كتاب عربي 21

السيسي يؤسس دولته!

1300x600
في مثل هذه الأحوال يقولون: "أخذ الشر وراح"، لكن رئيس الحكومة المؤقتة، حازم الببلاوي، "راح ولم يأخذ الشر"، فقد قدم استقالته، وبقي الشر يترعرع في غيابه، كما ترعرع في حضوره!

الببلاوي قدم استقالته، والبعض أرجعها إلى فشله في حل المشكلات التي تعاني منها البلاد والتي نتج عنها أن مصر صارت مقبلة على حالة من العصيان المدني وبدون دعوة، وتقرير للمركز المصري لحقوق الإنسان رصد 54 إضراباً فئوياً في شهرين، ووصل الحال إلى حد أن العاملين في هيئة النقل العام أضربوا عن العمل، فحدث شلل في القاهرة الكبرى لو استمر فسوف يعيدنا إلى زمن "الخيل والليل والبيداء تعرفني". لكن الذي حدث أنه جاء ليوم الواحد، حتى تنتبه الحكومة إلي مطالب فئة مغلوبة علي أمرها. وبدا وزير القوي العاملة في "حيص بيص"، وهو الذي قاد جانباً من هذه الإضرابات في عهد مرسي بهدف إرباك البلاد، وهو الآن يطالب بوقف الإضرابات لأنها خطر على الاقتصاد القومي!

فشل الببلاوي ليس هو الدافع لتقديمه للاستقالة، فلم يكن مقرراً له أن ينجح، وأنه خيّب أمال جماعة الانقلاب، فالرجل جرى استدعاؤه من "مقابر العائلة" في وقت كان الحديث فيه منصباً علي أنه لا بد من تمكين الشباب من تصدر المشهد في زمن الانقلاب، ولم نكن نعلم أن المقصود بالشباب هنا هم شباب ثورة سنة 1919، فأكثر من وزير بجانب رئيس مجلس الوزراء يعلم الجميع أنهم سبق لهم الموت قبل ذلك.

الانقلاب كله، بمن فيه حكومة الببلاوي، ليس مشغولاً بحل مشكلة الشعب المصري والبحث عن أسباب هذه الإضرابات التي صارت عنوان المرحلة في الشهرين الأخيرين، فجماعة الانقلاب يشغلهم نجاح انقلابهم، والانتقام من الثوار، والعودة إلى مرحلة ما قبل 25 يناير 2011 باعتبار أن ما حدث يوم 3 تموز/ يوليو الماضي كان ثورة مضادة استهدفت القضاء المبرم علي ثورة يناير المجيدة!

الببلاوي ليس سيد قراره، فلم يُطلب منه حل مشكلات هذه الفئات وأنه تقاعس، ولم يكن رأيه بعدم قدرة خزانة الدولة علي تلبية احتياجات المضربين صحيحاً، فالأموال التي تتدفق من الخارج، يتم شراء أسلحة بها لمواجهة المتظاهرين والقوى الموالية للشرعية، وما يتبقى يتم توزيعه عليى الفئات التي تعني الانقلاب. ففي الوقت الذي يشكو فيه الأطباء من عدم إقرار بدل عدوى لهم، يتم زيادة رواتب القضاة وضباط الجيش ورجال الشرطة. وهم أدوات الانقلاب المباشرة.

استقالة السيسي كانت مقررة منذ فترة، وبعض "المعارضين السيارة" أعادونا إلى زمن المخلوع عندما كان الواحد منهم يهاجم هذا الوزير أو ذاك، أو يشتد في المعارضة بالهجوم على رئيس الحكومة، وقد يستنجد بالرجل العظيم السيد حسني مبارك، حامي حمى الشرف في المنطقة.. فالآن صار الهجوم على الببلاوي، مع أن الجنين في بطن أمه يعلم أنه "لا يهش ولا ينش"، وأن الحاكم الحقيقي للبلاد هو عبد الفتاح السيسي!

باستقالة حكومة الببلاوي لم يكن "الرجل البركة" عدلي منصور مدركاً لطبيعة المرحلة الجديدة، وبالبرنامج الجديد لحل أزمة المشكلات الفئوية، ففي ظل هذه الأزمة لم يكلف السيسي خاطره بأن يلتقي بقيادات الاضرابات، لكنه بدا حريصاً على الالتقاء بمن وصفهم المتحدث العسكري بـ"الرموز المصرية"، من عمرو موسي إلى المخرج خالد يوسف، ولعدة مرات. وحرص المتحدث إياه على التأكيد بأنه التقاهم بصفته وزيراً للدفاع. يبدو أنه كان يناقش معهم الفوارق الدقيقة بين صواريخ سام 9 وصاروخ أرض – جو اف 19. وأوجه الشبه بين المسدس 9 ملم وقاعدة الصواريخ السوفيتية!

ماذا في مهام عبد الفتاح السيسي الوظيفية يستدعي أن يناقشه مع "الرموز المصرية"؟ فإذا كان اللقاء لكونه هو "صاحب الليلة" فإنه كان من المطلوب أن يخصم مقابلة من المقابلات المتكررة مع "الرموز المصرية" ليلتقي بقيادة الفئات المضربة عن العمل!

أمر آخر دفع الببلاوي إلى الاستقالة، وهو أن منفذ الانقلاب العسكري تجاوز مرحلة "الثورة الشعبية" التي انحاز لها الجيش، الذي لم يُستدع لسلطة أو لحكم، كما قيل في بيان الانقلاب الذي ألقاه السيسي بنفسه!

المرحلة الأولى فرضت تشكيل الحكومة المستقيلة، صحيح أن العسكر لم يتحملوا الاستجابة للمطلب المعلن بأن يكون الدكتور محمد البرادعي رئيسا للوزراء، ودفعوا بحزب النور لرفضه، لكن الصحيح أيضاً أنهم اضطروا أن تكون لديهم تشكيلة وزارية من أحزاب جبهة الإنقاذ، والببلاوي نفسه من الحزب الاجتماعي الديمقراطي، وصحيح أن الجبهة ووزراءها في حالة انسحاق فطري أمام ولي الأمر عبد الفتاح السيسي، لكن الرجل كحسني مبارك يريد شخوصاً بلا خلفيات سياسية، ومن نوعية "المؤقت" عدلي منصور.

الببلاوي استدعى في "خطبة الوداع" الأغنية التي تحض على عدم السؤال عما أعطت مصر للسائل، فعلى السائل أن يسأل نفسه ماذا أعطي هو لمصر. ويبدو أن السيسي استدعى أغنية أخرى تدعو للعب علي المكشوف، "ياما اعملي معروف معدش فيها كسوف".. وصاحبنا يريد ان يتجاوز مرحلة تمرد وقوى ثورة يناير الموالية لانقلاب يوليو. وهو يريد ان يكشف عن وجهه الحقيقي بأنه الامتداد لعهد مبارك، لأن اللف والدوران سيكلفه من أمره رهقاً، وسيجعل هناك من يطالبونه بتحقيق أهداف ثورة يناير وإلا انقلبوا عليه، وهو الآن يريد أن يبدأ بالانقلاب، فمن لا تنقلب عليه ينقلب عليك.

إنه عبد الفتاح السيسي يؤسس دولته.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع