تزامنا مع ما اعتبره مراقبون فشلا عسكريا للنظام السوري جنوبي
حلب، صبت المقاتلات الروسية الموكلة بمهمة الإسناد الجوي للمعارك التي تدور على الأرض جام غضبها على المنشآت الصناعية المنتشرة على جانبي طريق حلب - دمشق الدولي، بعد فترة استقرار شهدتها تلك المنشآت، مكنت القائمين عليها من معاودة نشاطهم الصناعي بنسب متفاوتة.
ففي ظهيرة السبت، استهدفت المقاتلات الروسية
منشأة "الديري" غربي حلب، وهي إحدى أكبر شركات الغزل والنسيج في
سوريا، ما أدى لاندلاع حريق في مبنى الشركة ليهدد حياة 600 عامل كانوا متواجدين في الشركة، وأدى إلى فقدان العديد من العاملين، يرجح أنهم صاروا في عداد القتلى، فضلا عن دمار طال المبنى.
وهذا الاستهداف من قبل الطائرات الروسية لم يكن الأول من نوعه، فقبل أسبوع واحد من تاريخ هذا الهجوم، شنت الطائرات الروسية هجوما مماثلا على الشركة الوطنية للصناعات الدوائية، ما نجم عنه خروج الشركة الأولى على المستوى السوري بالنسبة لحيازة شهادات مطابقة معايير الاتحاد الأوروبي ومنظمة الصحة العالمية، عن العمل بشكل نهائي.
ويتزامن هذا الاستهداف من قبل الطائرات الروسية مع العملية العسكرية التي أطلقها النظام جنوب حلب الهادفة للوصول إلى طريق حلب - دمشق الدولي، لكن دون تحقيق تقدم ملحوظ على الأرض، رغم مرور نحو شهر على بدء العملية، باستثناء اختراقات بسيطة في مناطق الثوار جنوب غرب حلب.
ويرى المحامي يوسف حسين، المنشق عن النظام، في الهجمات التي تنفذها الطائرات الروسية استمرارا لنهج بشار الأسد وللشعار الذي رفعه مؤيدوه: "الأسد أو نحرق البلد".
ويضيف حسين في حديث لـ"
عربي21": "لقد فشلت قوات النظام في تحقيق تقدم فعلي على الأرض، وهذا ما أدى بموسكو التي تتولى قيادة المعارك؛ إلى اعتبار هذا الفشل فشلا لقواتها العسكرية، والآن أوعزت إلى مقاتلاتها لتنفيذ سياسة الأرض المحروقة، التي تتقن
روسيا في تنفيذها".
وعلى الرغم من أن ملكية غالبية هذه المنشآت تعود لأشخاص لم ينخرطوا في المعارضة، وكانت مواقف الغالبية منهم "رمادية"، وفق مصادر محلية، نظرا لأنهم أصحاب رؤوس أموال مستثمرة في بلد لا مجال فيها للاستثمار دون الشراكة مع السلطة، فقد اتضح وفق الحسين صحة الحديث عن انتماء النظام السوري عسكريا للمدرسة الروسية، التي لا تفرق بين معارض وموال لها، في سبيل تحقيق الأهداف التي تضعها نصب أعينها.
من جهة ثانية، رأى مدير شبكة الإخبارية في حلب، أبو مجاهد الحلبي، في الضربات الروسية رسائل تحذيرية غير مباشرة من النظام السوري ومن خلفه روسيا، إلى تجار حلب "الرماديين"، بعد أن أيقن التجار بفشل الدعم العسكري الروسي للنظام، بحسب تقديره.
هذه الرسائل مرتبطة، وفق الحلبي، بظهور مؤشرات اقتصادية طارئة، من بينها هبوط سعر صرف الليرة السورية إلى مستويات قياسية مقابل الدولار. ووصف الحلبي استهداف المنشآت بـ"الهمجي"، وقال لـ"
عربي21": "إن هذه المنشآت كانت تساعد في تثبيت الأهالي في الداخل ومنعهم من الهجرة، ويأتي استهداف المراكز الصحية في هذا السياق. وأضاف: "أن الروس يريدون القضاء على كافة أشكال الحياة في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار"، وفق تعبيره.
بدوره، أرجع مصدر رفض عدم الكشف عن اسمه استهداف الطائرات الروسية للمنشآت الصناعية غربي حلب، إلى استخدام هذه الشركات مقرا عسكرية من قبل فصائل مقاتلة.
ورجح المصدر ذاته تصاعد استهداف المنشآت الصناعية المنتشرة على جانبي الطريق خلال الأيام القليلة المقدمة، وقال لـ"
عربي21": "إن قوات النظام باتت قريبة من إعلان فشلها الرسمي، ولذلك نستطيع القول إن الأيام القادمة ستشهد تصعيدا غير مسبوق"، وفق تقديره.
على الرغم من أن الريف الجنوبي مثل على الدوام خاصرة رخوة لفصائل الثوار المتواجدة في مدينة حلب، إلا أن ذلك لم يجعلها غير قادرة على صد الهجوم ببسالة عبر مقاومة وصفت بـ"الحديدية" أبدتها الفصائل على الأرض.