خلال أعوام طويلة، يصدّر أهل اليسار، في منطقتنا العربية وغيرها، بأنهم أهل التقدم، أو التقدمية كما يروجون في مصطلحاتهم، وكتاباتهم، ومن خلال المساحة التي سطو عليها بفعل تحالف سيء النوايا بينهم وبين أنظمة الحكم العسكرية، وهي في الغالب الأعم أنظمة حكم خيانية، لا تعمل بحال لصالح شعوبها، وإنما تنفذ أجندة خارجية مأمورة بها.
اليسار "التقدمي"، وهو التيار السياسي والفكري المتصدر دوما لنخب الحكم العسكري الفاشي، ليست مشكلته حقوق الطبقة العاملة أو الفقراء أو المهمشين، كما يدعي، وإنما مشكلته الحقيقية مع الإسلام كونه دينا، ومع أتباع الإسلام، فالشهور القليلة الماضية كشفت وعرت هذا التيار
الفكري المادي المعادي للإنسان.
التحالف المخزي للنخبة الثقافية
المصرية، أو تلك المتصدرة للمشهد، بفعل عوامل التجريف السياسي لعقل المجتمع، وحصار مثقفيه الحقيقيين، مع الحكم العسكري الفاشي، أدى بمصر إلى غياهب المجهول وأعادها إلى عصور الظلام في قرون وسطى هيمنت فيها الكنيسة وقساوستها على الروح والحياة.
صدّع أهل اليسار الرؤوس بالحقوق والحريات، طالبوا بالقصاص للكلاب، وانتفضوا من أجل سب الدين وإهانة المقدسات، بينما طأطأوا الرقاب أمام جرائم مروعة بحق الإنسان والإنسانية، كانت ذروة وحشيتها في ميداني رابعة العدوية والنهضة، ليس خوفا من بطش الحاكم "الإله" الذي صنعوه وقدسوه، وإنما رغبة في الانتقام من الضحايا المتدينين "الرجعيين".
وفي عهد الحرية غير المسبوق أثناء حكم الرئيس محمد مرسي، كان الإعلام الممول خارجيا من أنظمة دعم الثورات المضادة، ومن سراق المال العام داخليا، يتصدره نخبة يسارية لم تتواني في استخدام أسلوب هتلري نازي، وبث كمية من الأكاذيب والضلالات، بأساليب سيئة السمعة، لإسقاط الحكم الديمقراطي.
إذ إنه من غير المقبول لهذا التيار أن يحيا الشعب في حرية وديمقراطية، ستؤدي بالضرورة لنبذ هذه الفئة سياسيا وفكريا، بحكم العقل الذي يبتعد عن التجار وأصحاب الشعارات المزيفة.
وفي تركيا أبلغ الأمثلة لهذه الفئات، إذ بدأ أهل اليسار هناك، المعادون للإسلام والكارهون للحرية، في شن سلسلة من الهجمات الإرهابية ضد مصالح ورجال أمن، كان أخرها قتل المدعي العام والعدوان على أقسام شرطة، رغبة منهم في حرمان الشعب من الديمقراطية، وإسكات تركيا التي باتت قوة إقليمية، غير تابعة لا لشرق أو غرب، وأمثال هؤلاء يريدونها غارقة في الفوضى والظلام.
في عهد الرئيس محمد مرسي تطاول أحد الصحفيين في نشرة لا تنتمي إلى عالم
الصحافة إلا من ناحية الشكل، تسمى الدستور، فهاجت وسائل الإعلام وماجت، وعندما تقدم أحد المواطنين ممن استفزهم حلم الرئيس تجاه هؤلاء، ببلاغ للنيابة للتحقيق مع بذاءات الصحفي الذى اعتبروه وقتها بطلا في مواجهة السلطة، ورغم هذه البذاءة أصدر الرئيس تعديلا لقانون، يمنع فيه حبس الصحفيين.
قبل أيام قضي على 15 صحفيا بالإعدام والمؤبد، في قضية ملفقة للثوار عرفت بـ"غرفة عمليات رابعة"، لم يهج أهل اليسار ولا المطالبون بحرية سب الأديان في الفضائيات وعلى أوراق الصحافة، فالمحكومون في نظرهم إرهابيون يستحقون الإعدام والمؤبد، لأنهم يطالبون بتحرير الوطن ويرفضون الحكم الفاشي الذى يعد بيئة خصبة لنشاط هؤلاء.
من بين المحكوم عليهم بالسجن المؤبد، الصديق حسن القباني، مؤسس حركة "صحفيون ضد الإصلاح"، وأتذكر كيف ناضل حسن من أجل حرية الصحافة والصحفيين، وتظاهر في وقفات عدة لدعم صحفيين معتقلين وضد انتهاكات بحقهم، ومن هؤلاء يساريون وغيرهم، حسن الذي طالما دعا إلى التوحد السياسي ضد السلطة ودعا إلى التقريب بين التيارات السياسية، رغم كون من يدعوهم أيدوا عمليات القتل والترويع بحق المصريين، إلا أنه لم يجد من يتضامن معه في محنته البطولية، بينما يعصف نظام إجرامي بكافة أنواع الحريات والقيم الإنسانية.
وإلى جوار حسن في محنته، أحمد سبيع ومجدي عبداللطيف وسامحي مصطفي وغيرهم من دفعوا من حريتهم فداء لحرية الوطن.
يبدأ الأسبوع في مصر بأحكام وحشية ضد الصحافيين والثوار، تنقسم بين السجن المؤبد والإعدام، ويتوسطه عملية همجية لحرق كتب فكرية على أرض إحدى مدارس الجيزة، فدواعش العصر لا يروق لهم العلم فى عصر "الكفتة"، ويكرهون الكتب كما يكرهون المساجد، وبينما يندد التتار المصري الجديد بأفعال تنظيم الدولة في العراق، يمارس هؤلاء هجمة عدوانية ضد الفكر والعلوم والثقافة، فبين جدران سجونهم العلماء وأصحاب الفكر، وعلى مسارحهم الراقصات كنماذج قيادية وأمهات مثاليات، وتحت طائلة نيرانهم الطلبة والكتب والمساجد.