كتاب عربي 21

الانقلاب في مرحلة: أنا طويل وأهبل!

1300x600
عندما يقول الانقلابيون في مصر إنهم يتابعون أحداث "ميزوري" عن كثب، فاعلم أنهم يلعبون "العُقلة". وهي اللعبة المفضلة لقصار القامة، الذين يريدون التخلص من أزمتهم!.

في الفيلم القديم " مطاردة غرامية"، قام الفنان عبد المنعم مدبولي بدور الطبيب النفسي، وقد تمدد أمامه علي السرير أحد المرضى، ليسأله مدبولي عن عقدته؟، فأخبره أن عقدته تتلخص في أنه كلما مر علي قوم هتفوا ضده بأنه " قصير قزعة". وكانت "وصفة" الطبيب المعالج له، بأن لا يتوقف عن الهتاف بأنه ليس "قصير قزعة"، ولكنه "طويل وأهبل".. وبالفعل خرج المريض من عنده وهو يهتف: " أنا مش قصير قزعة.. أنا طويل وأهبل".. ظناً منه أنه بذلك سيتغلب على عقدته!.

الانقلاب بدا في قزميته أنه لا يُري بالعين المجردة، وقد سقطت كل الأساطير التي سعت لرسم صورة لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بأنه "القوي الأمين"، على النحو الذي روج له بعض الشيوخ الملتحقين بانقلابه، في حين أنه كان في نظر العوام المؤيدين له أنه "دكر"، وجري تصويره من قبل السياسيين، ممن كانوا يقومون بدور المعارض لحسني مبارك، بأنه عبد الناصر وقد عاد من جديد ليجابه الهيمنة الأمريكية.

وتكلم السيسي فنسف هذا كله، فالرجل لا يوجد لديه ما يعلنه إلا أنه "مؤيد من قبل النساء"، وأن القيمة الدفترية للمتحدث الإعلامي "المختار" بأنه "جاذب للنساء"، ولم يعد في نظر القساوسة بأنه مؤيد بـ "روح القدس" فهو وكما قال أحدهم "معشوق النساء". ولم تعجب هذه الدعاية زعماء القبائل، ووجهاء الريف، الذين ظنوا أن أيامهم قد عادت، فبمجرد أن تكلم علموا أنه ليس هو الزعيم المنتظر. وقد رصدت كيف أن المنتمين للحزب الوطني في الصعيد لم يكترثوا بالانتخابات الرئاسية، لأن السيسي لا يملأ أعينهم، وبدوا كمن صام وأفطر علي "بصلة".

لقد كان لابد من إعادة تقديم السيسي على أنه "الزعيم"، فكانت زيارة موسكو، والتي وصفها البعض بأنها تأتي علي قاعدة التحدي للبيت الأبيض، لكنها جاءت في المرة الأخيرة باهتة، علي العكس من المرة الأولى لأنها كانت بعد أن تكلم وقرر، فعلم الناس حجم الكارثة.

لقد أضحكت خارجية الانقلاب الثكالى عندما أصدرته بيانها "المبهج" عن أحداث ميزوري"، عندما شهدت ضاحية "فيرجسون" بالولاية المذكورة احتجاجات وأعمال شغب، على خلفية مقتل شاب أمريكي أسود على يد شرطي أبيض. وقد واجهت الشرطة ذلك بعنف، حيث أطلقت القنابل المسيلة للدموع، وقنابل صوت علي المحتجين.

ولأن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية اسمه "عبد العاطي"، ولأن "عبد العاطي" هو اسم مخترع علاج الالتهاب الكبدي بالكفتة..(تشابه عبقريات)، فقد طالب "عبد العاطي" الأول، الولايات المتحدة الأمريكية بضبط النفس واحترام حق التجمع والتعبير السلمي. وهو يعني أن الانقلاب العسكري في مصر انتقل من مرحلة "القصير القزعة"، إلى مرحلة "الطويل الأهبل".. لمجرد أن هتف قادة الانقلاب كل علي حدة: "أنا مش قصير قزعة.. أنا طويل وأهبل".

الانقلابيون في مصر متخصصون في إنتاج هذه الأفلام الهابطة، وقد قاموا بإدارة شؤون البلاد بالحديث العاطفي، " وتسبيل العيون"، وبالكلام من بين الضلوع، عندها كتبت أن هذا الانقلاب هو "فضيحة الانقلابات"، ولو كانت الانقلابات في العالم شكلت اتحاداً رسميا، لأمكنها أن تقيم علي "جماعة مصر" دعوى إهانة، لأن هذا الانقلاب أهان الانقلابات، وقدمها للرأي العام في صورة "طالبات الوصل"، أو اللاتي يتمنعن وهن الراغبات!.

ولتدارك هذه الوضعية، ظهر واضحاً أن الطبيب النفسي المعالج نصحهم بتجاوز عقدتهم بالهتاف الشهير، فكان بيان أن مصر تتابع الأحداث عن كثب وتطالب واشنطن بضبط النفس.

البعض رأي في هذا البيان أنه يأتي من باب المعاملة بالمثل، وبمنطق "التعليم" علي واشنطن، أي بوضع علامة علي وجوه جماعة البيت الأبيض، فسلطة الانقلاب ليست وحدها التي تواجه المظاهرات بالعنف، ففي أمريكا يحدث هذا أيضاً. "فلا تعايرني ولا أعايرك"، كما يقول المثل المصري.

اختلف مع هذه الرؤية، وأرى أن الانقلابيين ينتجون موقفاً للاستهلاك المحلي، فقد نجحوا في أن ينتقلوا بمصر من مجرد دولة من دول العالم الثالث لتكون قوى عظمي تطالب واشنطن بضبط النفس، وتتدخل في الشؤون الأمريكية الداخلية.

بيان خارجية الانقلاب، وتصريحات "عبد العاطي" شخصياً، يأتي في محيط هابط، عندما يقول بيان للخارجية الأمريكية أن عبد الفتاح السيسي يقود التحول الديمقراطي في مصر. وعندما يقدم مبرراً لحالة الفشل في المحروسة، بأن المرحلة الانتقالية قد تستمر أجيالاً.

وكان وزير الخارجية الأمريكي قد وصف الانتخابات الرئاسية "المهزلة"، التي أنتجت عبد الفتاح السيسي رئيساً بـ "التاريخية".

فمن الواضح، والحال كذلك، أن واشنطن تدعم فكرة تدشين "الزعيم السيسي"، ولنا أن نتذكر أنها كانت قد دفعت بوزير الخارجية "كيري" للمشاركة في المبادرة المصرية الخاصة بالتهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن السيسي رأي لنجاحه بالقيام بدور "الزعيم" أو "الكبير" ينبغي أن يكون وحده "في الصورة"، فكان له ما أراد، وفشلت المبادرة، وتجاوزتها المفاوضات!.

واشنطن تقوم مع السيسي بدور "البقال القديم" مع ابنه العاطل الذي كان يساعده صبياً في "بقالته"، لكنه تجاوز سناً مرحلة "المساعد"، أو "صبي البقال"، ومن مصلحة الوالد، أن يتجاوز ابنه هذه المرحلة ليدشن له مكانة اجتماعية تليق به، فأنشأ له محل بقالة خاصاً به، يقوم بتمويله، وبتحمل مسؤولية خسائره، ليبدو ابنه كبيراً في مجتمعه، وليعفيه من تهمة الفشل، وإن كان هذا علي حساب "جيبه الخاص".

فبرغم حجم "المسخرة" في بيان خارجية الانقلاب، إلا إن القوم في واشنطن تعاملوا مع المهزلة بجدية وردوا علي البيان، ليعطوه مصداقية، وليكشفوا بالرد مدى أهميته وتأثيره. وبلغ حد تواطئهم مع السيسي أنه سمحوا بتمثيلية تفتيش "كيري" داخل القصر الرئاسي في مصر.

وليس غريباً في أجواء كهذه كرستها بيانات الخارجية الأمريكية عن الانتخابات التاريخية، والسيسي الذي يقود التحول الديمقراطي، والرد علي بيان الانقلاب، أن نطالع خطاباً مدهشاً لأحد أنصار السيسي والذي طالب السود في الولايات المتحدة الأمريكية بطلب النجدة من عبد الفتاح السيسي، لأن أوباما - على حد قوله - يعرف معني أن يتحرك عبد الفتاح السيسي لنجدتهم!.

في فيلم "مطاردة غرامية" تم النظر لمن هتف "أنا مش قصير قزعة.. أنا طويل وأهبل" على انه مجنون، لكن قائد الانقلاب الآن عندما يهتف بنفس الهتاف يعامل بجدية. انه فرق التوقيت بين هتاف المريض القديم في سنة 1968، والفيلم الجديد وهو من إنتاج سنة 2014.

في "مطاردة غرامية" كان المجتمع "معافي" والمريض يمثل شذوذاً. الآن صار البيت الأبيض نفسه يحتوي علي مجموعة من الأقزام لا يجدون مانعاً في أن يقوموا بالتأمين وراء القزم الهاتف: " أنا طويل وأهبل" ، فكان ردهم عليه: يا الهي إنها نخلة تسير علي قدمين.

"ربنا يشفي".