نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا حول نقاش
السعودية لخطط نشر
قوات برية مع حلفائها الإقليميين، بما في ذلك تركيا، لإيجاد منطقة آمنة في
سوريا، في محاولة أخيرة لابقاء الثورة المهددة بالانهيار، بسبب هجوم قوات النظام مدعومة بالطيران الروسي على حلب، على قيد الحياة.
وجاء في التقرير، الذي أعده كل من ميهول سريفاستا في إسطنبول، وإريكا سولومون في بيروت، وسايمون كير في دبي، وجيف دراير في واشنطن، أنه بالرغم من اعتبار المسؤولين الغربيين لتلك الخطط أنها تفتقد الواقعية، إلا أنها تعكس أيضا مدى اليأس الذي أصاب داعمي
المعارضة، بخصوص ما يبدو أنه نتائج سيئة في الحرب.
وأخبر مصدران مطلعان على الخطط السعودية "فايننشال تايمز" بأن مسؤولين خليجيين كبارا يجتمعون في الرياض مع مسؤولين أتراك، لمناقشة الخيارات لإدخال قوات برية تقود ائتلافا للمقاتلين داخل سوريا.
ويشير التقرير إلى أن مدينة حلب، التي كانت المركز التجاري لسوريا، هي آخر مدينة مهمة يسيطر عليها الثوار، ويبقى ريفها في الشمال على الحدود التركية شريان الحياة.
ويذكر الكتّاب أن قوات
الأسد قامت مع مليشيات تدعمها إيران بالتقدم الأسبوع الماضي في أراضي المعارضة في شمال ريف حلب، تحت غطاء الغارات الجوية الروسية، وتسبب هذا بنزوح آلاف المدنيين، ما فاقم من الأزمة الإنسانية الواسعة.
وتلفت الصحيفة إلى أن السعودية والإمارات والبحرين دعت علنا لنشر جنود، ليكونوا جزءا من التحالف الدولي لقتال تنظيم الدولة، وجاء هذا بعد أن قالت واشنطن إن الدول العربية لا تفعل المزيد لقتال التنظيم، لكن المراقبين الاقليميين يرون بأن هذا التحرك مجرد غطاء لتدخل يهدف إلى دعم الثوار السوريين.
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن المسؤولين السعوديين كانوا يهدفون إلى تجهيز خطط خلال الأسابيع القليلة الماضية، وقال المتحدث باسم التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن العميد أحمد عسيري، يوم الاثنين إن السعودية مستعدة للانضمام إلى تحالف أوسع لقوات برية تدخل سوريا. وقال أحد المطلعين على الخطة للصحيفة: "لم نصل إلى ذلك بعد، لكننا اقتربنا جدا".
ويرجح الكتّاب أن يكون المسؤول عن تلك الخطط هو وزير الدفاع السعودي ونائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مشيرين إلى أن تدخله في هذا الشأن يجعل بعض الدبلوماسيين يترددون في استبعاد محاولة التدخل. وقال أحد الدبلوماسيين الغربيين: "أستطيع رؤية الأعلام الحمراء كلها، لكن هناك مستوى جديدا من صعوبة التنبؤ والتصرفات العشوائية في الحكومة السعودية الجديدة، فمع محمد بن سلمان لا يمكنك التوقع". وقال مسؤول سعودي إنه "لا يوجد خطة واحدة بعد (بخصوص العمل العسكري)، ولم يقرر التحالف بعد".
وتبين الصحيفة أنه لدى تركيا، التي تعبت من دعم أمريكا لمليشيا وحدات الحماية الشعبية الكردية، أسبابها الخاصة للتدخل؛ فيهمها أن تعكس أي تقدم حققه الأكراد على حدودها، بحسب مسؤول تركي.
ويستدرك التقرير بأن مسؤولا كبيرا في مكتب رئيس الوزراء التركي أنكر أن تكون تركيا تهيئ لإرسال قوات برية، وقال: "هذه التقارير التي تتحدث عن أرقام كبيرة من الجنود كلها ليس لها أساس، نتحدث مع السعوديين ومع شركائنا كلهم حول كيفية دعم المعارضة المعتدلة، وكوننا شريكا في التحالف ضد تنظيم الدولة، فإن تركيا تقوم بالحوار والتعاون مع عدد كبير من البلدان".
ويكشف الكتّاب عن أن هناك خلافا حول مكان وتفاصيل أي تدخل، مشيرين إلى أن معظم الخيارات تحتاج إلى دعم جوي أمريكي، وهو ما لا يتوقع حدوثه، بالإضافة إلى أن أي تدخل فيه مجازفة بالتصعيد في حرب متعددة الأطراف، حصدت إلى الآن أرواح حوالي 300 ألف شخص، وأنتجت جهاديين متطرفين، ودفعت بمئات آلاف اللاجئين إلى أوروبا.
وتجد الصحيفة أنه إذا تم نشر القوات التركية والسعودية مثلا على الحدود الشمالية الغربية لسوريا عند معابر الحدود مع تركيا، فإن هذه القوات ستكون داخل مسرح العمليات الروسية، وستكون في منطقة تسيطر عليها وحدات الحماية الشعبية الكردية، التي هي حليف لأمريكا ضد تنظيم الدولة ومنتمية لحزب العمال الكردستاني.
وينقل التقرير عن المحلل آرون ستين من معهد "أتلانتك كاونسل" في واشنطن، قوله: "سيكون هذا كابوسا لأمريكا، فماذا سيحصل لو قتلت
روسيا جنديا تركيا؟ سيكون ذلك مقتل جندي من الناتو".
ويورد الكتّاب نقلا عن مطلعين على الخطط السعودية قولهم إن هناك قنوات اتصال سرية بين السعودية وروسيا، تحاولان من خلالها تحديد مسارح العمليات، بحيث تكون هناك مساحة للثوار، الذين تدعمهم تركيا والخليج، ومسرح للأسد وداعميه.
وتقول الصحيفة: "إن كان هذا صحيحا، فإن الخيار الأكبر احتمالا هو منح الثوار شرق سوريا، حيث تنظيم الدولة، وهذا سيتطلب حربا دامية وطويلة، وفي الغالب لن يوافق معظم الثوار على ترك مقارعتهم للنظام في حلب وفي شمال غرب سوريا".
ويفيد التقرير بأن الخيار الآخر هو إيجاد منطقة آمنة في الجنوب بمحاذاة الأردن، مستدركا بأن الدبلوماسيين يقولون إن عمان القلقة من عدم استقرار حدودها، لا تبدو مستعدة لدعم الثوار الذين قد يجلبون معهم زيادة سريعة في العنف، كما أن روسيا تدعم هجوما ثانيا للنظام في المنطقة، وقد تكون الأردن أكثر حرصا على صفقة مع روسيا.
ويشير الكتّاب إلى أن تركيا لا تملك إلا ورقة واحدة للضغط على الدول الغربية، وهي عشرات آلاف اللاجئين السوريين الذين هربوا من الهجوم، وهم عالقون على الحدود مع تركيا، فقد تحاول أن تجد منطقة آمنة لهم داخل سوريا، أو أن تسمح لهم بالتوجه إلى أوروبا دون عائق.
ويرى التقرير أنه في غياب وجود منطقة آمنة، فإن السيناريو الأكثر احتمالا هو أن تقوم تركيا ودول الخليج بإمداد الثوار بالمزيد من الأسلحة النوعية، مشيرا إلى أن ذلك الخيار يقلق بعض قيادات الثوار، الذين يقولون بأن موسكو ببساطة سترد بأسلحة أكثر فتكا.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن قائدا للمعارضة السورية في الجبهة الجنوبية يقول: "نحن متجهون إلى تصعيد كبير، قد فقدت الأمل في الثورة، لكن الحرب بعيدة عن الانتهاء".