ملفات وتقارير

هل تعجّلت السعودية والإمارات بإعادة علاقاتها مع النظام السوري؟

الأسد التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عدة مرات بعد تطبيع العلاقات- سانا
واصلت فصائل المعارضة السورية للأسبوع الثاني على التوالي التوسع في محافظات سوريا، فبعد سيطرتها السريعة على حلب وكامل محافظة إدلب، وحماة، بدأت معركة دخول محافظة حمص.

وشكّل الانهيار السريع لقوات النظام السوري، تساؤلات حول مستقبل البلاد التي أعادت حكومة رئيسها بشار الأسد شرعيتها الدولية، ونجحت في إقناع دول خليجية بتطبيع العلاقات معها، عقب قطيعة دامت لسنوات.

وجاء التطبيع الخليجي والعربي مع النظام السوري، بعد تحقيق الأخير انتصارات واسعة، واستعادته السيطرة على غالبية المناطق، باستثناء محافظة إدلب.

واللافت، أن الانهيار غير المسبوق لقوات النظام، وخسارته مناطق لم يفقدها طيلة سنوات الحرب الـ13، جاءت بعد نحو عام ونصف فقط من عودته إلى جامعة الدول العربية، عقب تعليق للعضوية دام 12 سنة.

وتأتي انتصارات "إدارة العمليات العسكرية" في قوات المعارضة ضمن عملية "ردع العدوان"، لتفتح تساؤلات مهمة حول موقف الدول العربية التي طبعت مع الأسد، لا سيما السعودية والإمارات.

ورصدت "عربي21" تغيرا في المواقف غير الرسمية منذ بدء معركة "ردع العدوان" حتى اليوم، حيث بدا أن الرياض وأبو ظبي في تضامن تام مع النظام السوري، إلا أنه بعد سقوط حلب سريعا، تغيرت المواقف، لا سيما الإعلامية.

كيف كان المشهد في البداية؟
في الساعات الأولى من المعركة، هاتف الرئيس الإماراتي محمد بن زايد نظيره السوري بشار الأسد، وأكد دعمه لدمشق.

كما هاتف وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان  نظيره السوري بسام صباغ، في انحياز معلن للنظام.

بدوره، تبنى الإعلام السعودي والإماراتي رواية النظام السوري حول المعركة، وأطلقت قناة "العربية" مسمى "جبهة النصرة" على الفصائل المشاركة في عملية "ردع العدوان"، وهو ما دفع ناشطين للقول؛ إنها محاولة من القناة التابعة للحكومة السعودية لربط المعارضة بالإرهاب.

وانحازت صحيفة "عكاظ" إلى النظام السوري بشكل لافت، وتبنت بث جميع بياناته التي صدرت عن "القوات المسلحة السورية" بأخبار منفصلة. كما أوردت خبرا تحت عنوان: "مقتل 4 مدنيين في هجوم إرهابي" في حلب.

الإعلام الإماراتي بدوره، كان موقفه أكثر انحيازا إلى النظام السوري، وتبنى روايته بالكامل، لا سيما عبر قناة "سكاي نيوز عربية".



بعد حلب وحماة؟
تغير الموقف بشكل كامل بعد سقوط حلب وحماة بيد المعارضة، فبالرغم من عدم صدور أي تصريح رسمي من الإمارات والسعودية، إلا أن إعلام البلدين قام بترويج أخبار تقدم فصائل المعارضة، وتخلى عن الأوصاف التحريضية ضد المشاركين بـ"ردع العدوان".

وباتت قناة "العربية" بشكل خاص، متهمة من إعلام النظام السوري بأنها "رأس حربة" إعلامي لفصائل المعارضة، بعد تركيزها بشكل كبير على العملية، ومرافقة "كاميرتها" للفصائل خلال دخول حماة.

واتخذ إعلاميون بارزون من السعودية والإمارات مواقف أكثر وضوحا بالانحياز إلى المعارضة السورية، على الرغم من الموقف الرسمي المعلن، الذي لا يزال منحازا للنظام.

وقال الأكاديمي عبد الخالق عبد الله؛ إن "المعارك في سوريا والتقدم السريع لقوات هيئة أحرار الشام، تشكل انتكاسة كبرى لإيران".

وأضاف بشكل صريح، أن "أي تراجع لنفوذ إيران في المنطقة مرحب به".

الصحفي السعودي طارق الحميّد، رئيس تحرير "الشرق الأوسط" سابقا، ومقدم البرنامج بإذاعة "العربية"، أبدى ارتياحا لتقهقر النظام السوري.

وقال: "في السياسة، يخطئ من يتجاهل الحقائق على الأرض. سوريا غير أفغانستان، وغير لبنان، والعراق. أو اليمن. والواجب، الاستفادة من أخطاء كل ما سبق. وتذكر أمرا واحدا مهمّل، أنه ربما تكون المرة الأولى لسوريا دون ملشيات إيرانية. مع ضرورة العمل والتأكد ألا تكون هناك ملشيات من دول أخرى".

وبعد إطلاق المعارضة السورية معركة "ردع العدوان"، وقبيل صدور مواقف رسمية من السعودية والإمارات، قال الأكاديمي السعودي المقيم في الولايات المتحدة سلطان العامر؛ إنه "سيكون خطأ لو حذت السعودية حذو الإمارات، والتعجل بالاصطفاف إلى جانب الأسد".

وتابع: "الصبر والتمهّل ومراقبة الأمور أفضل بكثير من التسرّع، خصوصا أن الأسد لم يقدم شيئا يذكر منذ تم التطبيع معه، فمخدراته لا زالت تغرق الشارع السعودي.".

"معركة مشروعة"
الأكاديمي والمحلل السياسي السعودي هشام الغنام، اعتبر أن معركة "ردع العدوان" مشروعة لفصائل المعارضة، وأن النظام السوري هو الطرف المعتدي.

الغنام الذي يشغل مناصب في مؤسسات بحثية عديدة، أبرزها الإشراف العام على برامج الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب في "جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية"، قال؛ "إن النظام هو من قام بقصف مناطق المعارضة، وإيقاع ضحايا مدنيين خلال الشهور الماضية، وهو ما دفع المعارضة للرد".

وألقى الغنام باللوم على الرئيس يشار الأسد، بأنه رفض نصائح الدول العربية بالمصالحة مع شعبه، ووقف تصدير المخدرات إلى دول الخليج، ورفض إعادة المهجرين إلى منازلهم.

وبشكل محدد، حول علاقة السعودية بسوريا، قال الغنام: "السعودية التي قادت إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية في 2023، كانت تأمل في الحصول على تنازلات بشأن تهريب المخدرات وعودة اللاجئين وخلق بيئة آمنة لهم، لكن دمشق لم تحقق تقدما يُذكر على أي من الجبهتين".


تطبيع بعد انقطاع
في 2011، سحبت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من دمشق، وأغلقت سفاراتها، وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري.

وبعد قطيعة دامت سنوات، استقبلت السعودية وزير الخارجية السوري السابق فيصل المقداد عام 2022، تبعه استئناف العلاقات رسميا، وزيارة الأسد بنفسه إلى الرياض لحضور القمة العربية العام الماضي، بعد إعادة مقعد سوريا.

وسبق السعودية في التطبيع مع النظام السوري، كلٌّ من الإمارات والبحرين، اللتين أعادتا العلاقات مع دمشق نهاية العام 2018.

وبالنسبة لبقية المواقف الخليجية من النظام السوري، لم تغير قطر موقفها المنحاز إلى المعارضة، واستمرت في القطيعة التامة مع النظام، وهو موقف تتخذه الكويت بدرجة أقل، فيما لم تعلن سلطنة عمان من البداية القطيعة مع دمشق.