نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا يقول إن الأدلة المتزايدة بأن
الطائرة المدنية الروسية، التي تحطمت في سيناء، سقطت بفعل قنبلة، تثير تساؤلات كثيرة، فيما إذا كان
تنظيم الدولة تبنى استراتيجية جديدة للقيام بهجمات إرهابية ينجم عنها أعداد ضحايا كثيرين خارج حدود "الخلافة"، وحول السبب الذي جعل أحد أفضل أجهزة المخابرات في الشرق الأوسط يفشل في وقف خطة التنظيم.
ويشير التقرير إلى أن المسؤولين الأمريكيين يصرون إلى الآن على أن تنظيم الدولة، على عكس تنظيم
القاعدة، يهتم في السيطرة على مساحات جديدة، أكثر من القيام بعمليات بارزة ضد طائرات أو أهداف خارجية. مستدركا بأن المسؤولين الغربيين كانت لديهم مخاوف بأن يقوم التنظيم بتقليد تنظيم القاعدة، ويحاول القيام بهجمات مثيرة، مستغلا معاقله في سوريا والعراق للتخطيط لتلك الهجمات.
وتذكر المجلة أن فرع التنظيم في
مصر "ولاية سيناء" أعلن مسؤوليته عن إسقاط الطائرة الورسية، بعد ساعات قليلة من سقوطها. وكانت الحكومات الغربية تعاملت مع الادعاء بحذر، ولكن بريطانيا أوقفت أي رحلات من شرم الشيخ يوم الأربعاء؛ خوفا من أن يكون سبب سقوط الطائرة هو قنبلة زرعت على متنها، وبذلك كانت بريطانيا أول حكومة أجنبية تعتقد أن الطائرة قد تم تفجيرها بقنبلة إرهابية.
وينقل التقرير عن مصدر استخباراتي أمريكي رفيع المستوى قوله إن الطريقة الذي توزع فيها حطام الطائرة، على مساحة تزيد على 20 كيلومترا، تشير إلى أنها أسقطت بقنبلة كانت على متنها. فالطائرات التي تواجه مشكلات في المحركات تنشطر في العادة إلى نصفين.
وأضاف المسؤول الاستخباراتي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، للمجلة أن وجود قنبلة على متن الطائرة "كان مشتبها به نوعا ما منذ البداية"، ولم يعارض المسؤول التقارير التي قالت إن سبب الانفجار على متن الطائرة هو وجود قنبلة، وأشار إلى أنه لم يكن من المحتمل أن توقف بريطانيا رحلات طيرانها من المطار لو لم تشعر بأن هناك تهديدا حقيقيا، ولكنه حذر من أن الوقت مبكر للوصول إلى استنتاجات نهائية بخصوص ما حصل.
ويلفت التقرير إلى أن إدارة أوباما رفضت الإدلاء علنا برأيها، إن كانت تتفق مع بريطانيا أم لا، ولكن المسؤولين الأمريكيين قالوا إن هناك مؤشرات صغيرة، بما في ذلك بعض الاتصالات المعترضة، تشير إلى تلك النتيجة.
وتبين المجلة أن الغرب يعد فرع تنظيم القاعدة في اليمن الأخطر، حيث يستطيع صناعة قنابل يصعب على أجهزة الفحص في المطارات كشفها. مستدركة بأن فرع تنظيم الدولة في مصر ليس بهذه الخبرة، وربما يكون قد حصل على فرصة لوضع قنبلة تقليدية على متن الطائرة باختراق المطار الصغير، أو عن طريق شخص يعمل في المطار.
وينقل التقرير عن ضابط الاستخبارات الأمريكي السابق بروس ريديل قوله إن وضع قنبلة على متن طائرة مغادرة من مطار شرم الشيخ "يدخل في إمكانيات تنظيم الدولة، والمفتاح يكمن في إيجاد شخص يعمل في المطار تعطيه القنبلة ليضعها على الطائرة. وأشك جديا بأن الأمن في مطار شرم الشيخ يمكنه منع حصول ذلك، فسيناء ملأى بالأشخاص غير الراضين عن الحكومة المصرية".
وتنوه المجلة إلى أنه مع تبجح فرع تنظيم الدولة في سيناء بتبني إسقاط الطائرة، إلا أن البيان كان غامضا، بالمقارنة مع بيانات التنظيم السابقة، كما لاحظت مديرة "سايت إنتليجانس غروب" المتخصص بمتابعة المواقع الجهادية ريتا كاتز، وتتوقع أن يقوم تنظيم الدولة بإصدار المزيد من الدعاية حول سقوط الطائرة.
ويورد التقرير أن كاتز كتبت في تحليل نشر في "إنترناشينال بزنس تايمز": "مهما كان بيان تنظيم الدولة مبهما، فإنه لا يمكن رفضه تماما في الوقت الحالي، ولكن على تنظيم الدولة أن يقدم الأدلة ليثبت ادعاءه".
وتشير المجلة إلى أن كلا من تنظيم الدولة وجبهة النصرة قد طلبا من أتباعهما الانتقام من
روسيا؛ بسبب قرار فلاديمير بوتين نشر طائرات وقوات روسية في سوريا. وقامت الطائرات الروسية بغارات جوية مكثفة على مدار الشهر الماضي ضد الثوار المعارضين لنظام الأسد، بما في ذلك غارات استهدفت مقاتلي تنظيم الدولة وجبهة النصرة. وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس النائب الجمهوري إد رويس، إن روسيا قامت بثمانمئة غارة جوية مقابل مئة غارة جوية قامت بها أمريكا.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن وكالات الاستخبارات والمحللين الأمريكيين يميزون بين تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، ويصورون تنظيم الدولة على أنه يهدف إلى التمدد الجغرافي والحكم بالقبضة الحديدية، بينما هدف تنظيم القاعدة فكان دائما مهاجمة الدول الغربية، بتهمة أنها تدعم الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط.
وترى المجلة أن هذه النظرة قد تكون بدأت تتغير. وفي مؤشر آخر على أن تنظيم الدولة يسير في طريق تنظيم القاعدة ذاته، أعلنت السلطات الإسبانية يوم الثلاثاء بأنها فككت خلية مرتبطة بتنظيم الدولة كانت تخطط لمهاجمة العاصمة مدريد. وكان تنظيم القاعدة شن هجوما على قطار في مدريد عام 2004، مات فيه 191 شخصا.
ويجد التقرير أنه إذا كانت الأدلة المجموعة من الطائرة المنكوبة تؤكد أن فرعا لتنظيم الدولة هو المسؤول عن إسقاط الطائرة، فإن هذا سيشكل فصلا خطيرا في تطور التنظيم، ومع ذلك يبقى السؤال مطروحا حول مدى السلطة التي تستطيع القيادة في سوريا والعراق ممارستها على فروع للتنظيم في مصر وغيرها. كما أن ذلك سيغير الحسابات الاستراتيجية لواشنطن، التي تحارب التنظيم في كل من سوريا والعراق.
وتوضح المجلة أن أمريكا تقود في العراق حربا جوية على التنظيم لأكثر من سنة، ونشرت أكثر من ثلاثة آلاف عسكري بصفة استشارية ومدربين. وأعلن البيت الأبيض الأسبوع الماضي عن خطط لإرسال 50 فردا من قوات العمليات الخاصة إلى سوريا؛ لمساعدة الثوار ليضغطوا على تنظيم الدولة في معقله في الرقة، مستدركة بأن الجهود المبذولة إلى الآن فشلت في عكس ميزان القوى ضد التنظيم في أي من البلدين.
ويعتقد التقرير أنه إذا كانت طائرة متروجيت أسقطت بقنبلة، فإن ذلك سيشكك في مدى قوة المخابرات المصرية، التي سوقتها واشنطن على أنها قادرة على منع وقوع هجمات إرهابية وعلى كشف المؤامرات. مشيرا إلى أن التعاون في الحرب على الإرهاب شكل العمود الفقري لعلاقة واشنطن مع القاهرة، وهو السبب الذي يذكر لتقديم مساعدة عسكرية قيمتها 1.3 مليار دولار لمصر، التي استمرت رغم القمع وانتهاك حقوق الإنسان لحكومة
السيسي.
وتذكر المجلة أن الولايات المتحدة استمرت في إرسال المساعدات العسكرية، بالرغم من التهم المتوالية للأمن المصري بتعذيب المعتقلين. وكانت وكالة الاستخبارات المركزية لدى جورج بوش الابن تحول المشتبه بتورطهم بالإرهاب إلى معتقلات سرية في مصر، حيث يتم تعذيبهم خلال التحقيق، بحسب مؤسسات حقوق الإنسان وتقرير لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ.
ويؤكد التقرير أن سقوط الطائرة سيؤثر على السياحة في مصر؛ بسبب فشل الأمن في إحباط الهجوم. ويشكل الدخل من قطاع السياحة 11.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وأدخل 14.4% من العملة الأجنبية عام 2014.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن شركات طيران لفتهانزا والإمارات والفرنسية ألغت رحلاتها إلى المنطقة، وقالت إنها لن تعيد الرحلات حتى يتبين سبب سقوط الطائرة. وأوقفت يوم الأربعاء إيرلندا رحلاتها إلى هناك. ووصف وزير الخارجية المصري سامح شكري القرار البريطاني بـ"السابق لأوانه".