قضايا وآراء

هذا هو الحل الوحيد لأزمة سد النهضة

1300x600
لم يعد سرا تورط إسرائيل في دعم سد النهضة الإثيوبي من الباطن على الأقل، حيث إن العلاقات بين الجانبين تعود لخمسينيات القرن الماضي، ذلك أن إسرائيل فطنت مبكرا لأهمية أفريقيا الاستراتيجية والاقتصادية، لا سيما القرن الأفريقي ودول حوض النيل، خاصة إثيوبيا وأوغندا وكينيا، فضلا عن جنوب السودان ودعمها منذ زمن بعيد لانفصاله عن الشمال. وليس خافيا حجم التعاون التجاري والاقتصادي الإسرائيلي الإثيوبي، الذي يتركز بشكل رئيس في نقل التكنولوجيا الزراعية إلى الجانب الإثيوبي وزراعة المحاصيل والبساتين.

تكمن الأهمية القصوى لاهتمام الدولة الصهيونية بالسد الإثيوبي - بنظري - في رغبتها الجامحة منذ عقود في مياه نهر النيل، وقد كان أحد مطالبها الملحة أثناء محادثات "كامب ديفيد" مع الرئيس أنور السادات، حيث إن إسرائيل تعاني منذ نشأتها من أزمة نقص في المياه؛ تحاول تعويضه عبر سرقة مياه الضفة الغربية الفلسطينية، فضلا عن مياه نهر الليطاني في الجنوب اللبناني خلال فترة الاحتلال، لذا فإنه يصبح من المفيد لإسرائيل بالمنطق البراجماتي البحت دعم مشروع سد النهضة كورقة ضغط على مصر للمطالبة بتوصيل مياه النيل إليها مقابل التدخل لدى الجانب الإثيوبي وتسوية ملف السد.

ولعل هذا الحل قد راق للكاتب السعودي الشهير "داود الشريان" في صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 28 كانون الأول/ ديسمبر؛ مقترحا أن تعقد مصر مع إسرائيل اتفاقا يقضي بتوصيل مياه النيل إلى إسرائيل، على أن تقف إسرائيل بما لها من نفوذ ضد إثيوبيا في ما يتعلق بملف السد.

مشكلة سد النهضة أنه لم يعد ورقة في أيدي إثيوبيا وحدها على اعتبار أنها صاحبة السد، بل يشترك في الملف لاعبون كُثُر اقليميا ودوليا (السعودية والإمارات وإسرائيل، وفرنسا وهولندا والصين في بعض الأحيان)، مع ترقب أمريكي ينحاز بطبيعة الحال للجانب الإسرائيلي الذي يريد تركيع مصر. لكن الأخطر من هذا كله هو أن سد النهضة صار أمرا واقعا لا بد من التعامل معه بأحد احتمالين كلاهما مُر، الأول الاستعداد للسيناريو الأسوأ بعد اكتمال السد، عبر مواجهة عنوانها الجفاف لتأثيراته الكارثية على كل مناحي الحياة، وسنخسر حتما حتى لو أقدمنا على عمل عسكري ضد السد تكون نتيجته الغرق هربا من الجفاف والعطش كمن يستجير بالرمضاء من النار، فمصر بدون النيل لا شيء..

أما الاحتمال الثاني فهو الرضوخ لقبول توصيل مياه النيل (حق الأجيال القادمة) للعدو التقليدي لمصر وللأمة العربية والإسلامية، مقابل التوسط لدى الجانب الإثيوبي، ومن هنا تصبح مصر مسلوبة الإرادة رهينة القرار الإسرائيلي، ومن ثم الغربي الأمريكي، ذلك أنه بهذا القبول المُهين تفقد مصر استقلالها المنقوص أصلا، وتُهين تاريخها، وتُصادر حاضرها ومستقبلها.

الحل إذن في عودة الرئيس المختطف محمد مرسي لمنصبه، ذلك أن عودته طوق النجاه الوحيد لربط مصر بماضيها وتاريخها وتصالحها مع الجغرافيا التي لا تستقيم بدون "مياه النيل".. وهنا يسأل سائل: كيف ذلك؟! أقول بكل بساطة إن عودة الرئيس المنتخب هي المخرج القانوني والسياسي الوحيد للأزمة انطلاقا من القاعدة القانونية "ما بُني على باطل فهو على باطل"، وحيث إن الرئيس محمد مرسي تم اختطافه والانقلاب عليه بقوة السلاح دون سند من قانون، فإنه يظل الرئيس الشرعي للبلاد حتى الآن مهما حاول نظام الانقلاب من استجداء شرعيات زائفة داخليا أو خارجيا، وبناء عليه تصبح كل الاتفاقيات والقوانين والقرارات التي عقدها الانقلاب باطلة.

وهذا يدفعنا للتنصل من تلك الاتفاقات عبر التحكيم الدولي على أرض ثابتة، فضلا عن الحق في استخدام الخيار المناسب الذي ترتئيه الشرعية المصرية، بما فيها العسكري قبل الانتهاء من بناء السد الإثيوبي، وإجبار إثيوبيا على الرضوخ للإرادة المصرية المستندة للإرادة الشعبية والقانونية، ومن ورائها المجتمع الدولي الانتهازي، على مراجعة حساباته تجاه حقيقة الأوضاع في مصر. ولست أبالغ حين أقول إن عودة الرئيس مرسي طوق النجاه الوحيد للربيع العربي المنكوب بالثورات المضادة التي تقودها الأنظمة القمعية العسكرية، وبداية المُضي في طريق استكمال هذا الربيع حتى تحقيق أهدافه كاملة بانتصار إرادة الشعوب على الطواغيت والفراعين. ولن يحدث هذا إلا بالثورة الشعبية لقطع الطريق أمام أي مغامرة مستقبلية للانقلاب العسكري مرة أخرى خارج صندوق الديمقراطية المعيار الوحيد للإرادة الشعبية.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع