ملفات وتقارير

ابتكارات وطرق جديدة للبقاء تحت ويلات الحصار في سوريا

أزمة الطاقة طغت على المشهد في الغوطة المحاصرة منذ أكثر من عامين - أرشيفية
تعاني عدة مناطق جنوب العاصمة دمشق حصاراً خانقاً منذ أكثر من عامين، كان لابدَّ من إيجاد طرق بديلة لمواصلة الحياة والعمل على تذليل الصعاب التي تواجه الناس في تأمين مستلزمات الحياة الأساسية اليومية، إما بطرق بدائية انقرضت منذ عقود، أو بطرق حديثة رخيصة الكلفة تعرف بإنتاجيتها وسهولة صنعها.

في جنوب دمشق، وبعد انقضاء أكثر من عامين على الحصار الخانق المفروض على عشرات الآلاف من البشر، وعقب وفاة العشرات جوعاً، لجأ عدد من الأهالي والمزارعين مؤخرا إلى الزراعة المحمية ضمن البيوت البلاستيكية التي تستخدم لحماية المحاصيل من الظروف المناخية، والآفات المتنوعة عبر تعديل الأجواء لتصبح ملائمة لبيئة المحصول، كما تعدّ هذه العملية من الطرق الفعَّالة لتحسين الإنتاج كماً ونوعاً.

في حوار مع الصحفي وليد الآغا، عضو تجمع ربيع ثورة، شرح الآغا المشروع والصعوبات التي تواجهه، وبيَّن أن الغاية من المشروع هي إنتاج محاصيل صيفية في فصل الشتاء شديد البرودة، لتدارك النقص الحاد في المواد الغذائية نتيجة الحصار المفروض على المنطقة، وأضاف الآغا "أن فكرة البيوت البلاستيكية انتشرت منذ فترة، ولكن بشكل محدود لدى بعض الأهالي الذين قاموا بإنشاء عدد من البيوت البلاستيكية البدائية على أسطح المنازل".

وقال الآغا إن "إحدى الجمعيات الإغاثية تبنت الفكرة وبدأت منذ أيام، حيث تم بناء عدد من البيوت البلاستيكية الكبيرة على الرغم من تأخر العمل مع اقتراب الصيف، لكن كان لابد من الانطلاق بسبب سوء الأوضاع، تبدو مثل هذه المشاريع بسيطة جداً وغير مكلفة، لكن، تحت الحصار الوضع مختلف، فالصعوبات تلازم العمل، فيواجه القائمون على المشروع عوارض مثل تأمين البذور النادرة جداً، والغلاء الفاحش للمواد اللازمة لبناء الحجرة".

ولفت إلى أن العمل يتم حالياً بالمواد المتوفرة التي لا يستطيع الفرد الواحد تحمّل كلفتها، وحتى الجمعيات الإغاثية القائمة على المشروع تعاني في التنفيذ وتأمين المواد، واعتبرت تلك الجمعيات أن المشروع الحالي لا يلبي سوى حاجة 3% من سكان جنوب دمشق، داعيةً باقي الجمعيات الإغاثية إلى التكاتف لإنشاء المزيد من البيوت البلاستيكية.
 
تكيف بدون غذاء

أما في الغوطة الشرقية، فتحدث أبو سعيد الشامي عن التكيف مع الحياة دون المواد الغذائية الأولية والوقود، بعد مرور أكثر من عامين ونصف العالم على حصار الغوطة الشرقية، التي بلغ عدد المحاصرين فيها مليون نسمة.

وقال أبو سعيد إن بداية المعاناة في الغوطة كانت مع قطع الاتصالات عن المنطقة، ما دفع عدداً من الشباب العاملين في حقل الإلكترونيات إلى ابتكار تصميم بدائي، مؤلف من صحون ألمنيوم مخصصة للطعام، وكابلات خاصة بتوصيل إشارة الصحون اللاقطة المخصصة لاستقبال البث الفضائي، وعدد من الأسلاك النحاسية التي يتم لفها بطريقة معينة على لوح خشبي صغير مثبت في مركز صحن الألمنيوم الموجود على سطح البناء، ومن ثم إنزال الخطوط الناقلة إلى الأقبية والملاجئ، حيث يقطن الأهالي خشية القصف.

وعلى الرغم من بساطة هذا التصميم، إلا أنه حقق نتائج لا بأس بها، وجنَّب العديد من الشباب الصعود إلى الأبنية المرتفعة لالتقاط الإشارة، وبالتالي تعرضهم للاستهداف بالقنص والقصف من قبل قوات بشار الأسد.

وقال أبو سعيد إن "أزمة الطاقة طغت على المشهد في الغوطة، وأثَّرت بشكل مباشر على كل تفاصيل الحياة، فلجأ خبراء بالمواد العطرية إلى تحويل هذه المواد إلى وقود للدراجات النارية المنتشرة بكثرة في غوطة دمشق، وتوجَّه الناس إلى إنتاج غاز الميثان من مخلَّفات الحيوانات لاستعماله للطبخ، وقضاء بعض الحاجات كاستخدامه كوقود لاستخراج المياة الجوفية".

وتابع حديثه عن الابتكارات، قائلا: "تطورت الأفكار مع طول الحصار وصولاً إلى إعادة تدوير المواد البلاستيكية لإنتاج أنواع متعددة من الوقود باستخدام أجهزة خاصة تم تصنيعها في الغوطة تحت الحصار، وبالفعل نجحت هذه العملية بإنتاج كمية لا بأس بها من وقود الديزل والبنزين اللازمين لتشغيل بعض المعامل، والآليات الثقيلة الخدمية والعسكرية التي توقفت بشكل كامل بسبب فقدان الوقود".

في كل الحروب كان البشر والطبيعة في طليعة الخاسرين، لكن العلم دائماً ما يشهد قفزة كبيرة إلى الأمام أثناء الحروب وبعدها، كما حصل بعد الحربين العالميتين، وها هي حاجة المحاصرين اليوم في سوريا تدفعهم لتجديد واختراع طرق للنجاة، ربما تكون مقدمة لنهضة ما بعد أن تضع الحرب أوزارها.