجدي حسين سببها أنه حقيقي في زمن المسخ، وثائر في زمن الانبطاح، ومقاتل لا يعرف أنصاف المواقف، وأنصاف الألسنة.
هل عرفتم الإجابة على سؤال: لماذا مجدي أحمد حسين؟!