باتت ظاهرة الاغتيالات في الفترة الأخيرة من الظواهر الأكثر خطورة وانتشارا في في المناطق المحررة في
سوريا، حيث طالت العديد من الشخصيات العسكرية والدينية والسياسية والناشطة، إضافة إلى عدد من المدنيين.
ولا تزال الأسباب وراء هذه الاغتيالات متباينة، وكل يفسرها من وجهة نظره ومعرفته بالواقع الذي حصل فيه كل اغتيال.
وإذا كانت بعض عمليات الاغتيال الأخيرة التي حصلت في إدلب كشفت ملابساتها وخيوطها بشكل واضح وتم معرفة الجهة التي تقف وراءها، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لاعتبار أن هذه الجهة هي الضالع الوحيد بكل عمليات الاغتيال التي تحصل في المناطق المحررة على وجه التحديد، وعلى امتداد سوريا.
يقول إبراهيم، وهو محقق سابق في سجن إدلب، إن عمليات الاغتيال بدأت مع بداية الثورة، حيث كان يقوم بها النظام بحق منظمي المظاهرات والناشطين، ومن ثم العسكريين داخل جيش النظام، ممن يشتبه النظام بتواصلهم مع الثوار، أو يشك في نيتهم الانشقاق.
وقد كان النظام يعمد إلى طريقة الاغتيال، ومن ثم إلقاء الجثث في الشوارع والأماكن العامة لتسجل القضية ضد مجهول. وربما كان يتهم النظام في معظم الأوقات خلايا يصفها بـ"الإرهابية النائمة" بأنها من تقف وراء هذه العمليات، ويروج لهذا الأمر بشدة، وذلك ليلقي التهمة عن عاتقه ويزرع الخوف والذعر في صفوف الناشطين والعسكرين الذين يفكروا بالعمل لصالح الثورة، كما يقول إبراهيم لـ"
عربي21".
ويضيف إبراهيم: "تطور الأمر حتى وصل بالنظام لمحاولة استهداف المقرات التابعة للفصائل العسكرية، أو القيام بتفجير المشافي أو الأسواق أو نقاط التجميع التي تجتمع فيها أعداد كبيرة من الناس. وقد تم الكشف عن أكثر من خلية ثبت تورطها مع النظام بشكل كامل، واعترفوا بالعديد من عمليات القتل والتفجير والاغتيال التي قاموا بها في العديد من المناطق المحررة".
لكن مع ظهور الكثير من التشكيلات العسكرية في المناطق المحررة، ذات التوجه الفكري المختلف، وتحمل مشاريع تتعارض في بعض الأحيان مع أهداف الثورة، بدأت تنتشر هذه الظاهرة بشكل أكبر، وأصبحت تطال العديد من الشخصيات الفاعلة في معظم الاتجاهات السياسية والعسكرية والاقتصادية والدينية.
وأشار إبراهيم إلى ضلوع عصابات السرقة والتشليح في اغتيال وقتل بعض أصحاب رؤوس الأموال، بهدف السيطرة على ممتلكاتهم وما يحوزتهم من أموال، حتى أصبحت عمليات الاغتيال من الظواهر المنتشرة بكثرة.
وقد سجلت معظم الحالات التي حصلت في الفترة الأخيرة ضد مجهول، نتيجة كثرة المجموعات والفصائل المسلحة.
وفي حديث خاص لـ"
عربي21" مع حسام أبو بكر، القيادي في حركة أحرار الشام، الذي نجا من محاولة اغتيال محكمة عن طريق عبوة زرعت أمام منزله، رأى أن المتورط الوحيد في الاغتيالات الأخيرة التي طالت العديد من قيادات الثورة العسكريين بالذات، وأصحاب التأثير والشخصيات الدينية والدعاة وبعض الشخصيات الفكرية والاجتماعية المعروفة، هم "الجماعات صاحبة الفكر الظلامي"، التي اعتمدت هذا الأسلوب واستخدمته بالتحديد ضد الأشخاص الذين يقفون في وجه مشاريعهم ويدعون الناس لمحاربتهم، وبالتحديد
تنظيم الدولة/ وبعض الفصائل الأخرى التي تحمل هذا الفكر، حسب قوله.
وأكد أبو بكر أن العديد من عمليات الاغتيال التي تم كشفها في الشمال السوري، ومحافظة إدلب على وجه الخصوص، كان يقف وراءها تنظيم الدولة، مثل؛ اغتيال الشيخ يعقوب العمر القيادي والشرعي المعروف في جبهة النصرة، ومن ثم أبو محمد الفاتح، وأخيرا الشيخ مازن قسوم القيادي في فيلق الشام، حيث ألقي القبض على المجموعة التي قامت باغتياله، ليتبين مؤخرا أنها تابعة لجماعة جند الأقصى العاملة في محافظة إدلب.
وأوضح أبو بكر أن "اجراءات أمنية جديدة يتم اتخاذها من أجل كشف الخلايا الضالعة في هذه العمليات ومن أجل الحد من انتشار عمليات الاغتيال، حيث يتم الاستفادة من التجارب السابقة. ويتم تأهيل وتدريب العناصر على كيفية التحصن والانتباه لهذه العمليات، وملاحقة الأشخاص الذين يشتبه بتورطهم مع الجهات التي تسعى لاغتيال الشخصيات الفاعلة في الثورة".
لكن أبو بكر أوضح أنه "لا نزال في مرحلة ضعف، وعدم امتلاك الخبرة الكافية في مكافحة هذا العمل، لذلك لا بد أن تكون الضريبة التي ندفعها باهظة بعض الشيء، حيث نخسر الخيرة من شبابنا وقاداتنا ودعاتنا وعلمائنا، لكن هذه مرحلة لا بد منها في مثل الحالة السورية".
وقد تم الكشف في وقت سابق عن بعض الخلايا التي أقدمت على تنفيذ بعض عمليات الاغتيال في محافظة إدلب بحق عناصر وقيادات من جبهة النصرة، وقد تبين فيما بعد أنها تتبع لكتائب النهروان التابعة لجبهة ثوار سوريا سابقا.
وتمت مؤخرا العديد من عمليات الاغتيال التي طالت قيادات في كل من حركة أحرار الشام وفيلق الشام، حيث استهدف شخص ينتمي لتنظيم الدولة أحد الاجتماعات العسكرية في مقر يتبع لحركة أحرار الشام، بحزام ناسف، ما أدى لمقتل خمسة من القادات العسكرية وإصابة آخرين.
وقد نجا في وقت سابق كل من القيادي في فيلق الشام مروان النحاس، بعد زرع عبوة ناسفة في سيارته أودت بحياة ولده وأحد مرافقيه، كما نجا القيادي في اتحاد أجناد الشام في ريف درعا، أبو الطيب، من محاولة اغتيال مشابهة أدت إلى إصابته.