"لا عتاب ولا حساب إلا بعد القضاء على
الإرهاب".. بهذه الكلمات قدم
الإعلامي المصري عمرو أديب في برنامجه على قناة "الأوربت" الخاصة، يوم السبت الماضي، أول ترجمة عملية للتحركات التي بذلت من جانب وسائل إعلام مصرية بشقيها المقروء والمرئي، لتنسيق الجهود فيما بينهم بشأن الوقوف خلف الدولة في مكافحة الإرهاب، على خلفية الحادث الذي شهدته سيناء، شمال شرقي مصر، يوم الجمعة الماضي.
أديب، الذي كان يطالب الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي من حين لآخر في حلقات سابقة بترك المنصب إن لم ينجح في حل المشكلات، أعلن في حلقة السبت الماضي، عشية الاجتماع المشترك بين غرفة صناعة الإعلام التي تضم أصحاب القنوات الخاصة واتحاد الإذاعة والتلفزيون المملوك للدولة، غلق الحديث عن أي موضوع، حتى يتم القضاء على الإرهاب، موجها حديثه للرئيس المصري قائلا: "كلنا معاك، سمي باسم الله وحارب الإرهاب ونحن في ظهرك".
وخرج هذا الاجتماع بأولى المبادرات الإعلامية التي تبلورت بعد الحادث الإرهابي، وجاء في بيانه الختامي: "إن إعلامينا سيؤدون واجبهم بشرف في مجابهة الإرهاب الأسود، وكشف أهدافه وممارساته التى أصبحت آثارها التخريبية واضحة فى المنطقة التى تحيط بنا، وأنهم سيقفون صفا واحدا وراء الدولة وقواتنا المسلحة ورجال الشرطة فى كل الإجراءات الحاسمة لحفظ أمن مصر وشعبها فى الحرب ضد الإرهاب التي يسقط فيها كل يوم شهداء أبطال فداء للوطن والشعب".
وانتقل البيان من التأكيد على اصطفاف الإعلاميين صفا واحدا خلف الدولة في حربها على الإرهاب، إلى وضع ضوابط لعمل الإعلاميين وظهور الضيوف بالقنوات، وجاء فيه: "إن هذا الإعلام، سيعلى ضميره المهنى والوطنى، فمن حق ملايين المصريين أن يجدوا في وسائل إعلامهم الحقائق الموثقة والأخبار المدققة والآراء والمناقشات التى تفتح أمامهم آفاقا جديدة فى الفكر والعلم والاقتصاد والدين والفن والحياة، التي يجب أن يشارك فيها كل صوت مصرى وطنى، بعيدا عن إدعاء البطولة الزائفة أو النفاق الرخيص، والترخص فى القول والفعل، فمصر لأبنائها جميعا".
ومنعت قناة "النهار" الخاصة، ظهور الإعلامي محمود سعد، يوم السبت الماضي، عشية إصدار البيان؛ ما جعل البعض في الوسط الإعلامي يربط بين هذه الخطوة والتوصيات التي جاءت بالبيان، لاسيما أن الإعلامي محمود سعد يوجه من حين لآخر انتقادات حادة لأداء الحكومة.
كما خرجت القناة ذاتها ببيان أعلنت فيه عن إجراءات أكثر تفصيلا التزاما بما جاء في البيان المشترك بين اتحاد الإذاعة والتلفزيون وغرفة صناعة الإعلام.
وجاء في البيان أن القناة "ستجري تعديلات جوهرية علي خرائطها البرامجية، وكذلك ستتخذ إجراءات فيما يخص إعداد وتقديم برامج الهواء، ومنع ظهور عدد من الضيوف الذين يروجون لشائعات ضد مصر ومستقبلها، وتسويق الاتهامات الأجنبية ضد البلاد أو الجيش".
كما شدد البيان على أن القناة "لن تسمح بترويج المفاهيم السفيهة عبر ضيوفها، لإضعاف معنويات الجيش المصري، أو هؤلاء الذين عمت ضمائرهم عن الإحساس بمشهد الحزن المصري علي دماء شهدائنا في شمال سيناء".
ولم يكن الإعلام المكتوب، بمنأى عن هذه المبادرات، حيث خرج رؤساء تحرير الصحف الحزبية والخاصة والحكومية في اليوم التالي بمبادرة خاصة به، صيغت خلال اجتماع دعت له صحيفة "الوفد" الحزبية.
وجاء في المبادرة التي شارك فيها 20 رئيس تحرير، أنهم "يدعمون جميع الإجراءات التي ستتخذها الدولة لمواجهة الإرهاب"، وأعربوا عن ثقتهم في قدرة مؤسسات الدولة على تلك المواجهة، رافضين التطاول أو محاولات التشكيك فى مؤسسات الدولة، مثل القوات المسلحة والداخلية ودورها في محاربة الإرهاب.
وأعلن رؤساء التحرير، التزامهم بالتوقف عن نشر البيانات التى تدعو إلى التحريض ضد مؤسسات الدولة، متمسكين بضرورة منع تسلل العناصر الداعمة للإرهاب للصحافة والإعلام، مشيرين إلى أنهم سيبحثون وجود آلية للتنسيق بين كافة الصحف، وتحديد الإجراءات الكفيلة لمواجهة تلك المخططات الإرهابية.
ولم ير إبراهيم منصور، رئيس تحرير صحيفة التحرير، وأحد المشاركين في اجتماع رؤساء التحرير، أي تعارض بين ما خرج به اجتماعهم وحرية التعبير في مصر.
وقال منصور: "اجتماعنا فقط كان بهدف التنسيق.. والتنسيق لا يعني تكميم الأفواه؛ لأن الزمن تجاوز إمكانية تكميم الأفواه بوجود بدائل للتعبير عن الآراء المختلفة مثل السوشيال ميديا".
وحول اتفاقهم خلال الاجتماع على الامتناع عن نشر ما يصدر عن بعض الجماعات والتنظيمات الإرهابية من بيانات، قال منصور: "لا أعتبر أن ذلك يتعارض مع وظيفة الصحافة في التحذير والتنبيه"، مشيرا إلى أن كل المواثيق الدولية تؤكد على ضرورة عدم نشر أي بيانات تحرض على العنف.
وفي المقابل، سخر الصحفي خالد داود، المتحدث الإعلامي باسم حزب الدستور، من هذه المبادرات، وقال: "فلنغلق كل المحطات التلفزيونية وكل الصحف، ونكتفي بمحطة واحدة وجريدة واحدة، لضمان أن يقوم الإعلام بدوره في توحيد الشعب ومكافحة الإرهاب والالتزام بما يريده الرئيس".
وانتقدت 19 منظمة حقوقية مصرية، الإجراءات التي تتخذها السلطات المصرية بحق الإعلام بدعوى محاربة الإرهاب.
واعتبرت في تقرير صادر يوم الأربعاء، أن "التغييرات الإيجابية المحدودة التي أقرها دستور 2014 في هذا الصدد، بقيت نصوص وضمانات دستورية لم تترجم بعد إلى تشريعات".
وما بين الرفض والتأييد، قال محمد عبد الودود، أستاذ الإعلام بجامعة الزقازيق، بالشرقية "دلتا نيل، شمالا" إن ما آثار الجدل في المبادرات السابقة، أنها "لم تخرج بضوابط واضحة لمحاربة الإرهاب".
وأضاف: "لا يختلف اثنان على نبل هدف محاربة الإرهاب، لكن الضوابط التي سيتم بها ذلك كانت تحتاج إلى توضيح يزيل اللبس، ويطمئن الوسط الإعلامي بأن ذلك لن يأت على حساب حرية الرأي والتعبير".
واعتبر أن "حرية التعبير لا تعني نشر شائعات وأخبار من مصادر غير موثوق في مصداقيتها، ومن ثم فإن الاعلاميين عندما يتفقون على قاعدة عدم نشر أخبار من مصادر غير موثوق في مصداقيتها، فإن ذلك لا يضير أحدا، ولا يمكن اعتباره عدوانا على حرية التعبير".