نشرت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية تقريرا لمراسلها في موسكو رولاند أوليفانت، يقول فيه إن حكومة فلاديمير بوتين وافقت على فتح بعثة للأكراد السوريين في موسكو.
ويشير التقرير إلى أن فتح بعثة للأكراد الانفصاليين هي محاولة من موسكو للتعبير عن التزامها تجاه حلفائها الآخرين غير نظام بشار الأسد في الشرق الأوسط، ومحاولة لدعم محاولات
الأكراد إقامة منطقة مستقلة لهم في مرحلة
سوريا ما بعد الحرب.
وتورد الصحيفة نقلا عن الأكراد السوريين قولهم إن البعثة، التي افتتحت في المنطقة الصناعية في العاصمة الروسية موسكو، هي واحدة من بعثات تخطط إدارة
الحكم الذاتي الديمقراطية في روجوفا لفتحها في أوروبا.
وينقل أوليفانت عن ممثلة إدارة الحكم الذاتي في روجوفا في أوروبا سنام محمد، قولها: "هذه لحظة تاريخية للأكراد من الناحية السياسية والدبلوماسية". وتضيف: "لوقت طويل لم نكن قادرين على تمثيل مصالحنا على المسرح الدولي، وستعطينا هذه
الممثلية صوتا في الخارج"، مشيرة إلى أن ممثلتين أخريين سيتم افتتاحهما في كل من برلين وباريس.
ويستدرك التقرير بأن ممثلية موسكو لا تعترف بها وزارة الخارجية الروسية رسميا، وستعمل بشكل رسمي كونها منظمة غير حكومية، حتى تلتزم بالقانون الروسي. وتقول وزارة الخارجية الروسية إن السفارة السورية هي التي يجب أن تمثل مصالح الأكراد في
روسيا.
وتلفت الصحيفة إلى أن السماح للأكراد بافتتاح مكتب لهم سيعزز من التوتر مع تركيا، خاصة أن العلاقات التركية الروسية في أدنى حالاتها، بعد إسقاط الطيران العسكري التركي مقاتلة روسية اخترقت الأجواء التركية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.
وينوه الكاتب إلى أن المكتب الحالي مرتبط بحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي تعده تركيا حزبا إرهابيا مرتبطا بحزب العمال الكردستاني "بي كي كي"، وهي الجماعة التي تعدها بريطانيا والولايات المتحدة إرهابية، مستدركا بأنه رغم ذلك فإن الولايات المتحدة تعاونت مع الفرع العسكري التابع للحزب، وهو قوات الحماية الشعبية، وذلك في مواجهة تنظيم الدولة، واستفاد الأكراد من الغارات الجوية الروسية للتقدم في المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون من غير تنظيم الدولة في مناطق مدينة حلب.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن مصدر كردي قوله: "مع أنه لا يوجد تحالف أو اتفاق، لكن هناك تعاونا عسكريا فعليا مع الروس"، ورفض المصدر تقديم معلومات حول طبيعة التعاون، ولم ينف أو يؤكد حصول الحماية الشعبية على إمدادات عسكرية روسية.
وتجد الصحيفة أنه رغم أن روسيا غير واضحة في دعمها للأكراد، وإن كان سيمضي حتى حصولهم على منطقة مستقلة أو منطقة تتمتع بحكم ذاتي، إلا أن الحاضرين في حفل الافتتاح يوم الثلاثاء عبروا عن امتنانهم للدعم التكتيكي الذي توفره روسيا لهم حتى الآن. وقالت سنام محمد: "ببساطة، فإن الموافقة على فتح مكتب لنا هو شكل من أشكال الدعم"، وأضافت أن الهدف الذي يسعى إليه الأكراد هو منطقة حكم ذاتي داخل سوريا وليس الانفصال التام، لافتة إلى أن وفودا من حزب الاتحاد الديمقراطي قد يحضرون اجتماعات جنيف في 25 شباط/ فبراير الحالي.
ويقول أوليفانت إنه رغم عدم حديث روسيا عن دعمها الكامل للأكراد، إلا أن الخارجية الروسية دعت يوم الأربعاء إلى شمل الأكراد السوريين في محادثات جنيف. وتقول المتحدثة باسم الخارجية ماريا زخاروفا: "دعونا أكثر من مرة إلى عملية سياسية شاملة، ومن المهم شمل الجماعات غير الإرهابية المنخرطة بطريقة أو بأخرى بالأحداث الدرامية في سوريا كلها". وتضيف زخاروفا: "رفض جماعات مثل الأكراد هو طريق لا يقود إلى أي مكان". ويعيش في روسيا مجتمع صغير من الأكراد، ودعم الاتحاد السوفييتي حزب العمال الكردستاني في فترة الحرب الباردة.
ويورد التقرير نقلا عن خبراء روس قولهم إن التحرك باتجاه الأكراد يعكس عمق الأزمة مع تركيا، ورغبة موسكو بإظهار دعمها لجماعات غير النظام السوري.
وتنقل الصحيفة عن محرر النسخة الروسية من مجلة "فورين أفيرز" فيدور لوكيناف، قوله: "من جهة الأكراد، فإن التحرك يظهر لهم أنهم قوة مستقلة، ويستطيعون التعاون مع أي جهة يريدون". ويضيف لوكيناف: "الجميع يتعاملون مع الأكراد كونهم حلفاء محتملين، وهم يجيدون اللعبة جيدا، ولهذا السبب يشعر الأتراك بالقلق، وما أصبحت مناطق كردية هي جزء من الشكل الذي ستتخذه سوريا في المستقبل".
ويذكر الكاتب أنه رغم عدم حضور مسؤولين ودبلوماسيين روس حفل الافتتاح أو حفل العشاء لاحقا، إلا أنه كان فيه عدد من الشخصيات المثيرة للجدل، مثل ألكسندر بوراداي زعيم الحركة الانفصالية السابق، التي دعمتها موسكو في أوكرانيا أو "جمهورية الشعب في دونتسك"، وقال إنه حضر لاحترامه كفاح الأكراد من أجل الحكم الذاتي، واعتبرهم "حلفاء في المعركة ضد العدو المشترك".
وتختم "ديلي تلغراف" تقريرها بالإشارة إلى أن بوراداي قال إنه لا يصدق التقارير التي تحدثت عن سفر مقاتلين انفصاليين مؤيدين لروسيا في أوكرانيا إلى سوريا، وأكد عدم وجود تعاون رسمي بين الانفصاليين الأوكرانيين والأكراد السوريين، وقال: "هذه أول مرة نتصل فيها ببعضنا".