احتل
المغرب المرتبة الأولى في "مقياس
الديمقراطية العربي الرابع"، وهو التقرير الأول لمركز "
مبادرة الإصلاح العربي" منذ اندلاع ثورات الربيع الديمقراطي العربي، متقدما في ذلك على كل من تونس ومصر، وتسع دول عربية بما فيها تلك التي عرفت ثورات أدت لتغيير أنظمة الحكم.
وكشفت دراسة جديدة لـ"مبادرة الإصلاح العربية" بشراكة مع "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية"، صدرت اليوم الخميس 4 كانون الثاني/ ديسمبر احتلال المغرب الصف الأول عربيا في مؤشرات الإصلاحات المفضية إلى إقرار تحول حقيقي نحو الديمقراطية.
وسجل الملخص التنفيذي للدراسة أن المغرب "على المرتبة الأولى بالرغم من تخلفها عما كانت عليه سابقا في بعض المجالات؛ بسبب تقدم دول أخرى، كتلك التي قامت فيها ثورات مثل تونس ومصر"، متابعا أن "المغرب بنهجها الإصلاحي في تطور مستمر نحو الديمقراطية، وهو يحول دون ظهور انعكاسات سلبية كفقدان الأمن والموارد الاقتصادية، مسجلا تقدم المغرب على كل من الأردن التي جاءت في المرتبة الثانية، والجزائر التي حلت في المرتبة الثالثة".
وقال حسن طارق، أستاذ التعليم العالي في جامعة محمد الخامس بالرباط لمادة القانون الدستوري والعلوم السياسية، القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض، وعضو مجلس النواب، إن "تصنيف المغرب الأول على قائمة الدولة الديمقراطية العربية، ليس جديدا؛ لأن المغرب اختار لنفسه مسار الإصلاح المتدرج منذ فترة".
وتابع حسن طارق في تصريح لموقع "عربي21"، أن المغرب "خط لنفسه مسارا متميزا، مكنه خلال
الربيع العربي ومده الذي أفقد أنظمة أخرى توازنها واستقرارها، من تجاوز مده العالي، مواصلا خطه الإصلاحي مستفيدا من الربيع وغير مصادم لروحه"، مشددا على أن "المغرب دبر بذكاء استراتيجي المرحلة، وقدم دستورا ديمقراطيا، رغم أنه لا يمثل كل طموحات الديمقراطيين، ومطالب الحراك الاجتماعي"، مؤكدا على أن "هذا التقرير رسالة على الديمقراطيين التقاطها لتحصين الانتقال الديمقراطي في المغرب".
ونبه طارق إلى "ضرورة الثقة بالنفس والإيمان بالتجربة المغربية، وعدم الاهتمام كثيراً بالتقارير الأجنبية"، مسجلا "وجود بعض المعيقات والاحتلالات التي تهدد بالردة عن هذا الخيار الإصلاحي"، ليشدد على "أنه رغم وجود تقدم نحو الديمقراطية، إلا أن هناك تراجعات لا يمكن إغفالها، خاصة على المستوى الحقوقي".
حديث حسن طارق يشير إلى ما رصده التقرير في نتائج استطلاع للرأي حول تقييم الوضع الديمقراطي في البلاد، حيث أظهرت النتائج أن الناس يقيمون الوضع الديمقراطي في البلاد كما يلي: منح 5.4 بالمائة علامة جيد جدا، و29 في المائة علامة جيد، وقيم 56.2 بالمائة بأنها ليست جيدة وليست سييئة، في حين أعطى 52.4 في المائة علامة سيئ، و 6 بالمائة علامة سيئ جدا، و 9.9 في المائة لا أعرف.
من جهته، قال الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين محمد مصباح، إنه "رغم أن التقرير يضع المغرب في الرتبة الأولى، إلا أنه يصنفها ضمن الدول التي سلكت النهج الإصلاحي البطيء بدرجات متفاوتة في السنوات الأخيرة، على عكس تونس التي أحرزت تقدما كبيرا في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان، ولكنها سجلت تراجعا نسبيا في مجال العدالة الإجتماعية".
وتابع مصباح في تصريح لموقع "عربي21" أن هذا "يرجع إلى عملية الإصلاح التدريجية التي نهجها المغرب خلال العقد ونصف الأخيرة، بدرجات مختلفة السرعة والعمق، والتي أدت إلى استقرار الوضع إلى حدود الساعة".
وأضاف مصباح أنها الطريقة التي تعاملت بها الدولة "لتدبير الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت المغرب سنة 2011، عبر استعمال محدود للقمع لمواجهة الاحتجاجات، وفي الوقت ذاته العمل على امتصاص الغضب الشعبي من خلال الاستجابة لمطالب الشارع، لا سيما التعديلات الدستورية التي وسعت من الحريات العامة والممارسة السياسية - رغم أنها لم تمس بشكل جوهري صلاحيات المؤسسة الملكية - وتنظيم انتخابات تنافسية سمحت للإسلاميين المعتدلين من المشاركة الحكومية بعد نجاحهم الإنتخابي، ثم بعض الإجراءات الجزئية التي تحققت على مستوى تيسير مناخ الأعمال وتحسين الظروف الإجتماعية".
وشدد مصباح على أن "التقرير يقدم توصيات دالة ينبغي أن تؤخذ بعين الإعتبار، خصوصا لما يتعلق بتعميق وتجذير الديمقراطية وتحصينها من الارتدادات المحتملة".
وفيما يخص التقرير، قال مصباح إنه "في عمومه يعكس رغبة في تطوير أداوت قراءتنا للواقع السياسي العربي من خلال مناهج التحليل الكمي، فالعنصر الجديد الذي ضمنه التقرير هو أنه ربط بين الوسائل (التشريعات، المبادئ الدستورية...) والممارسات العملية"، موضحا أنه "اعتمد على مؤشرات مركبة ومتعددة مختلفة عن تلك التي تستعملها عادة مؤسسات دولية أخرى"، معتبرا أنه "عمل يجب أن يثمن، وأن يطور في المستقبل من خلال دراسات ميكروية معمقة، تقف عند كل بلد بشكل تفصيلي أكثر، بدلا من الاكتفاء بالتحليل الماكروي".
إلى ذلك سجلت المديرة التنفيذية لمبادرة الإصلاح العربي بسمة قضماني، أنه "على الرغم من الاضطراب وانعدام الأمن، غير أن الخبر السار أن براعم الديمقراطية تنمو في المنطقة العربية، هناك مؤشرات مبنية على أسس موضوعية تكشف أن بذور التغيير قد انتشرت، والأكثر إثارة للانتباه هو أن السلطات الحاكمة في بعض البلدان بدأت تستجيب لبعض مطالب الشعوب كي تحافظ على كراسيها".
وذكر الملخص التنفيذي لـ"مقياس الديمقراطية العربي الرابع"، أنه أول دراسة ينجزها مركز "مبادرة الإصلاح العربي، منذ قيام ثورات الربيع العربي 2011، ليعطي دلالات واضحة على وجود تقدم نحو الديمقراطية في هذه الدول والتي تم قياس وتيرة التقدم الديمقراطي فيها، إذ يقوم المقياس برصد وقياس تسع دول عربية في المنطقة وهي: تونس، مصر، البحرين، الجزائر، المغرب، الأردن، الكويت، لبنان، فلسطين".
ويعطي "المقياس" نتائج واضحة عن وجود تقدم في مجال الممارسات الديمقراطية، والحريات وحرية التعبير واحترام حرية المواطن، وأيضا في مجال تطبيق القانون، وشفافية عمل المؤسسات الحكومية، كما يضع المقياس الدول في ثلاثة محاور وهي: البلدان التي عاشت ثورة أو انتفاضة شعبية، والبلدان التي تأثرت بالانتفاضات في الدول المجاورة، والبلدان التي اتخذت نهج الإصلاح التدريجي.
وكانت النتيجة المفاجئة في الدراسة هي أن تونس ومصر (الدولة الرابعة والسادسة حسب الترتيب)، واللتين عاشتا ثورة شعبية، لم تسجلا تقدماً يذكر، إلا أن التقدم في حال تونس يظهر من خلال المؤشرات التفصيلية، التي تدل على تحسن كبير في احترام الحقوق والحريات الأساسية، خاصة في الكف عن إعاقة أنشطة الأحزاب السياسية، وانخفاض الاعتقال الأمني من قبل قطاع الأمن، كما أن حقبة ما بعد الثورة عرضت تحسنا في التشريعات حول حرية الأحزاب السياسية وحرية الصحافة، إضافة لدور أكثر وضوحا وحضورا للمرأة.