تقول صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" إن الجميع يتساءل في مناطق المسلمين في العاصمة الفرنسية باريس: هل ستؤدي الموجة الجديدة من العنف باسم الإسلام إلى عمليات انتقامية ضد المجتمع المسلم؟
ويورد التقرير أن مصليا في جامع إيفري- كوركروني، الذي يقع في حي تعيش فيه الكثير من الإثنيات، ويبعد عن باريس 20 ميلا، أجاب قائلا: "بالطبع، نحن خائفون". وأضاف: "لم نختر هذا ليحدث، والأشخاص الذين قاموا به هم مجرمون وليسوا مسلمين، ولم يكونوا متشددين، ولكنهم قتلة، ولكن ليس كل شخص يرى هذه الرؤية".
وتشير الصحيفة إلى أنه في ضوء
هجمات الجمعة الإرهابية في باريس، فإن بعض السكان في هذا الحي، الذي بني في السبعينيات من القرن الماضي، لتوفير سكن مناسب بعيدا عن المدينة، ولكنه أصبح ملجأ للفقراء، يعتقدون أن البعض قد يتعامل معهم على أنهم أعداء.
ويلفت التقرير إلى أن المسؤولين الفرنسيين حذروا من إمكانية مداهمة المساجد التي تعد ملجأ للراديكاليين. وقال وزير الداخلية برنارد كازنوف يوم الأحد إن حالة الطوارئ التي أعلنت تعطي الدولة الوسائل للتحرك بسرعة ضد من "يقومون بالدعوة إلى الكراهية في
فرنسا"، من خلال الطرد وإغلاق المساجد الراديكالية.
وأضاف كازنوف في مقابلة مع "فرانس 2 تي في": "لن أنتظر حالة الطوارئ كي تقوم بملاحقة الأئمة الراديكاليين، الذين يبشرون بالكراهية، ومواجهة أماكن العبادة التي تتم فيها الدعوة إلى الكراهية". مشيرا إلى أن "توسيع صلاحيات الحكومة سيسمح للسلطات لأن تتحرك بسرعة في التعبير عن التصميم الشعبي ضد الإرهاب".
وتبين الصحيفة أنه لم يتم ذكر
مسجد كوركروني، ولكن هذا لم يمنع السكان هناك من الخوف حول المناخ العام الذي يسود أوروبا. لافتة إلى أن تصريحات زعيمة الجبهة القومية مارين لوبان، التي دعت المواطنين الفرنسيين إلى "محو الأصولية الإسلامية" و"السيطرة على حدودهم"، لم تكن عاملا مساعدا.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن المجتمعات المسلمة شهدت زيادة في الهجمات على موجات الهجرة واللاجئين، الذين يبحثون عن ملجأ من الحروب والفقر في بلادهم. فقبل أسبوع تم تفجير ملجأ في مقاطعة ساكسوني الألمانية، ما أدى إلى جرح سوري. فيما قامت مجموعة من الأشخاص يحملون الهراوات بالتحرش وضرب طالبي اللجوء في مدن ألمانية أخرى.
وتكشف الصحيفة عن أن قول المدعي العام إن واحدا من المهاجمين الذين هاجموا مسرح باتاكلان، الذي قتل فيه 89 شخصا، كان شابا اسمه إسماعيل عمر مصطفاوي، وهو من سكان حي كوركروني، زاد من مشاعر الخوف.
ويذكر التقرير أن مصطفاوي (29 عاما) ولد في حي كانال القريب، قبل أن ينتقل وهو طفل إلى المدينة الفرنسية تشارتر، وربما قضى فترة في سوريا. مشيرا إلى أن شخصا عمره 35 عاما، يدعى ديم، قدم نفسه على أنه كان يعرف مصطفاوي وعائلته، التي وصفها بأنها عائلة جيدة. وعلق قائلا: "أنا مصدوم. قد ترك مصطفاوي الحي عندما كان عمره 5 أو 6 سنوات. فكيف حدث هذا".
وتورد الصحيفة أن ديم عبر عن قلقه من أن تثير التفجيرات الأخيرة المشاعر المعادية للمسلمين. وقال إن المسلمين دائما يتم تصويرهم في الإعلام على أنهم مجرمون، ويجب عدم تقبلهم. وأضاف: "عندما تشاهد التلفاز فإن الانطباع الذي تخرج به عن المسلمين سيئ دائما. ولا أريد أن يتم اعتباري مجرما بالخطأ". وتابع قائلا: "كل شهر هناك شيء عن المسلمين، ولكنهم يعيشون بسلام، وهو ما يثير غضبنا بسبب تصويرنا بهذه الصورة".
ويجد التقرير أن مظاهر القلق لها جذور، فبعد هجمات "شارلي إيبدو" في كانون الثاني/ يناير، شهدت تلك الفترة زيادة في الهجمات ضد المسلمين، بما في ذلك تخريب المساجد. ويتذكر ديم كيف تم الاعتداء على امرأة محجبة بالكلام البذيء وهي في القطار.
وتوضح الصحيفة أن هذا كله حدث رغم أن أحد القتلى في هجمات "شارلي إيبدو" كان مسلما، وهو أحمد المرابط. مبينة أن الطريقة التي أطلق فيها الرصاص على المرابط من مكان قريب أكدت أن فكرة الهجمات لا علاقة لها بالدين، ولكنها عملية قتل دون تمييز. وأصبح شعار "أنا أحمد" شعارا يمكن لفرنسا الاحتشاد حوله باعتباره مسلما جيدا. ولم يظهر بعد من هجمات باتاكلان وستاد فرنسا وأماكن أخرى في باريس شعار آخر.
وبحسب التقرير، فإنه في مسجد إيفري- كوركروني تم إلغاء الدروس التي تعقد في نهاية الأسبوع كلها، عندما أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن فترة حداد لثلاثة أيام، ولكن الصلوات استمرت. وعندما أعلن عن صلاة العصر اجتمع المصلون وملأوا القاعة، كما هي العادة عندما تمتلئ كل أسبوع.
وتؤكد الصحيفة أن الحديث عن الهجمات لم يكن بعيدا عن شفاه الناس. وقال أحد المصلين، الذي قدم نفسه باسم بكاري: "هذا ليس إسلاما". وأضاف: "يتم تحول الشباب إلى التشدد في السجون. ويتم اعتقالهم بسبب تعاطيهم المخدرات بيعا وشراء والسرقة، وفي السجن يقال لهم هذا هو الإسلام، ولكنه ليس كذلك".
وتختم "لوس أنجلوس تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن بكاري يرى أن الهجمات هي سياسية الدوافع، وعبر عن آماله بأن تبقى فرنسا موحدة. وقال: "نحن مندمجون، ونحترم القانون، ونعمل وندفع الضريبة ونحترم السكان". وأضاف قائلا: "لا ثقافة تعلو على أخرى، وكان هذا هجوما على فرنسا، أنا فرنسي، والإرهاب هو ضد الجميع".