اعتاد الكاتب والصحفي الإسرائيلي "
شاؤول منشّيه" اللعب على المتناقضات الفكرية العربيّة والإسلامية، التي تصدر عن قادة وإذاعيين وإعلاميين وكُتّاب عرب ومسلمين يختلفون عن القاعدة الأساس، ويهدف من ورائها في المقام الأول إلى خدمة المصلحة الإسرائيلية، والحطِّ من القدر العربي والإسلامي في المقام التالي.
فكتب مقالة بعنوان (أسئلة دامغة) التي هي عبارة عن إعادة نشر عددٍ من التساؤلات، التي قام بطرحها الكاتب السعودي "
أحمد عدنان" في مقالة له في جريدة العرب قبل بضعة أيام، بعد أن وصفها بالحرجة والمحيّرة، التي تمحورت حول العنف والإرهاب اللذين تمارسهما المنظمات الإسلامية الإرهابية وعلى رأسها داعش والقاعدة.
حيث تساءل "عدنان": إن كان لصحيفة (تشارلي أيبدو) الفرنسية تاريخ من الإساءة إلى كل الأديان؟ فلماذا لجأ بعضنا دون غيرنا إلى الدم؟ وهل من المعقول أن تُتهم المخابرات الفرنسية بتدبير الحادثة، كما فعل مواطنه السعودي "عبد الله الصبيح" وغيره؟ هكذا، وكأن الجرائم الدامغة المرتكبة بذريعة الإسلام، لم يعد ممكناً الدفاع عنها إلاّ بالاتهام المجّاني تهرّباً من النقد الذاتي؟ وكيف يمكن تفسير هذه الظاهرة؟
وتابع: العرب والمسلمون هم
الرسوم المسيئة.. فهم ينتمون لأمّة تتذيل العالم وتتطفل عليه، وفي الوقت ذاته تعاديه، يركب بعض أفرادها قوارب الموت للوصول إلى أوروبا لتنقذهم من البطالة والفاقة، وفي ذات الوقت يرفعون النار في وجه من استضافهم وينظرون إلى القذى الذي في عيون الآخرين، وينسون الخشبة التي في عيونهم.
حاول السيد "منشّيه" أن يكرر تلك التساؤلات، وأن يقوم بتفسير – بادعائه- تلك (الظاهرة)، وهو أن الكثير من الزعماء العرب وأجهزة إعلامهم تشتم الغرب بِلا هوادة، وتتهمه بشتى التهم والموبقات، هذا في حين إن هؤلاء الشامتين الشاتمين يتوسّلون إلى الغرب الكولنيالي – الاستعماري بأن يخلصهم من جرائم داعش ووحشيته.
بعد هذه الضجة التساؤليّة، وجدنا أنه يتعين علينا رفضها وتفنيدها، سواء الصادرة عن السيد "عدنان" أو السيد "منشّيه" بحجّةٍ وبرهانٍ، ذلك أن اللجوء إلى الدم من ناحية، لم يأتِ من جهات رسميّة عربيّة وإسلاميّة، بل كان من جهةٍ رأت أن من واجبها الغيرة على الدين الإسلامي والدفاع عنه وعن الثقافة المحمّدية الأصيلة، التي لا يُشرّفها أن تتلقى من الثقافة الغربية المتحللة ما يهدم ما فُطرت عليه من آداب عالية وأخلاق متسامية من ناحية أخرى، ورأوا بأنفسهم كما غيرهم، هرولة العرب والمسلمين الرسميين لمساندة "فرانسوا هولاند" خشية أن يقع من الحزن على دماء من كانت صنعتهم مقتصرة على استفزاز العرب والمسلمين وحسب.
ولماذا استبعاد ضلوع فرنسا أو حتى الموساد الإسرائيلي في الحادثة؟ فالكل يعلم بأن تنفيذ بعض البرامج لجهةٍ ما، يستوجب التخطيط لحادثة كهذه، وهناك الكثير من الأمثلة، ولينظروا مثلاً إلى اشتراك أقوى جهازي مخابرات (السي آي إيه، والموساد الإسرائيلي) من أجل تنفيذ حادثة "عماد مغنية" 2008، على الأراضي السورية، وحادثة كنيسة القديسين في الإسكندرية 2010، ومن كان يقف وراءها؟ كما لا يمكن استبعاد الأصابع الإسرائيلية التي تهدف إلى تهجير اليهود الفرنسيين إلى إسرائيل، وهي وسيلة سبق نجاحها في الماضي.
إن التجرّؤ بوصف العرب والمسلمين بأنهم هم الرسوم المسيئة، إلخ.. هو وصف مردود، وتصحيحه يبدأ من أنهم هم الضحيّة في الأساس، وهي حقيقة ثابتة تغيب عن بال أولئك الذين باتوا يتكلمون بلسان أعجمي، سيما وأن الغرب أولاً، لم يُرد منذ الأزل ولا يريد إلى الأبد، مشاهدة منطقة عربية وإسلامية متقدّمة ومستقرّة، فكلما كانت مشتعلة سهل عليه إحكام قبضته عليها.
وثانيا، فإن الغرب الذي يؤويهم -كما الزعم- هو ذاته الذي أوصلهم إلى هذه المرحلة من السوء، أوَ قد نسواْ "عدنان، منشّيه، ومن يلفّ لفّهم"، بأنه نفسه، هو سبب تخلفهم وتأخرهم، فكم من السنين والعقود التي استعمرهم فيها، ونهب خيراتهم خلالها، وما فعل بهم من حيث التقسيم وبث الفرقة والخصام والفتنة؟ ومن هو الذي يستغل خيراتهم إلى الآن وبأثمانٍ بخِسات؟ 45 دولارا لبرميل كاملٍ من النفط، في مقابل تغافل الغرب عن خفض أسعار سلاحه.
وما تهافت البعض منهم نحو الحياة الغربية وهروباً من أوطانهم، إلاّ بسبب أنه صناعة غربية، وسياسة محكمة، وهي المسلّطة على عقول زعمائهم وقياداتهم، كي لا يهتموا بالكفاءات لديهم، ويتركونها تغادر زيادة في البلاء والداء معاً.
ويرجع استنجاد العرب -الشامتين والشاتمين- بالغرب لتخليصه من داعش، ذلك لعلمهم وعلم الكل أيضاً، بأن الغرب وبخاصة الولايات المتحدة، هو الذي أوجده، وبحسب القاعدة الدارجة- وتبعاً لاعتقادهم- بأن من قام بالصنع، قدِر على المنع، وقبل الختم، فإن من المهم قوله والقطع به، بأن هذا الغرب، كما استطاع نشل أموال العرب والمسلمين ومقدّراتهم، فإنه تمكّن أيضاً من سرقة عقول بعضهم.