ملفات وتقارير

لغط كبير حول مصير أنقى بحيرة مصرية.. هل تم بيع "البردويل" للإمارات؟

تمتاز بشدة الملوحة وقلّة التلوث لعدم اتصالها بمياه نهر النيل كباقي بحيرات مصر- جيتي
بعد نحو شهرين من زيارة وفد إماراتي لشمال شبه جزيرة سيناء، وسط استقبال حافل من اتحاد القبائل العربية الذي أثار الجدل؛ قال عدد من النشطاء؛ إنه تمّ منع الصيادين من نزول بحيرة "البردويل"، الواقعة على البحر المتوسط بشمال سيناء، معربين عن مخاوفهم من أن تكون الإمارات قد سيطرت على البحيرة.

والأربعاء الماضي، قالت الناشطة السيناوية، منى الزملوط، عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "إكس": "الإمارات ستأخذ بحيرة البردويل"، موضحة أنه "تم منع الصيادين من النزول للبحيرة".

وأكدت الناشطة السيناوية، عبر التغريدة نفسها، أن "الوفد الإماراتي، الوحيد الذي يدخل البحيرة بحماية اتحاد القبائل العربية".


كذلك، قال الناشط السيناوي، أشرف أيوب، الثلاثاء الماضي، عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "عندما قمت اليوم بشراء سمك، قال لي البائع: هذا اليوم الأخير الذي ستجد فيه سمكا من بحيرة البردويل؛ لأنها أُغلقت أمام الصيد، حتى يتم تسليمها إلى الإماراتي مالكها الجديد".


"زيارة مريبة ومخاوف"
وفي 3 أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلن النائب البرلماني السيناوي، فايز أبوحربن، عن استقبال وفد إماراتي، برئاسة مدير الأصول الدولية بشركة أبوظبي الوطنية للطاقة، علي الشمري، ونائب رئيس "العرجاني جروب" نجل رئيس اتحاد القبائل العربية إبراهيم العرجاني، عصام العرجاني، ووزير الإسكان السابق، عاصم الجزار، ومحافظ شمال سيناء، خالد مجاور.



إثر ذلك، أعرب أهالي سيناء عن مخاوفهم من تمليك الإمارات أراضي أو مناطق بشمال سيناء خاصة، وأن رئيس الوفد لديه ارتباطات بشركة إماراتية تستثمر في ملف الطاقة بدولة الاحتلال الإسرائيلي.

ويستند البعض في شكوكهم حول تغيير وضع بحيرة البردويل، إلى أمرين، الأول: قيام الحكومة المصرية بأعمال تطوير وتوسعة للبحيرة، ورفع كفاءة 4 مراسي صيد وإزالة 3500 طن عوائق، وتطهير البواغيز، بتكلفة 120 مليون جنيه، والاستعانة بشركة "إيفر جرين" الصينية، ما يعني وفقا لرؤيتهم فتح باب الاستثمار الأجنبي.

وثانيا: صدور قرار إداري يمنع الصيد في البحيرة قبل شهرين من القرار السنوي بمنع الصيد، الذي يصدر سنويا مع مطلع العام وحتى نيسان/ أبريل، للحفاظ على الزريعة.


هذا الأمر، دفع نشطاء مثل ممدوح حمزة، والصحفي جمال سلطان، وعشرات آخرين للتساؤل حول مصير البحيرة، ومصير الصيادين، وهل تم بيعها للإمارات، وعلاقة دولة الاحتلال الإسرائيلي بالأمر؟.


"بيان رسمي يؤكد التغيير"
إزاء حالة الجدل، أكد مجلس الوزراء المصري، الخميس، على وجود تغيير في وضع البحيرة، معترفا بصحّة خبر وقف الصيد في البحيرة؛ فيما نفى في الوقت نفسه ما أثير حول نيّة الحكومة بيع أو تأجير بحيرة البردويل لصالح الإمارات.

وأعلن مجلس الوزراء، عبر بيان، عن استحواذ "جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة" –أنشئ بقرار السيسي رقم 591 لسنة 2022- على كامل بحيرة البردويل، للقيام بأعمال التنمية الاقتصادية للبحيرة، وتطوير مراسي الصيد.

وأوضح أن "الرئيس عبد الفتاح السيسي وجّه الحكومة بالعمل على تقديم حزمة من المساعدات الاجتماعية للصيادين، بهدف تعويضهم عن وقف أعمال الصيد في البحيرة".

"أهمية البردويل"
البردويل، نحو 90 كيلو مترا طولا، و22 كيلومترا عرضا، هي ثاني أكبر البحيرات الشمالية الخمس بعد "المنزلة" بمساحة 600 كم2 (150 ألف فدان) يعمل بها بين 4 و5 آلاف صياد، ينتجون 4 آلاف طن سمك سنويا.

أنواع فاخرة كـ"المرجان"، و"الدنيس"، و"القاروص"، و"الوقار"، و"الطوبارة"، و"العائلة البورية"، و"سمك موسى"، و"الجمبري"، و"الكابوريا"، يجري تصديرها للخارج، فيما تمتاز بشدة الملوحة وقلّة التلوث لعدم اتصالها بمياه نهر النيل كباقي بحيرات مصر الأخرى، بالبحر المتوسط: "المنزلة"، و"البرلس"، و"إدكو" و"مريوط". 

وتبلغ ملوحة المياه فيها حوالي 40 ألف جزء بالمليون (أعلى من البحر المتوسط) ما يؤهلها لإنتاج أملاح معدنية ذات نقاوة عالية مثل ملح الطعام، بحسب تأكيد الأكاديمي المصري، عباس شراقي.

"القصة كما يراها أهل سيناء"
الناشط السيناوي، أشرف أيوب، قال لـ"عربي21": "قصة بحيرة البردويل ليس لها علاقة بملف الحرب بغزة ولا تهجير الفلسطينيين لسيناء، والأمر متعلق بالبيزنس الخاص بين شركات الجيش، والمخابرات العامة، والعرجاني، الواجهة الجديدة لاستثماراتهما بسيناء، ومصر، ولكن بحضور شركة إماراتية، كما يقول الأهالي".

 وأضاف: "ليس لدي وثيقة تؤكد الحضور الإماراتي، ولكنها شهادات حية، من الأهالي"، موضحا أن "الموانئ أغلبها في يد الجيش والإمارات، وهو من يحتكر الصيد في أغلب البحيرات، وبينها البردويل، وعلى طريقة فكرة خصخصة المستشفيات، يريد أن يعطي البحيرة كحق انتفاع للعرجاني ومن معه، والمطروح بقوة هنا شركات إماراتية". 

وأوضح، أن "ذلك يأتي بدليل أن الجيش أزاح رجل الأعمال حسن راتب، واجهته السابقة للاستثمار بسيناء، وأعطى العرجاني رئيس اتحاد القبائل العربية، موقعه، ثم جاء الدور على البحيرة مع شريك إماراتي، ويكون العرجاني الواجهة، ولكن الناس في العريش يعرفون من خلفه". 


وبيّن أنه "قبل العام 1967، كان الفريق أول بحري فؤاد ذكري قائد القوات البحرية بحرب أكتوبر 1973، يدير البحيرة بحق انتفاع ويدفع رسومها للدولة، وأن هذا ما يريدون عمله الآن، بأن يخرج الجيش من الموضوع ويعطي البحيرة لشريك هو العرجاني".

 ولفت إلى أن "هذا الوضع يشبه وضع شركة (سيناء) بين العرجاني، والمخابرات العامة، والجيش، ولكن هذه المرة فيها شريك إماراتي، كرأس مال مشترك، كما أعتقد بوجود شركة أخرى عملت في تطوير البحيرة وقد تكون كورية أو صينية"، مبينا أن "الدولة صرفت على تطوير وتعميق البحيرة، لنجد هذا الوضع الآن".

وأكّد أنه "جرى قبل نحو عام طرد الأهالي والصيادين من بيوتهم بمنطقة سبيكة والزرانيق أحد بواغيز بحيرة البردويل، التي تضم أكبر ملاحات ومحمية الزرانيق -بها 907 نباتات وحيوانات نادرة، وهذه أملاكهم ويرفعون قضايا على الحكومة"، مؤكدا أن "مخاوف ناس العريش من الإمارات كبيرة".

وأشار إلى أن "أهمية البحيرة كبيرة لأهل سيناء ومصر كلها،" متوقعا عدم تأثر "الصيادين بانتقالهم من العمل لدى مالك إلى مالك جديد؛ المشكلة الأكبر لمن تم طردهم من مساكنهم قرب البحيرة لتطويرها، وقرية الصيادين في سبيكة التي بنتها الدولة كمساكن شعبية، أخذوا بيوتهم الآن لأجل التطوير، وكان لديهم تراخيص لصيد السمان، فتأثرت المنطقة بموضوع التطوير".

ويعتقد أن "زيارة الوفد الإماراتي لسيناء، كانت رسميا والمعلن منها للاطمئنان على مساعداتهم الإنسانية لغزة، ومخازن المعونات المؤجرة لها بنحو 50 في المئة من مخازن العريش، التي يتخوف البعض من أن يكون بينها أدوات للتجسس، ويؤجرون حتى نادي ضباط الجيش كمخزن".

كذلك، يرى المتحدث نفسه، أن "الزيارة لا علاقة لها بقصة تهجير أهل غزة، والأمر له علاقة بالبيزنس، لكن دخول الإمارات سيناء، يعني حضور إسرائيل".

وأوضح أنه "بعد مؤتمر السيسي، الذي نظمه العرجاني، واتحاد القبائل العربية، السبت الماضي، باستاد العاصمة الإدارية الجديدة، استولى العرجاني على (جامعة سيناء)، المملوكة لرجل الأعمال حسن راتب، بعد ضمه قناة المحور سابقا، والآن يضغطون لتصفية مصنع الأسمنت الأبيض الخاص براتب، الواجهة السابقة لبيزنس الجيش في سيناء، الذي استبدلوه بالعرجاني".

وخلص بالقول؛ إن "سيناء كلها مملوكة للجيش، ومن بينها البردويل، وصندوق النقد الدولي يضغط على الحكومة ليخرج شركات الجيش من أنشطة كثيرة، وهنا قد يكون الإسناد للعرجاني ومع شركة إماراتية كحق انتفاع للبحيرة، ليخرج شركات الجيش بشكل رسمي، وكنوع من الخصخصة المطلوبة من الصندوق".

واستطرد: "ليس من المؤكد وجود شريك أجنبي، والمطروح بقوة أن تأخذها شركات سيناء للعرجاني وشركاؤه في المخابرات العامة وقيادة الجيش، ولكن هناك شهود عيان يؤكدون أن هناك وفود لم يتم الكشف عن هويتها زارت مكان البحيرة، على أساس تخصيص منطقة الملاحات، ولم يكن في بال أحد أن الأمر يشمل البحيرة"، مردفا: "الشواهد لدى الأهالي كثيرة، والناس لديهم توجّس من أي وجود إماراتي في سيناء، فالوطنية عالية، وصلت حتى لبائع السمك الذي أدرك أن هناك خطرا لم يشعروا به مع وجود أي استثمار غير الإمارات".

"حصان طروادة العصر"
وفي قراءته، تساءل الخبير الدولي في إدارة الصناعات البحرية، إبراهيم فهمي: "ماذا تنتظر من نظام حكم عسكري تشكل بمساعدة خارجية مباشرة وترتيبات تمت في عواصم متعددة لسحق الديمقراطية والاستيلاء على الحكم".

البروفيسور المقيم في لندن، أضاف لـ"عربي21": "ثم الدخول في منحدر إفقار البلاد عمدا وإهدار كرامة الأفراد ورهن قرار المؤسسات والتدمير الممنهج للطبقة المتوسطة، بتعمد الفشل الاقتصادي للوصول إلى مرحلة تقسيم الغنائم، التي نحن بصددها من تفكيك منظومة الأمن القومي، ببيع ثروات ومقدرات شعب آسف أن يكون سلبيّا".

وتابع: "من خطّط لبيع الجزر الاستراتيجية، والموانئ البحرية، والأراضي الساحلية، والمطارات، والآثار، وشركات الإنتاج، وحقول الطاقة، وفرط في نهر النيل؛ فليس بغريب عليه أن يستكمل مهمته ببيع البحيرات، ومنها بحيرة البردويل في سيناء".

وقال: "سيناء، دفع الشعب المصري فيها أكثر من 100 ألف شهيد للحفاظ عليها من مخططات الصهيونية العالمية، التي يعدّونها الجائزة الكبرى المنتظرة".


ويعتقد الأكاديمي المصري، أن "كل ما سبق بيعه بتوجيهات وما يخطط له في الظلام، هي بيوعات فاسدة، مثل وعد بلفور، من لا يملك لمن لا يستحق، وهي ضد رغبة الشعب المصري المالك الحقيقي لها، الذي لم ولن يصدر توكيلا لأحد في بيع أو تأجير أو مشاركة ممتلكاته بأي صورة، ومن ثم فهي والعدم سواء".

وتوقّع فهمي: "يوم قريب يعض أصابعه من الندم كل من شارك من أفراد مصريين وأجانب ومؤسسات داخلية وخارجية في تخطيط أو تمرير تلك الخيانات، المسماة زورا وبهتانا بالصفقات أو الشراكات أو الاستثمار المشترك أو التطوير أو التأجير، التي هي حصان طروادة في العصر الحديث".

"الخطيئة الكبرى"
وفي تقديره، قال السياسي المصري، محمد عوض: "طبيعي بأوقات تراخي الحكومات عن التفاعل مع ما يثيره الشارع، أن يتزايد اللغو العام وتتوه الحقيقة وتهتز الثقة حتى تنعدم".

رئيس حزب "الخضر" المصري، أعرب لـ"عربي21"، عن أسفه "أن ما يجري تداوله بكثافة بمواقع التواصل، ليس فيما يتعلق ببحيرة البردويل فقط، وإنما يمتد الحديث العام ليطول مناطق أخرى على البحر الأحمر والساحل الشمالي، خلافا لما يتم طرحه للبيع من شركات ومشروعات.. إلخ".

ويعتقد أن "الخطيئة الكبرى التي ترتكبها الحكومة، هي تجاهل ما يجري تداوله كمثال بحيرة البردويل"، معتبرا أن "التجاهل الحكومي يزيد احتقان المواطن، فضلا عما يحدثه من فقدان الثقة ليس بأداء الحكومة فحسب، ولكنه يمتد لفقدان الثقة الشعبية في النوايا الوطنية للحكومة".


 ولا يظن السياسي المصري، أن "أحدا يمكنه التعليق على الموضوع المثار بخصوص طرح بحيرة البردويل للاستثمار الأجنبي، بالقول: "لا أصدق أن السلطة والحكومة يمكنهما فعل ذلك، لأسباب عديدة".

أولها بحسب عوض، أن "منطقة البردويل شهدت عمليات عسكرية إبان حرب الاستنزاف (1967- 1973)"، وثانيها أنها "تُعدّ أفضل مناطق الصيد البحري لانعدام تلوثها"، وثالثا أن "أراضي سيناء يُنظر إليها كخطوط حمراء، وفق مقاييس الأمن القومي".

ويعتقد أن "الأمر ليس اصطياد أسماك بمنطقة غير ملوثة، ولكنها منطقة تقع متاخمة لطريق بري حيوي ورئيسي بسيناء، (العريش - القنطرة)، وعلى بعد 80 كم من قناة السويس".

"الشواهد المشار إليها، وتحديدا علاقة اتحاد القبائل العربية بما يتردد حول البحيرة، وعلاقات الاتحاد بالإمارات، أعتقد أنه يجب تقييمها بإطارها الحقيقي، فالحقيقة أن هذه الشواهد لو كانت قبل اليوم بشهور، كان يمكن تفسيرها كأعمال غير مشروعة، ولا يمكن لاتحاد القبائل تقديم حماية للمستثمر الإماراتي أو غيره"، بحسب المتحدث نفسه.

 واستدرك: "لكن هذا الأمر حدث به تغيير جوهري بعد استقبال اتحاد القبائل لرأس السلطة المصرية في احتفال تم الإعلان عنه، وإذاعة فقراته عبر الإعلام الرسمي للدولة، ما أعدّه بمنزلة تدشين شرعي لهذا الاتحاد".

وتابع: "هنا، وبهذه الحالة، فإن دور اتحاد القبائل يكون منطقيا، بالنظر لتحركاته السياسية والاقتصادية باعتبارها تحظى بموافقة الدولة، إن لم يكن ممثلا ومفوضا عن الدولة". 


وعاد عوض، ليقول: "هذا يعني أن هناك شيئا ما يجري في خصوص صفقة تتصل ببحيرة البردويل، وفي هذه الحالة أقول؛ إن مثل تلك الصفقة قد تكون مسمارا أخيرا بنعش الحكومة".

وختم بالقول: "قراءتي لأحوال الشعب، تكشف أنه يبدو غير مكترث لكثير مما يجري، لكن أظنه صمت ما قبل العاصفة، وكلما طال الصمت، تطول العاصفة بمدتها وقوتها ومداها الجغرافي".
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع