كتاب عربي 21

السيسي الذي ترعرع!

1300x600
الحمد لله، فقد وقفنا على أن السيسي "ترعرع"، وكنت خائفا قلقا من ألا يكون سيادته قد "ترعرع"!.

المذكور التقى وفد من الإعلاميين ومقدمي برامج "التوك شو"، الذين قادوا الثورة المضادة، ضمن لقاءاته بوفود من هنا وهناك، في إطار حملة انتخابية غير مسبوقة، حيث يتم نقل ممثلين عن الناخبين، ليشغلوا أوقات فراغ المرشح المختار، بدلاً من أن ينتقل المرشح إلى عموم هؤلاء الناخبين على النحو الذي يحدث في أعرق الديمقراطيات وأتعسها.

في العادة، فإن لقاءات عبد الفتاح السيسي تكون أقرب إلى جلسات الدردشة، فالمنشور منها، هو كلام مفكك، عن المرشح الرئاسي الذي يتصرف على أنه الرئيس.

وبالرغم من أن هذا اللقاء التاريخي مع مقدمي برامج "التوك شو" يأتي والحديث لا يتوقف عن انتهاك الانقلاب للحريات الإعلامية، ضمن انتهاكه للحريات العامة، ومنذ اللحظة الأولى للانقلاب، فإن المقابلة لم تتطرق إلى مستقبل الحرية في عهد "المرشح الرئيس"، ولم يطلب منه "الجمع الكريم" وعدا انتخابيا بالانتصار لحرية الإعلام.

فهذا أمر لا يعنيه ولا يعنيهم، وقد تحققت نجوميتهم بفضل الاستبداد، ولولاه لما كان لكثير منهم أن يمر من على "رصيف" أي محطة تلفزيونية، مذيعا أو ضيفا أو عابر سبيل!.

عبد الفتاح السيسي نفسه لم يبدو مهتما ولو بدافع "الدعاية الانتخابية" بالحريات، وهو العدو الأول لحرية الإعلام، فيكفي أن نعلم أن انقلابه أغلق 12 محطة تلفزيونية، وبلغ ما تم حصره من معتقلين يعملون بالصحافة 33 معتقلا، كما تجاوز عدد الإعلاميين الذين تعرضوا للاحتجاز المؤقت ومداهمة بيوتهم، والذين تعرضوا للمضايقات والإصابات 134 صحفياً.

فضلاً عن أن انقلاب السيسي قتل 11 صحفيا.

السيسي، والحال كذلك، انطلق يتحدث في العموم في لقائه مع مقدمي برامج "التوك شو". وبدا لي وهو يتكلم إليهم، أنه يقرأ من مخطوط، أو من مقرر دراسي، وكتاب قديم، لم تنتبه وزارة التربية والتعليم، إلى أن الزمن تجاوزه.

فكان حديث ينتمي لزمن مبارك، ويفتقد للدقة عندما يجري تكراره الآن!.

وتبدو أزمة الانقلاب أن فيلسوفه محمد حسنين هيكل، لا يعرف من تجارب الحكم سوى تجربة عبد الناصر، والجانب السيء منها، الذي يقول بمزيد من الدماء، وبمزيد من المعتقلين، سوف يستتب الحكم للسيسي.

أما منفذ الانقلاب فحدود معرفته لم تتجاوز مرحلة حسني مبارك، الذي كان فيها هو أحد أدواته، في الهيمنة على السلطة، ودوره في بلاط مبارك هو عمل من أعمال الوظيفة، حيث لا يتمكن الموظف من الإلمام بكامل الصورة.

السيسي في لقائه مع مقدمي برامج " التوك شو" قال إن مشكلة مصر "في ظهور قيادات دينية بخلفيات متطرفة حاولت أن تحكم مصر، وأن هذه القيادات نظرت للواقع دون أن تتحمل مسؤولياته".

هو هنا يقصد الإخوان المسلمين، فاته أنهم قد حكموا مصر فعلا وبالإرادة الشعبية، ولم يكن الأمر مجرد "حاولت" .. ألم أقل لكم أنه خطاب قديم؟!

فيما يختص بأن هذه القيادات نظرت للواقع دون أن تتحمل مسؤولياته، فيبدو لي الأمر صحيحا، لأن الواقع يقول بالهيمنة الأمريكية، وهذه القيادات جاءت لتتحدث عن مهمة مصر في هذه المرحلة، وهي أن تملك غذاءها، ودواءها، وأن تصنع سلاحها، وأن يكون لدى مصر جيش محترف وقادر.

وهو خطاب يصطدم بالواقع تماما.

المدهش هو ما قاله عبد الفتاح السيسي عن هذه القيادات من أنها لا تمتلك خلفية علمية أو استراتيجية لبناء الدولة. مع أنه كان بحكم منصبه وزيراً للدفاع مختارا من قبل هذه "القيادات" ومنوطا به المساهمة في بناء الدولة، فإذا به يأخذ بالسهل المتاح ويهدم الدولة ومؤسساتها، باعتباره "مقاول هدد" لا " مقاول بناء"، ثم يكشف لنا عن عدم امتلاك الرئيس للخلفية العلمية والاستراتيجية بدليل اختياره هو وعددا من الوزراء الذين بقوا في مرحلة الانقلاب ومن وزير الداخلية إلى وزير السياحة، وكان في اختيار مرسي لهم ولعدم امتلاكه الخلفية العلمية والاستراتيجية يظن أنهم أداة بناء للدولة، مع أنهم معاول هدم.

ويبدو أن صاحبنا وهو يتحدث سابقا عن العلم، وليس الفكاكة، والآن عن الخلفية العلمية يعبر عن عقدة نفسية تجتاح وجدانه، ويتحسس بهذا الحديث "بطحته" وهو الذي احتفي بالإنجاز العلمي المذهل وتبناه، أقصد به علاج الإيدز والتهاب الكبد الوبائي، ومقاومة الفيروسات ما ظهر منها وما بطن "بصباع الكفتة" الشهير.

السيسي ولأنه يقرأ من مقرر دراسي قديم، تحدث عن الخطاب الديني المنعزل عن الواقع الذي خلق مشكلة "في نسيج المجتمع المصري".

اللافت أن الإخوان هم من كانوا يحكمون، وأنهم لم يقدموا خطابا دينيا لا منغلقا ولا منفتحا وهم يحكمون، وكان مما أخذه عليهم خصومهم من الإسلاميين، أن خطابهم لم يكن دينيا واضحا.

 أصحاب الخطاب الديني المنعزل هم حلفاء الانقلاب، وأعني بهم من يمثلون "حزب النور"، وهم الذين تم استخدامهم فزاعة عندما ظهروا بعد ثورة يناير في ميدان التحرير في الجمعة التي أطلق عليها "جمعة قندهار".

ونذكر عندما كانت الإعادة في إحدى دوائر محافظة الإسكندرية بين سلفي وإخواني، هرول المسيحيون إلى اللجان الانتخابية ليعطوا أصواتهم للمرشح الإخواني، وحتى لا يفوز صاحب "الخطاب المنعزل".

بيد أن السيسي وحد بينهم في انقلابه، فظهر في مشهده بابا الكنيسة، والشيخ ياسر برهامي على قاعدة "الحب وحدنا"، كما يقول المتصوفة!.

السيسي الذي يتحدث عن انعدام "الخلفية العلمية" لدى القيادات الدينية التي هي بخلفيات متطرفة و"حاولت" أن تحكم مصر، لم يؤكد لنا ما يثبت أن لديه خلفية علمية. 

 ما علينا، فبعد "الكوبليه" السابق، دخل السيسي في موضوع "الترعرع"، حيث أثبت أنه "ترعرع". فقال: "لقد عشت وترعرعت في حي لا يعرف التفرقة بين مسلم ومسيحي".

لا أعرف محل موضوع التفرقة بين المسلم والمسيحي من الإعراب؟.. كما لو أن المسيحي كان يصلب في جذوع النخل في مرحلة حكم الرئيس محمد مرسي. مع أن من خلق المشكلة الطائفية هو انقلاب عبد الفتاح السيسي الذي حرص على أن يتصدر البابا تواضروس المشهد السياسي، متجاوزا وضعه الطبيعي كزعيم روحي وليس ديني للمسيحيين، فأوغر صدور من رأوا الأزمة في جزء مهم منها أن محمد مرسي ينتمي إلى أكبر جماعة إسلامية في العالم، وأن موقف البابا بسبب هذا.

السيسي وهو يتحدث عن "ترعرعه" معذور لأنه ينهل من مقرر قديم، ولم يتم تغيير المنهج الدراسي المقرر عليه منذ عهد مبارك، فاستدعي موضوع الطائفية هنا بدون داع أو مبرر.

وما ضرنا إن فعل هذا، فقد أكد لنا أنه "ترعرع"، وهذا أمر مهم بالنسبة لنا، وأن "ترعرعه" كان في حي لم يسميه!.

لم يقل السيسي ما اسم الحي الذي "ترعرع" فيه، والذي شهد "ترعرعه" فحملة الدفوف له، قالوا أنه ولد في حي "الجمالية"، وعندما قيل أنه لم "يترعرع" في "الجمالية"، ولكن ما شهد "ترعرعه" هو حارة اليهود، لم نقرأ نفيا.

سواء "ترعرع" السيسي في حي "الجمالية"، أم في "حارة اليهود"، فالمهم عندي أنه "ترعرع".
 
لقد كنت أظن أن السيسي في لقائه كان هادئا من البداية للنهاية، لكن أحد الحضور ومن فرط خوفه على صحة السيسي الغالية فقد رصد انفعالاته، وقال إنه انفعل أربع مرات. ولم نعرف مناسبة الانفعالات الأربعة؟!..

فالمهم عندي أن هذا العاطفي الجميل الذي يتحدث من ضلوعه ينفعل، لنكون بهذا اللقاء أمام اكتشافين: الأول أن رئيس مصر القادم " ترعرع"، والثاني أنه "ينفعل".

ولا أعتقد أن ما ورد على لسان الراوي من الحديث الدبلوماسي للسيسي جديد علينا.

فقد قال أحد الإعلاميين الذين شهدوا هذه "الطلعة الانتخابية" للمرشح الرئيس: "إن السيسي فتح لنا قلبه". ومعلوماتي أن المسؤول عندما يفتح للصحفي قلبه، فإن هذا لا يكون بدافع أن يجري له عملية "القلب المفتوح"، أو أن يطلعه على موقع الشريان التاجي من البلعوم، لكنه يكون بأن يجيب على كل أسئلته، أو يطلعه على "خبايا" الأمور.

وإذا كنا نعلم أن القوم لم يسألوا سؤالا له قيمة، فالشاهد أنه لم يطلعهم على شيء يهم المواطن الذي يشاهد برامجهم.

ومن هنا فالقلوب المفتوحة هنا مكانها الطبيعي مادة التشريح المقررة لدى طلاب كليات الطب.

السبق الإعلامي هنا ليس في قلب السيسي المفتوح، أو حديثه الدبلوماسي، أو في كلامه عن مشكلة مصر المتمثلة في "ظهور قيادات دينية بخلفيات متطرفة". فالسبق هو أن السيسي "ترعرع".

تعيش وتترعرع يا مولاي.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع