عاد التركيز على العديد من الفنانين والنجوم السوريين أصحاب الأعمال الشهيرة بعد سقوط النظام السوري، وذلك للتذكير بمواقفهم المختلفة، سواء للإشادة بها عند رفضهم دعم بشار
الأسد، أو للتذكير بأنهم رفضوا الانحياز للثورة وفضلوا دعم النظام الحاكم.
وقدمت
الدراما السورية في أوج عطائها، العديد من الأعمال الفنية التي دعمت الحريات وانتقدت القمع، ورفضت الجرائم الإسرائيلية ووقفت مع الشعب الفلسطيني، وهو الذي لم يتكرر تقريبا في أي مكان آخر بذات الشكل والتأثير.
وكان لمثل هذه الأعمال دور بارز في التعريف بالقضية الفلسطينية وضرورة التمسك بها، مع تقديم نظرة ناقدة وساخرة أحيانا لدور الدول والأنظمة العربية، وذلك قبل بدء الثورة السورية وتراجع الإنتاج الفني، وحتى قبل ظهور مفهوم "
التكويع" بعد إسقاط النظام.
و"التكويع" هو وضعية جلوس أو اضطجاع بالاستناد إلى الكوع، وهي وضعية تقليدية غير رسمية، وعلى "المُكوّع" أن يُعدّل من جلسته عند شروعه في الكلام الرسمي، أو عند دخول أحد عليه منعا للحرج، وهو مصطلح يطلق حاليا على الممثلين والفنانين الذين انحازوا لنظام الأسد، ومن ثم "عدلوا جلستهم" بعد نجاح الثورة.
الفصول الأربعة
يتناول المسلسل السوري الشهير القضية الفلسطينية وأحداث الانتفاضة الثانية التي انطلقت عام 2000، من خلال حلقة جاءت بعنوان "بنت وصبي"، وتبدأ على مشهد من نشرة أخبار تتحدث عن انتفاضة الأقصى وجرائم الاحتلال.
وما يثير انتباه شخصية "نارا" (تؤدي دورها روعة السعدي)، إلى جانب تعاطفها مع الشعب الفلسطيني، هو الحديث عن مجلس الأمن والأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية ومنظمة اليونسيف والمنازعات الدولية.
ومع أحداث الحلقة، تكثر أسئلة "نارا" لوالدها المحامي عادل (جمال سليمان)، ويزداد اهتمامها بالقضايا الحقوقية، ينعكس ذلك على شخصيتها وتعاملها مع صديقاتها في المدرسة، وقرارها التخصص في القانون الدولي؛ من أجل العمل ضمن محكمة العدل الدولية.
ومع اهتمام "نارا" بمتابعة الأخبار بشكل يومي تتحول الأسئلة إلى جوهر القضية الفلسطينية وفهم مبدأ المواجهة، لكنها تستغرب من عدم قدرة العرب على تحرير فلسطين، رغم عددهم الكبير ومواردهم النفطية الوفيرة.
وتتجه الأسئلة بعد ذلك إلى دور جامعة الدول العربية وتفاصيلها، وعن سبب عدم وجود محكمة العدل العربية ضمن الجامعة، أسوة بالأمم المتحدة، ومن ثم إلى الاستغراب من كل المواثيق الدولية، واحتكار حق النقد "الفيتو" على الدول الخمس الكبرى.
تتساءل "نارا" عن سبب تجاهل "إسرائيل" لقرارات الشرعية الدولية، وعن سبب سكوت العالم عن هذه الانتهاكات الدولية؟ ليرد عليها والدها أنها عندما تكبر سوف تجد أجوبة لكل هذه الأسئلة، لتقول مستغربة: "المشكلة في فلسطين سوف تبقى حتى أكبر؟".
ونتيجة ذلك، تصل "نارا" إلى استنتاج إلى أن كل المنظمات الدولية والإقليمية والعقائدية وغيرها، "ليس لها أي فائدة أو طعم مقابل الحجر"، وأن دراسة القانون الدولي غير مفيدة مقابل حمل الأحجار مع أطفال فلسطين، وهو ما تسبب في مشادة مع والدها.
وتتأخر "نارا" بالعودة إلى البيت بعد المدرسة؛ بهدف زيارة سفير اليونيسف الإقليمي، ليظن والدها وعائلة أمها المتوفاة بأنها ذهبت إلى فلسطين، وبالفعل تلتقي بسفير اليونسيف (دريد لحام)، وتشرح له كيف أن والدها يمنعها من الحديث بحرية عن قضية فلسطين، ثم يصطحبها إلى عائلتها القلقة على سلامتها.
وجاءت هذه الحلقة من المسلسل الذي أخرجه الراحل حاتم علي، في أيار/ مايو 2001، بعد أيام فقط من استشهاد الرضيعة إيمان حجو، في أحضان أمّها سوزان، أمام بيت عائلتها في محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة.
مرايا
جاء في جزء مسلسل مرايا السوري الشهير "مرايا 99" بعنوان "سوسو السفاح" (ياسر العظمة)، وهي أيضا من إخراج حاتم علي، وتعرض رمزيات حول القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي والدول العربية.
وشخصية سوسو هي لـ"قبضاي" جبان يخاف من أي شيء، خصوصا زوجته، لكنه بارع جدّا في التمثيل، ويستغل صوته المرتفع وعيونه المخيفة في صناعة هيبة وهمية له في نظر الآخرين.
ويمارس "سوسو" الداعية على "قباضايات القهوة"، ويستغل احترامهم المبالغ به للقوة، وينجح في إرهابهم وتخويفهم.
وخلال أحداث الحلقة، يلوم "القبضايات والأزقردية" بعضهم لعدم قدرتهم على الرد على "سوسو"، ثم يبتكرون التبريرات لخوفهم منه.
ويحاول شاهر (محمد قنوع) أو "شوشو" كما يسخر منه رواد القهوة، إثبات قوته، وأنه يستحق المكانة والاحترام، يكتشف حيلة "سوسو" وجبنه وخوفه، ذلك يلحق بـ "سوسو" ويختبر جبنه وخوفه، بل يعمل على إهانته وتهديده، لكن سوسو لديه المزيد من الألاعيب والحيل.
ويصر شاهر على مواجهة "سوسو" داخل القهوة، وبالفعل يأتي سوسو قويّا ومهابا كالعادة، ويمارس حيلته على الجميع، ويعمل على إيقاع "شوشو" في قبضة باقي "أقوياء" القهوة.
الاجتياح
مسلسل من إنتاج المركز العربي للإنتاج الإعلامي في عام 2007، وهو من إخراج شوقي الماجري، وسيناريو رياض سيف، ويصور معاناة الشعب الفلسطيني خلال اجتياح الضفة الغربية ومجزرة جنين سنة 2002.
ويتناول العمل الأحداث التي ترافقت مع إعادة احتلال الضفة الغربية عام 2002، من حصار لرئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، وحصار كنيسة المهد في بيت لحم، ومجزرة جنين.
وفي تصريح سابق له، أكد المنتج عدنان عواملة أن 80 بالمئة من مجريات المسلسل حقيقية وتمثل عملا وثائقيا، وكاتب العمل استمع إلى شهادات من أناس عايشوا الاجتياح، ومن ثم كانت الرواية واقعية بنسبة كبيرة".
وأحجمت معظم الفضائيات العربية حينها عن بث المسلسل، بحجة تضمن أحداثه قصة حب بين مصطفى الفلسطيني المطارد ويائيل الفتاة اليهودية، وهي نقطة تعرض المسلسل للانتقاد بسببها.
وعن ذلك قال عواملة؛ إنه "حال لم تكن القصة واقعية بالمطلق، فقد تترك للكاتب مساحة للتشويق، وقد تكون تلك القصة جاءت من هذا المنطلق، لتؤكد أن الفلسطيني لا يبحث عن الإرهاب والموت، بل تعني له الحياة الكثير".
وحصل المسلسل جائزة "إيمي" المعادلة لجائزة الأوسكار، إلا أنها تمنح للمسلسلات والبرامج التلفزيونية المختلفة، وهو ما أحدث مفاجأة متفوقا على أكثر من 500 عمل تلفزيوني عالمي.
وبعد هذه الجائزة، لفتت قوة العمل انتباه صناع السينما والدراما الغربيين، الذين أبدوا إعجابهم بأداء الممثلين القوي، واستغرابهم لهذا الكم الهائل من المعلومات والواقع الذي يخفى عنهم.
ويأتي هذا بعدما امتنعت قنوات عربية بارزة عن عرضه، وهي ذاتها التي ذهبت إلى عرض مسلسلات تروج التطبيع وتحسن صورة الاحتلال عالميا في السنوات الأخيرة، فضلا عن عقد شراكات مع جهات إسرائيلية.
أعمال بارزة أخرى
يعد مسلسل التغريبة الفلسطينية من أبرز وأهم الأعمال التي تناولت القضية الفلسطينية بعمق، يروي المسلسل مأساة الشعب الفلسطيني منذ النكبة عام 1948 وحتى الشتات، مع تسليط الضوء على معاناة العائلات الفلسطينية.
وجاء المسلسل بتأليف من وليد سيف، وإخراج الراحل حاتم علي، وجرى حذف حلقاته من منصة "شاهد" التابعة لشبكة "إم بي سي" السعودية في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وبعد توقيع دول خليجية لـ"إتفاقيات أبراهام" للتطبيع مع الاحتلال، إلا أن حملة كبيرة أجبرت المنصة على إعادة الحلقات.
أما فيلم رجال تحت الشمس الصادر عام 1970، فهو مقتبس عن رواية غسان كنفاني، ويروي قصة ثلاثة فلسطينيين يحاولون عبور الحدود بحثا عن حياة أفضل، لكنهم يواجهون مصيرا مأساويا، وكان العمل دراميا بارزا في السينما السورية، وأُلهمت منه مسلسلات لاحقة.
وحصل الفيلم على الجائزة الفضية في مهرجان قرطاج في العام ذاته، وشارك في تمثيله يوسف حنا، وعاطفة الخالدي، وأخرجه محمد شاهين.
وفي عام 2020، صدر مسلسل حارس القدس، الذي يحكي سيرة المطران هيلاريون كابوتشي، وهو من إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، وإخراج باسل الخطيب، وبطولة الممثل السوري رشيد عساف.
يروي المسلسل سيرة المطران هيلاريون كابوتشي، الذي كان من أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية، ويسلط الضوء على دوره في مقاومة الاحتلال.