عللت وكيل وزارة التربية والتعليم
المصرية بالجيزة، الدكتورة بثينة كشك، واقعة إحراق (75) كتابا في فناء مدرسة "فضل الحديثة" في منطقة الهرم، بأن "الهدف الأساسي من حرق الكتب داخل المدرسة هو إثبات ضبطها، ولتكون عبرة لحظر أي أفكار متطرفة".
وفي مشهد احتفالي مصور قادت الدكتور كشك حملة إحراق تلك الكتب، يرافقها مدير المدرسة، ومدير عام إدارة الهرم واللجنة المُشكلة، ووجود أعضاء إدارة العلاقات العامة بالمديرية.
وقالت الدكتورة كشك "إن الكتب المضبوطة لم تكن في القائمة المسموحة بها للمكتبات المدرسية بمعرفة الوزارة، وأنه تم تسريبها إلى مكتبة المدرسة دون المرور على اللجنة المُكلفة بتسيير العمل بمعرفة مجلس 30 يونيو المتحفظ عليها ضمن ممتلكات مدارس
الإخوان".
أثارت واقعة حرق الكتب ردود فعل غاضبة وساخطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عدّها أحدهم "صورة تشبه ما فعله التتار قديما وما فعلته محاكم التفتيش في القرون الوسطى في أوروبا"، ووصفها آخر بأنها "مجرد رمز لغباء وتخلف هؤلاء، وأتحدى أن يذكر لنا أحدهم محتوى كتاب واحد منها".
اللجوء إلى حرق الكتب الإسلامية، كإجراء عملي "لحظر أي أفكار متطرفة"، يفضي إلى نتائج عكسية مخالفة تماما لما يريده من أقدم على إحراق تلك الكتب، ويفضح في الوقت نفسه دعاة حرية
الفكر والنشر وفقا لناشطين وباحثين ومحللين.
استحضار لنماذج تاريخية مظلمة
ما الذي يمكن قراءته في واقعة حرق الكتب المذكورة؟ بحسب أستاذ الحديث المساعد بجامعة الملك خالد في السعودية، الدكتور لطفي الزغير، فإن ظاهرة إحراق الكتب وحجر الفكر ومنع المعرفة تعود من جديد في القرن الحادي والعشرين التي دشنتها تلك الواقعة الغريبة في مصر.
ووصف الدكتور الزغير تلك الخطوة بأنها متخلفة، وتعود لعقليات ما قبل التاريخ، وتجبر الإنسان على استعادة تلك النماذج المظلمة في تاريخ البشرية، كما فعل التتار حينما دخلوا بغداد فأتلفوا آلاف الكتب والمخطوطات، وكتلك الصفحات المظلمة التي سطرها الصليبيون بعد سقوط الأندلس ونصبهم محاكم التفتيش للفكر والعلم والبشر.
ولفت الدكتور الزغير في حديثه لـ"
عربي21" إلى أن هذه الخطوة قد سُبقت بحذف قصص عدد من العظماء، أبرزهم صلاح الدين الأيوبي، وعقبة بن عامر من مناهج التعليم في المدارس المصرية، التي بررتها الوزارة بأنها "يمكن أن تحث على العنف أو التطرف، أو تشير إلى أي توجهات سياسية أو دينية أو أي مفاهيم يمكن أن تستغل بشكل سيئ".
ورأى الزغير أن تلك الخطوات مع الهجوم الدائم والمستمر من إعلاميي الانقلاب على الثوابت الدينية ككتب السنة الصحيحة وتعاليم الإسلام، تأتي استجابة لمطالبة رأس النظام المصري بضرورة إحداث ثورة دينية على طريقته.
المطالبة بحرق كتب ابن تيمية
وفي سياق متصل، أقدم بعض الغاضبين الأردنيين على حرق كتب ابن تيمية كردة فعل على حرق تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الطيار الأردني معاذ الكساسبة، ودعا بعضهم بصوت عال عبر الإذاعات ووسائل الإعلام الأخرى إلى حرق كتبه باعتباره أحد أبرز المراجع المنتجة والمغذية لأفكار العنف والتطرف.
إلا إن تلك الأفعال والمطالبات الغاضبة، بقيت في دائرة الفعل الشعبي، ولم تتخذ أية إجراءات على المستوى الرسمي، وردا على ما يشاع ويقال بأن ثمة توجهات رسمية لمنع إدخال كتب ابن تيمية إلى الأردن، نفى مدير المتابعة في دائرة المطبوعات الأردنية، الدكتور عبد الله الطوالبة أية توجهات رسمية في هذا الاتجاه.
ووفقا للدكتور الطوالبة (كرأي شخصي وليس موقفا رسميا) فثمة مشكلة في إطار الأمة الإسلامية، ذات جذور تاريخية بعيدة، بدأت منذ الخوارج، تمثلت في اختطاف النص الديني، وإخضاعه لتفسيرات خاصة.
وقال الطوالبة لـ"
عربي21"، إن "فكر التطرف في العصر الحديث يستند إلى أفكار أبي الأعلى المودودي، وسيد قطب، وكلاهما يستندان إلى ابن تيمية كمرجع ديني، لافتا إلى أن كلامهم غالبا ما يُنتزع من سياقاته الصحيحة، ويتم توظيفه بشكل خاطئ".
وتعليقا على واقعة حرق الكتب مؤخرا في مصر، استبعد الطوالبة حدوث ذلك في الأردن، مشيرا إلى أن مواجهة الفكر لا تكون بحرق الكتب، وإنما مقارعة الفكر لا تكون إلا بالفكر، لأن الحرق والمنع يكسب الفكر حضورا أقوى في أوساط حامليه ومناصريهم.
وفي السياق ذاته، أوضح مدير العلاقات العامة في دائرة الإفتاء الأردنية، الدكتور حسان أبو عرقوب لـ"
عربي21" أن الجهة المختصة بهذا الشأن هي دائرة المطبوعات، وهي في العادة لا تقدم على اتخاذ أي قرار في شأن ديني كهذا إلا بالرجوع لدائرة الإفتاء، لبيان الموقف الشرعي تجاه ذلك، وهو الأمر الذي لم يحدث أبدا بهذا الخصوص.
حرق الكتب الدينية يأتي بنتائج عكسية
من جانبه انتقد الأكاديمي المصري، أستاذ الإعلام في جامعة اليرموك الأردنية، الدكتور محمود السماسيري حرق الكتب الدينية، لأنها بمثابة حرق الهوية، وهو ما يحمل الطرف المستهدف على أن يكون أكثر تشددا وتطرفا، مؤكدا أن الفكر لا يجابه إلا بفكر ينقضه ويفنده.
وأبدى الدكتور السماسيري استغرابه من حرق تلك الكتب – التي في غالبها بحسب القائمة المنشورة – عبارة عن كتب دينية شائعة ومتداولة ولا تمت إلى الفكر المتطرف بصلة، لافتا إلى أن هذه الخطوة تأتي بنتائج عكسية، على خلاف ما يتوقعونه.
ووفقا للدكتور السماسيري، فإن كثيرا من المسلمين العاديين حينما يرون الكتب الدينية التي تعلموا منها، ووجدوا فيها ما يرشدهم وينفعهم في دينهم، تُحرق أمام أعينهم، فإن ذلك يزيدهم غضبا على الموقف الرسمي، ويؤلبهم على فكرة تجديد الخطاب الديني ذاتها، إذا كانت ستفضي إلى ممارسات قبيحة ومنفرة كهذه.
وأشار السماسيري إلى أنه لم يسبق لأي اتجاه في مصر أن أقدم على حرق كتب الاتجاهات الأخرى، فهي غير مسبوقة، حتى الاتجاهات الدينية لم تفعل ذلك، وإن كان لها موقف من بعض الكتب فلا يتعدى موقفها مطالبة الجهات المختصة باتخاذ الإجراءات المناسبة.
ورجح السماسيري أن تكون واقعة إحراق الكتب، تمت بمبادرة ذاتية من الأشخاص الذين قاموا بها، ربما لدفع تهمة عن أنفسهم وجهها لهم خصومهم بانحيازهم للتيار الإسلامي، أو لإرضاء أطراف سياسية، فهي محملة برسائل وإشارات سياسية واضحة.
يبقى القول أن الإقدام على حرق الكتب الدينية أو منعها، خاصة التراثية منها، تصرف أرعن لا يفضي إلا إلى مزيد من التشدد والتطرف، وفي الوقت نفسه يفضح دعاة حرية الفكر والنشر، ويظهر هشاشة شعاراتهم التي يرفعونها، ويعجل بإلقاء دعوة التجديد الديني ذات الأبعاد السياسية في سلال المهملات، لأنها لا تعرف طريقا للتجديد إلا بحرق الكتب الدينية، وحذف صفحات أبطال الإسلام الفاتحين من مناهج التعليم المدرسية، وشن الحملات الإعلامية الشرسة على قطعيات الدين وثوابته.