لا أظن أن هناك أياما حالكة السواد على رؤوس صناع القرارات
الاقتصادية في
مصر مثل هذه الأيام، ففي خلال أقل من عام فقد الجنيه من قيمته ما لا يقل 15% فبعد أن كان الدولار يعادل 7.90 في يناير الماضي أصبح الآن بـ8.25 في سوق الصرف والأمر بلا أدنى شك أخذ في الزيادة، ناهيك عن الانهيار في الاحتياطي من الدولار وتضاعف الديون الخارجية لما كانت علية في أوائل التسعينيات أي تقريبا منذ ربع قرن تقريبا، وفيما يبدو أن الليل المظلم سيكون مغرقا في الظلمات وهذا ليس تشاؤما ولا تنجيما، بل قراءة الواقع تعكس هذه الحقائق، فالعجز المزمن والحاد في ميزان المدفوعات سيجعل من الصعب على أي حكومة تدبير الدولارات لدفع فاتورة الواردات، بما يعنى أن مصر مقبلة على غلاء أسعار لم نر له مثيلا من قبل .
وأظن أن الحكومة لا تعدم الحجج والأكاذيب على الناس من أن الأسعار العالمية تأخذ في الارتفاع والاقتصاد المصري مرتبط بالأسواق العالمية، فقامت الحكومة برفع أسعار الوقود من البنزين والسولار والغاز أسوة بالسوق العالمية، وفي الشهور الأخيرة انخفضت أسعار البترول، فهل انخفضت أسعار البترول ومشتقاته في مصر؟ طبعا لا.
ولكن العجيب في الأمر أن الحكومة فقط تربط حين ارتفاع الأسعار ويكون لها ودن من طين وودن من عجين حينما يتعلق الأمر بمرتبات ودخول المصريين، فيسرى على المرتبات قوانين الانكماش وليس قوانين التمدد مع أن الأصل أن الأسعار ممكن أن تأخذ هي الأخرى مسلك الانكماش.
ولكن لسوء الإدارة الاقتصادية في مصر ومن سوء طالعها أن انخفضت الأسعار العالمية، فقد انخفضت أسعار البترول والتي شعر بها سكان دول العالم فقد انخفضت الأسعار إلى النص تقريبا في الولايات المتحدة وأوربا، ولكن لم ير المواطن المصري أي انخفاض في الأسعار على الإطلاق بل ارتفعت الأسعار في كل مناح البلاد وفي كل الأنشطة.
فسوء الإدارة الاقتصادية جعل الاقتصاد المصري عاجزا عن أن يكون منتجا على الإطلاق ولا يوجد أي مرونة في الأسعار حتى تصعد أو تهبط، فالأزمة التي ضربت أمريكا في عام 2008 جعلت أسعار المنازل تنخفض إلى أقل من النصف في كثير من الولايات وكذلك الحال بالنسبة لأوربا، أما مصر فالإدارة الفاسدة وتواطؤها مع رجال الأعمال الفاسدين جعلت الاقتصاد مستباحا لكل من هب ودب حتى يحتكروا السوق ويتحكموا في الأسعار ولذا فلن تجد أن الأسعار في مصر تنخفض أبدا اللهم في أحلام المصريين.
فالسوق المصري بكل قطاعاته يحتكره أفراد يعدون على أصابع اليد الواحدة ،فيوجد في مصر مافيا احتكار للسوق، اللذين عاثوا في السوق الفساد، والأمثلة كثيرة على ذلك، ففي قطاع اللحوم يحتكره 10 أشخاص وكذلك القمح ، احد هؤلاء المستوردين يستأسد ب 70? من التوريد للحكومة، ويلعب هذا المستورد دورا هاما في تقليص مساحات المزروعة قمحا لصالح الاستيراد، نفس الأمر بالنسبة إلى الحديد والسكر والحبوب والأسمنت، ولعل هذا يذكرنا بسيئ الذكر أحمد عز الذي أخرج لنا قانونا يعاقب المبلغ أو الشاهد في قضايا الاحتكار، هل تتخيل أن الحكومة تعاقب من أراد وقف الجريمة ،انه سرطان تحالف المال مع السلطة، وهذا ما بدا لنا وما خفي كان أعظم
إن الدول القوية هي التي تحاول أن تلعب فيها الحكومة دور الرقيب ووضع القواعد المنظمة التي تضمن أن تستمر حرب المنافسة بين الشركات حتى يحقق المواطن أكبر استفادة ممكنة من هذه المنافسة، ففي أمريكا لم تتمكن شركة عملاقة مثل فولكس واجن أن ترشى موظفي الحكومة أو أن تمنع كشف خداعها للناس، فقد أصيبت سمعة الشركة في مقتل مما سيتكبدها مليارات الدولارات من الخسائر
وللمفارقة فقد أوردت مجلة الايكونومست في عددها الأخير أن الكثير من السلع الغذائية قد انخفض سعرها 41% وهو أدنى سعر تصل له منذ 8 سنوات، وهو يتفق مع نفس السياق مع انخفاض الأسعار في العالم إلا في مصر، ورغم كل ما سبق فان الحكومة مقبلة على أيام عجاف فلن تستطيع تدبير الدولارات لدفع فواتير الواردات ولن تستطيع أن تسد العجز في ميزان المدفوعات ولن تستطيع دفع أقساط الديون، فمرحبا بحكومة مشلولة الايادى، ستغل أيديها أكثر فأكثر حتى يكوى الناس بنار الأسعار التي يبدو أنها عليهم مؤصدة