شهد صيف محافظة
دير الزور، مقتل قائدين عسكريين من عشائر المنطقة، كان لهما دور بارز في الأحداث الكبرى التي ما تزال تعصف بالمحافظة الشرقية في
سوريا منذ نحو أربع سنوات، ولكنهما كانا على طرفي نقيض.
ففي 13 تموز/ يوليو الماضي قتل عامر الرفدان، قائد قوة
تنظيم الدولة الذي بسط سيطرته على محافظة دير الزور العام الماضي، وعين حينها الرفدان واليا عليها، ثم ما لبث أن نقل ليصبح عضوا في مجلس شورى تنظيم الدولة، وهي دائرة ضيقة تحيط بالبغدادي، بحسب ما يذكر نشطاء مطلعون.
وبعد أقل من شهر، وتحديدا في الخامس من آب/ أغسطس، قتل عبد الباسط حميدة، الذي كان سابقا أحد قيادات فصائل الجيش الحر، لكن بعد تنكيل تنظيم الدولة بعشيرة
الشعيطات التي ينتمي إليها، لجأ إلى قوات النظام السوري في دير الزور، وشكل هناك قوة عرفت بـ"جيش
العشائر"، التحق بها عدد كبير من مناوئي تنظيم الدولة، وكانوا رأس الحربة في عملية التصدي لهجمات التنظيم على ما تبقى للنظام من مواقع في تلك المحافظة.
وقد قتل حميدة في انفجار لغم أرضي بسيارته عندما كان في جولة تفقدية قرب مطار دير الزور العسكري في منطقة جبل الثردة، فيما قتل عامر الرفدان بغارة لطيران التحالف الدولي على موكبه عندما كان متوجها مع "أبو أسامة العراقي" الذي يشغل منصب والي الحسكة، التي أطلق عليها التنظيم اسم "ولاية البركة"، عند كانا متوجهين من دير الزور إلى الحسكة لتقديم المساندة لقوات التنظيم هناك.
وفق مصادر من داخل جيش العشائر، فإنه لا يزيد عدد عناصره عن 250 عنصرا، انضموا إليه من مختلف عشائر دير الزور، لكن عموده الفقري من أبناء عشيرة الشعيطات. وقد بدأ عبد الباسط نفسه بتجميعه عقب مجزرة الشعيطات على يد تنظيم الدولة في صيف 2014، في معسكر خاص أنشأه النظام السوري لهم في مدينة تدمر، وتلقى مقاتلوه تدريبات على يد ضباط من النظام السوري.
ويبرر عناصر "جيش العشائر" انضمامهم لقوات النظام بالظلم الكبير الذي وقع على عشيرتهم دون أن يبادر أحد إلى إنقاذهم أو دعمهم، سواء من أبناء العشائر الأخرى أو من التشكيلات العسكرية في المنطقة، وأنه لم يبق لهم من خيار لمواصلة قتال التنظيم سوى الانضمام إلى قوات النظام السوري.
لكن في المقابل، يؤكد عدد من أبناء عشيرة الشعيطات وقيادات سابقة في الجيش الحر أن المنضمين إلى قوات النظام كانوا من المستفيدين من آبار النفط وعوائده، وقاتلوا التنظيم من هذا المنطلق. كما وُجهت اتهامات للمنضمين لجيش العشائر بأنهم كانوا قد تسببوا بمجزرة في العشيرة عند زجها في مواجهة "غير متكافئة" مع تنظيم الدولة في محاولة للمحافظة على مكاسبهم، وعندما فشلوا في ذلك باعوا أنفسهم لأجهزة النظام السوري المخابراتية، بحسب قوله منتقدي جيش العشائر.
وقد شكل جيش العشائر المكون من عناصر سابقين في الجيش الحر من أبناء المنطقة الجدار الذي تحطمت عليه الكثير من حملات تنظيم الدولة. فقد خاض أولى عملياته في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، عندما شارك بالتصدي لتنظيم الدولة في حقل الشاعر في ريف محافظة حمص، ثم هاجم بلدة الشولا (20 كلم جنوب دير الزور)، وتمكن عناصره من قتل وأسر جميع عناصر التنظيم داخلها قبل أن ينسحبوا نحو مدينة تدمر في محافظة حمص.
لكن دور جيش العشائر برز بقوة عند هجوم تنظيم الدولة على مناطق سيطرة قوات النظام في محافظة دير الزور، حيث قام النظام بنقله من مدينة تدمر إلى داخل مناطق سيطرته، واستطاع جيش العشائر بعد أيام من وصوله ودخوله المعركة من صد هجوم تنظيم الدولة على مطار دير الزور العسكري، واللواء 137 غرب المحافظة.
وبعد تأمين دير الزور، بدأ جيش العشائر بالعمل خارج المحافظة، حيث ساهم بفعالية في صد هجوم تنظيم الدولة على محافظة الحسكة المجاورة لدير الزور (شمال شرق سوريا)، واستطاع بمشاركة قوات النظام ووحدات الحماية الكردية من إعادة السيطرة على معظم أحياء المدينة، خاصة حي غويران وحي النشوة.
وعبد الباسط حميدة هو من مواليد 1988 في قرية الكشكية شرق دير الزور. ويقول أشخاص يعرفونه إنه شاب بسيط كان لا يملك أي معارف أو ثقافة، وإنما برز خلال العمل المسلح للثوار ضد النظام. وكان سابقا قياديا في كتائب أحفاد عائشة المنضوية تحت راية الجيش السوري الحر.
ومثله أيضا الشاب عامر الرفدان، الذي كان موظفا بسيطا في مصلحة المياه بالمحافظة، قبل أن ينخرط بالعمل العسكري، وكلاهما أيضا ينتمي إلى أرومة عشائرية واحدة، هي قبيلة العكيدات.
ويطرح ظهور هذين الشابين الخاطف على مسرح الأحداث، وغيابهما المتزامن، المزيد من الأسئلة حول الدور الكبير لعشائر سوريا في رسم المشهد الذي الدامي للمنطقة، وعن الدور المحتمل للعشائر في مستقبل سوريا، الذي تتراوح الترجيحات حوله بين أن يكون دورا حادا ومكلفا ينتهي بسرعة، على النحو الذي تجسد في مصير الرفدان وعبد الباسط، وصولا إلى دور الاستراتيجي سياسي مثل الذي تؤديه شخصيات قبلية كأحمد عاصي الجربا رئيس الائتلاف الأسبق، وابن عمه حميدي دهام الجربا الذي يشغل منصب رئيس الإدارة الذاتية الكردية.