وجدت حركة حماس بعد حرب الـ51 يوماً الإسرائيلية، نفسها أمام واقع إقليمي يفرض عليها بلورة مواقف سياسية جديدة تحافظ من خلالها على مصالحها في المنطقة من جهة، وتكييف نفسها مع مخرجاتها من جهة ثانية، ومحاولة منها للانسلاخ من حالة العزلة الدولية من جهة أخرى.
فالحركة وعلى لسان أكثر من قيادي فيها، وخاصة بعد أن وضعت الحرب الأخيرة أوزارها، ألمحت أنها بصدد إجراء مشاورات داخلية، ومراجعات شاملة، تسعى من خلالها إلى تقييم مواقفها السياسية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي للحركة، قال في تصريحات صحفية، إن "تبدل الأحداث وتغيرها على المستوى الإقليمي والعالمي، يدفع حماس إلى إعادة قراءة وتقييم النظر في كل خطوة من الخطوات".
وسائل إعلام محلية نقلت في الآونة الأخيرة، عن مصادر قيادية في حماس لم تحدد هويتها، قولها إن "الحركة تجري مراجعات شاملة لسياساتها السابقة"، وهو ما أكدته مصادر فلسطينية مقرّبة من حماس فضلت عدم الكشف عن هويتها قائلة، إنّ "الحركة بدأت مؤخراً في إعادة قراءة المشهد السياسي، وتقييم المواقف على ضوء المستجدات العربية والإقليمية".
ووفقاً لهذه المصادر، فإن "حماس تعيش حالة من الحراك الداخلي غير المسبوق، تسعى من ورائها إلى رسم خارطة، تُحدد مسار اتجاهاتها القادمة، وإلى إعادة تموضع سياسي، ومراجعة سياستها تجاه العديد من القضايا من الناحية الشرعية والفكرية".
ويقول عدنان أبو عامر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة (خاصة) بغزة، إنّ "تنفيذ حماس لهذه المراجعات، أمر طبيعي، خاصة بعد الحرب الإسرائيلية، التي كشفت عن الكثير من التفاصيل والخفايا".
ويُضيف أبو عامر أن "تصريحات قادة حماس مؤخراً، تكاد تُجمع على أن أحاديث ونقاشات ساخنة، تدور داخل أروقة الحركة، من أجل تقييم المواقف الداخلية والخارجية".
ويرى أبو عامر، أن الحركة "قد تسعى في الأيام القادمة، إلى إزالة ما وصفه بـالفيتو على علاقاتها مع مصر، واستثمار رعاية مصر للعديد من الملفات الفلسطينية، وفي مقدمتها الهدنة مع إسرائيل (التي تستأنف مباحثاتها بعد عطلة عيد الأضحى)، والمصالحة (التي جرى الاتفاق مع حركة فتح على تنفيذ بنودها يوم الجمعة الماضي)، بهدف تحسين العلاقات معها".
وتوترت العلاقة بين مصر وحركة حماس منذ الانقلاب على الرئيس الأسبق، محمد مرسي، في يوليو/ تموز 2013، أعقبها في مارس/ آذار العام الجاري، حكم قضائي بوقف نشاط الحركة داخل مصر، وحظر أنشطتها بالكامل، والتحفظ علي مقراتها داخل البلاد، وذلك قبل أن أن تلتقي قيادات بالحركة (ضمن وفد من منظمة التحرير الفلسطينية على رأسها فتح) مع أجهزة السلطات المصرية الحالية على طاولة واحدة، من أجل التهدئة في غزة.
وكان إسماعيل هنية، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ورئيس حكومة حماس السابقة، قد أعرب في تصريح صحفي، نشر مؤخراً، عن تطلع حركته لبناء "علاقات استراتيجية مع الدول العربية وغير العربية، وتحسين العلاقات معها وخاصة مصر".
وفي هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية، عدنان أبو عامر، أن حماس "تريد أن تُرمم علاقاتها مع مصر، كما أنها مستعجلة أكثر، للانضمام إلى الإقليم العربي، للانسلاخ من حالة العزلة الدولية".
كما أنه يرى أن "الحركة تُدرك جيداً، أنّه دون مراجعة حقيقية للمواقف، وترتيب للأوراق السياسية، فلن يتم رفع الحصار عن قطاع غزة، وإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية الأخيرة".
من جهته، يرى أحمد يوسف، الخبير في الشؤون الفلسطينية، ورئيس مركز بيت الحكمة للاستشارات وحل النزاعات بغزة (غير حكومي)، أن أنظار حركة حماس ستتجه "صوب
إيران، ضمن ترتيب هذه الأوراق، لاستعادة ما فقدته من دعم سياسي ومالي".
وفي هذا السياق، يقول يوسف (الذي شغل في السابق، منصب المستشار السياسي لهنية) إن "حركة حماس وفي أكثر من أي وقت مضى، باتت بحاجة إلى إعادة ترتيب أوراقها، فهي تدرك جيداً، وخاصة بعد الحرب الإسرائيلية، وتماوج الأوضاع السياسية في المنطقة، أهمية الوقوف على مسافة واحدة، من كافة الأطراف، والدول، وأنّها تحتاج إلى الجميع سياسياً حتى إيران ".
وعلى مدار سنوات عديدة، أقامت حماس، علاقات قوية ومتينة مع النظام الإيراني، ضمن ما كان يعرف قبيل اندلاع ثورات الربيع العربي، بـ"محور الممانعة" الذي كان يضم إيران، وسوريا، وحزب الله اللبناني، وحركة حماس، في مقابل "محور الاعتدال"، الذي كان يضم مصر والسعودية والإمارات، والأردن.
لكن اندلاع الثورة السورية، عام 2011، ورفض حماس تأييد نظام بشار الأسد، وتّر العلاقات بينهم، إلى أن وصلت لقطيعة تامة بين الحركة ودمشق، وشبه قطيعة بينها وبين إيران، وحليفها "حزب الله" اللبناني.
وما حققته حركة حماس من ارتفاع في رصيدها الشعبي، يدفعها كما يرى يوسف، إلى "إجراء تقييم تحافظ من خلاله، على هذا الإنجاز، والتحلي بالمرونة السياسية في الملفات الداخلية وفي مقدمتها العلاقة مع خصمها السياسي حركة فتح".
والمراجعة التي تجريها حركة حماس في الوقت الحالي تشمل كافة الملفات، ومن بينها التفاوض مع إسرائيل، وفق حديث يوسف الذي أشار إلى أن "الحركة ليست مضطرة لأن تفاوض إسرائيل في الوقت الحالي، ومن مصلحة الكل الفلسطيني، أن تبقى المفاوضات بين الحركة وإسرائيل عن طريق الوسطاء، وطرف ثالث، لكن من الطبيعي أن تدرس حماس هذا الخيار ضمن تقديرات مرحلية، ومتى يجب اتخاذ هذا القرار".
وكان أبو مرزوق، القيادي في حماس ، قد صرح مؤخراً أنّ حركته "قد تضطر إلى خوض مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، بضغط شعبي في حال استمر الوضع في قطاع غزة على ما هو عليه من حصار خانق، وهو الأمر الذي أثار الكثير من التفسيرات والتأويلات، وأن حماس لا تضع فيتو على المفاوضات السياسية مع إسرائيل، طالما اضطرت لذلك"، وذلك قبل أن يسارع المكتب السياسي للحركة إلى نفي وجود أي قرار بالتفاوض المباشر مع إسرائيل.
ولا تعترف حركة حماس التي تدير الحكم في غزة منذ عام 2007، بوجود إسرائيل، وتطالب بإزالتها وإقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية.
ولا تقبل الحركة بشروط اللجنة الرباعية الدولية للسلام (الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوربي، والأمم المتحدة)، والتي تطالبها بالاعتراف بإسرائيل.
والواقع الذي خلّفته الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة التي انتهت في 26 أغسطس/ آب الماضي، يدفع حماس إلى سلسلة من المراجعات الداخلية والخارجية كما يرى هاني المصري، المحلل السياسي ومدير مركز مسارات لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية في رام الله (غير حكومي).
ويقول المصري إن "حركة حماس ستسعى خارجياً إلى عدم التدخل، بأي دولة، أو بما يجري من أحداث في المنطقة، وأن تكون مرنة في التعامل مع كافات التجاذبات السياسية".
ويضيف أن "حماس باتت تعي جيداً، بعد الحرب، أن نجاح القضيّة الفلسطينيّة، مرهون بالبعد عن المصالح الخاصة، والحزبية، أو الارتماء في لعبة المحاور".
ووفق المصري، "ستبذل الحركة جهدها داخلياً في التخفيف عن الفلسطينيين في قطاع غزة، وتقديم يد العون، للمتضررين جراء الحرب".
غير أنه استدرك قائلاً: "حماس تريد ارتداء ثوب الكل الفلسطيني، وليس الرداء الحزبي الضيق، فهي كي تنجح تُدرك أن عليها مراجعة الكثير من الأخطاء، التي ارتكبتها في فترة حكمها، وأن تغير من سياستها وفق ما تتطلبه المرحلة".