نشر موقع "ميدل إيست مونيتور" تقريرا لأليستر سلون يقول فيه إن "10 دوانينغ ستريت سينصب هرما على شكل فيل في الغرفة التي سيتم فيها استقبال الرئيس
المصري عبدالفتاح
السيسي لجلسة طعام طويلة مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد
كاميرون. وستكون هناك أصوات محتجين تتعالى في خلفية الجلسة. ولكن الفيل سيردد اللازمة المعروفة، وهي (السيسي يتمتع بشعبية)، وهذه عبارة صحيحة من عدة أوجه".
ويضيف الكاتب: "فمع أن محمد مرسي انتخب بطريقة ديمقراطية، إلا أن عشرات الملايين من المصريين لم يصوتوا له. ولم تكن هناك سوى دراسة مسحية واحدة تظهر أن غالبية الشعب المصري تعارض انقلاب السيسي. لكن دقة الدراسة التي أجراها (المركز المصري للدراسات الإعلامية والرأي العام) تعرضت للتساؤل من المحلل في الشؤون المصرية إتش إي هيللر وعدد من خبراء الاستطلاعات المصريين، الذين انتقدوا طريقة إجراء الدراسة والظروف التي نظمت فيها، وأشاروا إلى التحيز لطرف واحد، والمبالغة على الطرف الآخر، حيث زعم السيسي بطريقة مضحكة أن نصف الشعب المصري شارك في التظاهرات التي خرجت داعمة لانقلابه. والحقيقة هي في مكان ما في الوسط".
ويتابع سلون قائلا: "يقول النقاد إن الاستطلاعات مؤشر قليل على شعبية السيسي، وهذا صحيح ولسبب واضح، وهو أن الاستطلاعات التي أجريت في مناطق يسيطر عليها حكام ديكتاتوريون أو لاعبون دوليون، عادة ما تكون غير موثوقة. وهذا هو حال الاستطلاعات التي أجريت في عهد السيسي أو حسني مبارك من قبله، وهي ليست بالضرورة دقيقة للاستطلاعات التي أجريت في عهد مرسي عندما كانت حرية التعبير في مصر واضحة".
ويشير الكاتب إلى أن "دراسة في تموز/ يوليو عام 2013 أظهرت أن نصف المصريين اعتقدوا أن بلدهم سيكون في حال أسوأ خلال الخمس سنوات القادمة، وأسوأ مما كان عليه الحال في عهد مبارك. وأظهرت الاستطلاعات التي أجريت بعد سقوط مبارك بأسابيع دعما جيدا للجيش، حيث إن نسبة 88% ترى أن الجيش مؤسسة على تقدير جيد".
ويبين سلون أن "الشعب المصري شعب ذكي مثل أي شعب. ولكن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الأثر الذي تركه إعلام السيسي عليه، وعلى طريقة إصداره أحكاما سياسية. وعندما نقوم بتقييم حجم الدعم الذي يحظى به السيسي، فعلينا ألا نفرق بين من قرروا دعمه بناء على البروباغندا، وبين من قرروا دعمه لأنهم يحبونه".
ويذكر الكاتب أنه "بحسب ما تم توثيقه، فقد قام الصحافيون المؤيدون للنظام والدعاية العسكرية خلال الـ 18 شهرا الماضية بمنع حرية التعبير بشكل فعلي. وفي الوقت ذاته قاموا وبطريقة ذكية بتقديم نسخة من الحقيقة المشذبة للناخب المصري. ونحن نعرف السلطة التي يتركها الإعلام على الرأي العام. مثلا، أدى قرار مديري قنوات التلفزة المصرية بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين بأنها حركة إرهابية، إلى نوع من التحول في مواقف الرأي العام منها".
ويجد سلون أنه "بالنسبة للمشاهد العادي، الذي يدير كل ليلة مفتاح جهاز تلفزيونه على القنوات المؤيدة للسيسي، فلا نتوقع منه إلا أن يتحدث وبإيجابية عن الوضع القائم. وهذا الموقف لا يعكس بالضرورة الواقع، ولكن (الواقع) الذي يقرأ عنه ويشاهده في الإعلام الذي تسيطر عليه الدولة. ولا بد من التحذير هنا بأن النقد الصارم للإعلام ليس مفهوما غريبا على المصريين، وهناك إمكانية بأن يقوم البعض بتغيير القنوات لاعتقاده أن ما يبثه إعلام القاهرة ليس إلا نفايات".
ويرى الكاتب أن فكرة شعبية السيسي غير المريحة ليست استثنائية، فنصف سكان سوريا دعموا بشار الأسد في بداية الحرب الأهلية، والملايين يزعمون الآن أنهم لا يزالون يدعمونه. ومن النادر سماع صوتهم في النقاش الدائر في الغرب. والسعودية قاسية ضد معارضيها، مثل علي النمر ورائف بدوي، لكن الملايين من السعوديين راضون عن حكامهم، طالما ظلت الوظائف والرعاية الاجتماعية والوقود والطعام وأسعار البيوت مستقرة. وفي السياق ذاته يتمتع آل زايد في الإمارات بشعبية هائلة في أبو ظبي ودبي، وهما الإماراتان اللتان استفادتا من سياسة العائلة الدولية.
وهنا يتساءل سلون "هل يهم لو كان السيسي يحظى بشعبية أكبر مما يتوقع بعض الناس؟ وهل يهم لو كان الديكتاتوريون يتمتعون بقاعدة دعم شعبي تعد بالملايين، إن لم تكن أكثر؟ فحقيقة تمتعهم بشعبية مهمة لا تبرر ما يقومون بعمله؛ لأن ما يفعله الديكتاتوريون عادة مثير للتقزز، ومهين وإجرامي وغير مبرر. وكون السيسي يحظى بشعبية يضعنا أمام سياسة الواقع من أنه سيظل في الحكم ولمدة طويلة".
ويعتقد الكاتب أنه "لو كان السيسي ذكيا مثل (دكتور إيفل في أفلام أوستن باور) فإنه سيقوم بتخفيف القمع، كما فعل من قبله مبارك وعبد الناصر والسادات. وبعدها يستقر، فهو يأمل باستقرار الحالة الاقتصادية وتنفيذ بعض مشاريع البنية التحتية التي وعد بها. وتقوم شركات الهواتف مثل (فودا فون) بإنشاء مراكز للاتصالات في القاهرة، ما سيزيد من نسبة التوظيف بين الشباب المتخرجين من الجامعات. ويأمل بعودة الاستثمار الأجنبي، ونمو السياحة من جديد. ويأمل كذلك بأن تثمر عقوده مع الاتحاد الأوروبي. ويأمل بتوفير الوظائف وصعود الأعمال وتسيير القطارات في موعدها. بالإضافة إلى الأشياء الكلاسيكية التي يريدها الناس في ظل الديكتاتورية المصرية".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه بعد سنوات قليلة قد يتم رفع القيود عن حرية الصحافة، تماما كما حدث في عصر مبارك وعبد الناصر والسادات، ويتم إعادة تأهيل عشرات الآلاف من السجناء السياسيين والإسلاميين بطريقة هادئة. لافتا إلى أنه لسوء الحظ فإنهم سيخرجون هم وغيرهم من المعارضين يزحفون للحرية، ليجدوا أن الثورة التي سجنوا أثناءها قد انتهت.
وينوه سلون إلى أن السيسي يحظى بدعم دولي وعربي، وأنه قد تمر سنوات دون أن يحدث تغيير لحاكم القاهرة. ويقول: "الحقيقة المثيرة للضيق المتعلقة بالثورة المصرية، هي أن السيسي فاز. فهو وقلة معه وبدعم مالي بالملايين يسيطرون على البلد لمدة طويلة، حتى تندلع الثورة المقبلة".
ويوضح الكاتب أن "شعبية السيسي ستكون عاملا في حكمه الطويل. وهي شعبية اشتراها وانتزعها يالخداع، وحصل عليها بالقمع. والحيلة لأن تصبح ديكتاتوريا جيدا هي أن تكون محبوبا بقدر معين. ولدى السيسي الذكاء والعلاقات العامة لأن يحقق هذا".
ويقول سلون "إن تقول أن السيسي يحظى بشعبية لا يعني تقديم المبرر له أو لما يفعله وما سيفعله في المستقبل. ورغم ما يتمتع به من شعبيه في طريقة الحكم فإنه من الحمق أن تقدم الدول الغربية الدعم له. فقد علمنا
الربيع العربي أنه عندما يسقط الديكتاتوريون فإنهم ينهارون دون تحذير، أو دون نتائج كارثية. فقد استمر الغضب في الشرق الأوسط بالغليان، وظل يغلي لمدة طويلة؛ لأن الدبلوماسيين فسروا الهدوء السياسي بالسكون الدائم".
ويرى الكاتب أن "هناك سؤالا واحدا يجب على كاميرون طرحه عندما يجلس حول طاولة الطعام مع الجنرالات المصريين، وهو: (كم تحتاجون من الوقت أيها الرجال لتحويل بلدكم إلى دولة ديمقراطية؟)، وإذا بدأ السيسي بالحديث عن شعبيته، فيجب على كاميرون إخباره أن هذا لا يهم؛ لأنه منذ كوارث الربيع العربي قررت
بريطانيا أن يكون حلفاؤها في الشرق الأوسط ديمقراطيين، ويجب أن يحدث هذا الآن. ويجب أن يحصل الإصلاح من الداخل وبطريقة منظمة وبشكل دائم. ويجب أن يحصل بشكل سريع، وهو ما يمكن لضيوف كاميرون عمله بطريقة سريعة".
ويخلص سلون إلى القول إن "ربيعا عربيا ثانيا فاشلا سيكون كارثيا على العالم، خاصة إن ضم هذه المرة دول الخليج. ومن فضلك، كاميرون أخبر السيسي أنه حقق ما يريد، ولكن جاء وقت التغيير، وانقل الرسالة للرياض وأبو ظبي أيضا".