نشرت صحيفة "دي فيلت" الألمانية، تقريرا حول استغلال الأقلية الكردية في
سوريا لفوضى الحرب، لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، من خلال الاستفادة من التدخل الروسي والأمريكي في الوقت نفسه، والتآمر على
الثورة السورية، وعقد
التحالفات بحسب ما تمليه مصالحهم.
وفي هذا التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، نقلت الصحيفة عن أحد مقاتلي وحدات
حماية الشعب الكردية، وهو مدرس كردي متواجد في عفرين، قوله إنه "سعيد جدا بالتقدم الذي تحققه المليشيا الكردية". وقد بدا هذا الشاب في شمال شرق سوريا في مزاج جيد جدا، رغم أن بلاده تعيش حربا أهلية منذ خمس سنوات، حصدت أكثر من 400 ألف ضحية "بدون أي نهاية لها في الأفق، ومحادثات السلام فشلت، واتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل له في ميونيخ يبدو هشا جدا".
وأضافت الصحيفة أنه رغم قتامة الوضع الذي يعيشه الشعب السوري؛ فإن محمد وبقية رفاقه
الأكراد يشعرون بالسعادة لما تحققه المليشيات الكردية، بعد أن أصبحوا رقما صعبا في المعادلة السورية.
وذكرت الصحيفة أن وحدات حماية الشعب الكردية؛ خدمت مصالحها عبر التحالف مع عدة أطراف في الصراع السوري، "فبما أن الولايات المتحدة احتاجت لقوات ميدانية لمعاضدتها في الحرب على تنظيم الدولة؛ فقد سمح لها الأكراد بإقامة قاعدة جوية في مناطقهم، والروس مهدوا الطريق لهم بالغارات الجوية، وقوات النظام أيضا ساندتهم في عدة مناسبات في الفترة الأخيرة، وقد نجحوا في اللعب على خلافات الأطراف المتدخلة، ومغازلة الأقوى".
وقالت إن الأكراد تعرضوا في بداية الحرب إلى هجمة شرسة من قبل المجموعات المتشددة، وقد حاول تنظيما الدولة والقاعدة السيطرة على المناطق الكردية الغنية بالنفط في المنطقة الحدودية مع تركيا، ولكن تنظيم الدولة قدم خدمة كبيرة للأكراد حين حاول في أواخر 2014 السيطرة على مدينة كوباني، حيث وفر ذلك الذريعة للقوات الأمريكية للتدخل لمساعدتهم، وإلحاق هزيمة بتنظيم الدولة.
وبعد ذلك؛ واصلت وحدات حماية الشعب الكردية تقدمها، وسيطرت على أكثر من 15 ألف كيلومتر مربع من الأراضي السورية، بمساندة الطائرات الأمريكية، "وقد وجدت واشنطن في الأكراد حليفا يمكن الاعتماد عليه لتحقيق أهدافها".
وأضافت الصحيفة أن الأكراد بتشكيلهم قوات "سوريا الديمقراطية" في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، نجحوا في تجاوز النقد الذي كان موجها لوحدات حماية الشعب الكردية، لارتباطها بالإرهاب، وتورطها في عمليات تهجير للعرب، وتغيير للطبيعة الديموغرافية للمناطق التي سيطرت عليها، حيث حرصوا على أن يكون الفصيل الجديد متنوعا دينيا وعرقيا، ويضم الأكراد والعرب والتركمان والمسيحيين.
ونجح الأكراد خلال الفترة الأخيرة؛ في السيطرة على شمال حلب، وافتكاك مواقع المعارضة السورية، بدعم من الطائرات الروسية التي تريد إضعاف الفصائل المعارضة لبشار الأسد، وهو ما أثار غضب تركيا التي استشعرت ما يحمله تحالف الأكراد والروس من خطر على أمنها.
واعتبرت الصحيفة أن القصف التركي الذي استهدف المليشيات الكردية؛ ردت عليه روسيا بقصف المستشفيات والمنازل والمدارس في مدينة أعزاز الحدودية، في رسالة عدائية مفادها أن موسكو تسعى لتحقيق أهدافها بلا ضوابط أو خطوط حمراء.
وخلصت الصحيفة إلى أن الأكراد نجحوا بهذه الطريقة في جمع الأضداد، والاستفادة من روسيا والنظام السوري والولايات المتحدة في الوقت نفسه، وبالتالي فإن من الممكن اعتبارهم أكبر المستفيدين من الحرب إلى حد الآن..
ولكنها حذرت من أن أنقرة ستسعى -لا محالة- لتقويض "المشروع الكردي"؛ لأن زعيما مثل
أردوغان لن يتسامح مع هذا الخطر القريب من الحدود التركية، وهو ما يمكن أن يسبب أزمة بين أنقرة وواشنطن، إذا تواصل هذا التحالف.
وقالت الصحيفة إن الأكراد اكتسبوا سمعة سيئة خلال المعارك الدائرة في سوريا، وساءت علاقاتهم مع فصائل الثورة السورية، وخاصة بسبب ما اقترفوه في محافظة الحسكة، ولكن لا يبدو أنهم يكترثون لذلك، ناقلة في هذا السياق عن يوسف، أحد مقاتلي الثورة السورية من حلب، قوله إن "الأكراد مجرد دمى تحركهم روسيا ونظام الأسد، وقد تورطوا في جرائم قتل الشعب السوري بدون رحمة. إن وحدات حماية الشعب الكردية وكل المنضوين تحت راية قوات سوريا الديمقراطية هم خونة".
وأشارت "دي فيلت" إلى أن هذا الرأي أصبح سائدا لدى كافة فصائل المعارضة السورية في الفترة الأخيرة، بعد أن ظهر جليا أن النظام السوري والمليشيات الكردية ليسا إلا وجهين لعملة واحدة، "وهذا يمكن تفسيره بأن الأكراد الذين عانوا في السابق من عدة نكسات ومأساة؛ تعلموا أن يفكروا بأنانية، ويعملوا فقط لخدمة لمصالحهم".