كشفت صحيفة "ديلي بيست" البريطانية، أن أحد المفاوضين البارزين في جبهة
النصرة هو عنصر سابق في الجيش السوري الحر وخاض عمليات تفاوض للإفراج عن الصحفي الأمريكي ثيو كيرتس وتهريب نساء إيزيديات من
تنظيم الدولة.
وقال مراسل الصحيفة يوسف سيمان، إن الشخص المدعو أبو عبدالله بدأ حياته القتالية مع اندلاع الثورة في
سوريا وقبل ظهور تنظيم الدولة، وقاتل تحت مظلة
الجيش الحر قبل انشقاقه عنه.
ويقول سيمان إن أبا عبدالله رتب لقاء مع قيادي بجبهة النصرة في مدينة دير الزور، يدعى أبو مارية وأخبره بأنه متعب من القتال وأنه مستعد لنقل مقاتليه إلى جبهة النصرة ويرغب بالانتقال إلى تركيا من أجل مساعدة الجرحى، لكنّ أبا مارية عرض عليه مهمة أخرى وهي أن يكون مفاوضا مع الغرب نيابة عن الرهائن لدى تنظيم الدولة أو جبهة النصرة.
وقال إنه يتذكر قول أبي مارية له: "أنت لا تشبهنا، أنت تصلح للتحدث مع السفارات"، والقيام "بعمل إنساني". وقبل أبو عبدالله العرض.
ولفت سيمان إلى أن مهمته "الإنسانية" الأولى كانت التفاوض من أجل الإفراج عن الصحافي الأمريكي ثيو كيرتس. وفي الوقت الذي بدأ فيه أبو عبدالله العمل كانت جبهة النصرة تحتفظ بكيرتس رهينة منذ أكثر من عام.
ولفت إلى أنه استطاع الاتصال مع والدة كيرتس نانسي من خلال عدد من السوريين العاملين في المنظمات غير الحكومية. وتذكر أنها كانت تبكي خلال أول مكالمة وحديثه معها عبر صديق للعائلة قام بعملية الترجمة.
وقال أبو عبدالله إنه طلب من أبي مارية الإفراج عن ثيو بدون فدية بعد أن اكتشف عدم قدرة العائلة على توفير الفدية اللازمة. ورد أبو مارية بأنه لا يريد من عائلته الفدية ولكن من الحكومة الأمريكية. وبعد أشهر من
المفاوضات أفرجت النصرة عن كيرتس في آب/ أغسطس 2014، بعد أشهر من ذبح صحافي أمريكي آخر، هو جيمس فولي.
وتتذكر نانسي والدة كيرتس العذاب الذي مرت فيه بطريقة مختلفة. وتقول إنها تحدثت مع ثلاثة أشخاص في النصرة. ففي أول لقاء لها رفض الخاطفون التحدث معها. وقالوا" "كلنا لنا أمهات".. وطلبوا التحدث بدلا من ذلك مع الحكومة الأمريكية.
وأشار إلى أنه خلال شهور طويلة تم تبادل أشرطة فيديو، وناشدت نانسي الجبهة إطلاق سراح ابنها. وأرسلوا شريطا يظهر أن ثيو لا يزال حيا مع أنه كان في حالة مزرية. وتقول إنها كانت محظوظة لعدم مشاهدتها الأشرطة التي لم يطلعها مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) عليها "لأنني لا أريد أن أتذكر ابني على هذه الحالة".
ولفت إلى أن والدة ثيو لا تتذكر الطريقة التي تمت بها عملية إطلاق سراح ثيو ولكنها تقول إن شروط الفدية تغيرت بشكل دائم، أحيانا عشرة أضعاف الفدية الأصلية وأحيانا ملايين الدولارات أو اليورو.
ورغم ذلك، فإن أبا عبدالله يؤكد أنه لعب دورا في عملية الإفراج عنه وأنه كان يقوم بمهمة إنسانية. وساهم بتدخله في تخفيض الفدية للنصف.
وقال إنه ساهم بالإفراج عن عدد من الإيزيديات اللواتي كن رهائن لدى تنظيم الدولة من خلال شبكة مهربين. ويقول أبو عبدالله إن عملية تهريب الإيزيديات كلفته سبعة آلاف دولار من ماله الخاص. وأظهر صورا مع عائلات تبتسم إلى جانبه خزنها على هاتفه النقال "آي فون 6".
ويتحدث أبو عبدالله عن مشروع ثالث عمل فيه، وهو تهريب المقاتلات الساخطات من تنظيم الدولة إلى تركيا معتبرا هذا "عملا إنسانيا" لاعتقاده بأنه يقوم بحماية أشخاص من تنظيم إرهابي.
وقال أبو عبدالله: "أتمنى لو كانت هناك منظمة دولية تساعدني في تهريب الإيزيديات ومقاتلي تنظيم الدولة الساخطين، لكننا قمنا بعمل عظيم".
ولكن هل يعبر أبو عبدالله عن ندمه من عملية الرهائن؟ يرد أبو عبدالله على تساؤلات سيمان بالقول: "لا لأنها كانت المصدر المالي الوحيد لجبهة النصرة".
وأضاف أن الحرب السورية ربما كانت مختلفة لو حصلت جبهة النصرة، وهي فرع القاعدة في سوريا، على صواريخ مضادة للطائرات.. فمن خلال أسلحة كهذه كانت الجبهة ستدمر بسهولة تنظيم الدولة ونظام الأسد والروس.
وعندما سئل عما سيحدث عندما لا يتم دفع الفدية. أجاب بأن هذا ليس محلا للنقاش لأن الجبهة كانت تعرف أن أحدا سيتقدم ويوفر المال. ويقسم أن الجبهة على خلاف تنظيم الدولة، فقد كانت تعامل الرهائن بطريقة جيدة. وتمت معاملة ثيو كيرتس كضيف وليس كرهينة، "وأراهنك أن تتصل به وسيقول لك إنه يفتقد النصرة".
ويقول سيمان إنه التقى أبا عبدالله أول مرة في الأيام الأولى للحرب في سوريا. وكان في حينه قائدا لمجموعة من المقاتلين وكانت "الثورة" في بدايتها البريئة ويقوم بها أشخاص ضد نظام بشار الأسد.
وأوضح سيمان أن تلك الأيام لم يكن فيها خطف "وكان بإمكان صحافي غير مجرب مثلي الذهاب إلى ساحة القتال معتمدا على عدد من الأشخاص". وتعرف سيمان على أبي عبدالله من خلال مصدر موثوق.
وكانت الخطة هي السفر معه وتغطية عمل كتيبته. وأكد المصدر أن أبا عبدالله رجل جيد. ولهذا قرر السفر معه إلى سوريا. وانطلق معه بصحبة مقاتل ليبي (سماه أيمن) من أنطاكية ومنها إلى كلس وبعد دفعهم ستة دولارات لجندي تركي اجتازوا الحدود التركية نحو سوريا ووصلوا إلى بلدة أعزاز التي دمرها قصف النظام.
ولم يكن قد ظهر في تلك الفترة تنظيم الدولة، أي بداية عام 2012، ولهذا فقد كان الليبي في طريقه للمشاركة في الحرب. ونظرا لعدم وجود لغة مشتركة بينهما تفاهما بالإشارة حيث أطلعه الليبي بواسطة الخريطة على الدول التي قاتل فيها من الشيشان إلى ليبيا.
وكانت حلب في ذلك الوقت تشهد حربا شديدة بعدما دخلها المقاتلون في بداية ذلك العالم. وأراد أبو عبدالله أن يأخذه إلى هناك لكنه خاف، خاصة بعد تجربة غير جيدة مع بعض جنوده في كتيبة "أحفاد عثمان صبري" وهو شاعر كردي معروف عاش في بداية القرن العشرين.
وفي عام 2015 التقى سيمان مع أبي عبدالله الذي كان وسيطا بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة، أما أيمن فقد أصبح بعد انضمامه إلى تنظيم الدولة قياديا ساخطا.
ولفت سيمان إلى أن أول شيء عمله أبو عبدالله أثناء عملية تحوله من قيادي "معتدل إلى متشدد" هو تغيير اسم مجموعته من "أحفاد عثمان صبري" إلى "اتحاد درع المسلم". وقال إنه غيّر الاسم لأن الحصول على دعم من تركيا وقطر سيكون أسهل.
وجاء تحوله إلى الجبهة بسبب ما قال إنه "الفساد الذي شاهده داخل الجيش السوري الحر: "كان قادة الجيش الحر يسرقون المال ويهربون إلى أوروبا بها، أما جبهة النصرة فكانت نظيفة". كما أن مجموعته الصغيرة المكونة من 60 مقاتلا معظهم غير سوريين لم تكن تملك سوى 14 بندقية. وكانوا يتناوبون على استخدامها أثناء المعارك.
ويتذكر أبو عبدالله أنه لم يحصل على أي دعم من المجلس العسكري السوري الذي كان يملك السلاح، ولكنه كان يبيعه.
وبعد معركة في عام 2013 بينه وبين النظام السوري وقوات الحماية الشعبية الكردية في رأس العين، قرر المقاتلون التابعون له الانضمام إلى جبهة النصرة. ومع أنه شارك في عدد من المعارك مع الجيش السوري الحر إلا أنه انتقل في النهاية لجبهة النصرة.
وفي عام 2013 علم أبو عبدالله أن أيمن الليبي انضم إلى تنظيم الدولة وهو ما يعني أنه أصبح في الطرف المنافس له. وعندها جاء اللقاء مع أبي مارية وهو الذي جنبه قتال صديقه أيمن، فمن مقاتل تحول إلى مفاوض.