من أكثر المقولات فخاخا للمقاومة
الفلسطينية المعاصرة بعد 1968، وللمثقف الفلسطيني عموما، كان الانشغال بالحلّ
الفلسطيني، بما في ذلك الحلّ النهائي للقضية الفلسطينية.
وحملت هذه المقولات معها السؤال:
ماذا ستفعلون باليهود؟ وقد أسماهم البعض بالشعب الإسرائيلي، والبعض حصرهم بأبناء
المستوطنين الذين ولدوا في فلسطين. وهؤلاء لا ذنب لهم، بالنسبة إلى ما ارتكبه
الآباء من استيطان واقتلاع للفلسطينيين (ثلثا الشعب في 1948/1949).
وقبل أن يُجاب عن السؤال، أو يطرح
الحل، استُتبع السؤال بمقولات: يجب أن يكون الحلّ أخلاقيا وإنسانيا، بمعنى أن يُعترف
أولا بشرعية وجودهم، أو حتى اعتبار أن ثمة حقا لليهود، كحق المسلمين والمسيحيين في
فلسطين.
وقد عبّر الحل الذي قدّمته حركة فتح
في العام 1968، عن مثل هذه المساواة، حين تضمن النص ما يلي: "إقامة نظام
علماني يتساوى فيه المسلمون والمسيحيون واليهود". وبهذا تضمن الحل الذي يجب
أن يكون أخلاقيا، حقا لليهود (الغزاة المستوطنين)، مساويا لحق المسلمين
والمسيحيين.
ثم اشتهر حلّ آخر، تبنته فيما بعد
الجبهة الشعبية وعدد من المثقفين الفلسطينيين، وهو إقامة دولة واحدة يتساوى فيها
كل مواطنيها. وقد تشدّد البعض بأن هذه الدولة، أو النظام، سيقوم بعد تحرير فلسطين
من النهر إلى البحر.
واعتمد الحل هنا على أخلاقية
المساواة بين أصحاب الحق الحصري في كل فلسطين، وفقا للقانون الدولي، أي الشعب
الفلسطيني (طبعا، هو حق وفقا لـ1400 عام من الإقامة في فلسطين، في الأقل، كجزء من
الأمة العربية والإسلامية) من جهة، وبين أحفاد الغزاة الأوائل، الذين اقتلعوا ثلثي
الشعب الفلسطيني من بيوتهم وقراهم ومدنهم وأراضيهم، وحلوا مكانهم بالقوّة السافرة
والمجازر، من جهة أخرى. ذلك، باعتبار أن الأبناء والأحفاد لا ذنب لهم فيما حدث مع
الغزاة الأوائل، بحماية الاستعمار البريطاني، وبتأييد أمريكي- سوفييتي، ولا سيما
في حرب 1948 وما بعدها، وما بعدها.
سلسلة من جرائم الاحتلال، وحروب العدوان، ووصل إلى حد وصل الجيل الحالي وداعموه إلى ما فوق الوحشية، وما فوق العنصرية، وما فوق الشر المطلق، أو الأهم عرفنا على أيديهم جرائم الإبادة المهولة بحق المدنيين في قطاع غزة، وأصروا أن يرتكبوا هذه الجرائم، علنا وبالصوت والصورة، وبالمجاهرة. ومن لم يرتكب أيدّ المرتكبين، وبالغالبية، وفقا للاستفتاءات
استندت مقولة الأبناء والأحفاد لا
ذنب لهم، إلى ما حدث مثلا في الأمريكيتين، بعد الانتهاء من القتل الجماعي للهنود
الحمر والشعوب الأخرى.
ولكن مع التجاوز، كيف تكون هذه
المقولة صحيحة وممكنة حين انتهى جيل الغزو والتأسيس، ومن جاء بعدهم وورثهم وحلّ
مكانهم، فعل مثل ما فعلوا، وأكثر؟ وجاء بعد أن انتهى هذا الجيل، الجيل الثالث، أو
الرابع الحالي الذي ورث الآباء، كما ورث آباؤه أباءهم، فراح يفحش أكثر من كل
السابقين.
وخلاصة، هذا المسار اتسّم بسلسلة من
جرائم
الاحتلال، وحروب العدوان، ووصل إلى حد وصل الجيل الحالي وداعموه إلى ما فوق
الوحشية، وما فوق العنصرية، وما فوق الشر المطلق، أو الأهم عرفنا على أيديهم جرائم
الإبادة المهولة بحق المدنيين في قطاع غزة، وأصروا أن يرتكبوا هذه الجرائم، علنا
وبالصوت والصورة، وبالمجاهرة. ومن لم يرتكب أيدّ المرتكبين، وبالغالبية، وفقا
للاستفتاءات.
أفلا يعني هذا أن أبناء المستوطنين
الأوائل وأحفادهم، وأبناء أحفادهم، أكبر ذنبا، وأغلظ عنصرية، وأشدّ إجراما من
سابقيهم؟ وبهذا أثبتوا أن خصوصية المستوطنين الصهاينة في فلسطين لا يلدون إلّا
مستوطنين، أشدّ نكرا وفجرا، أما من رحِم ربي، فقد رحل، أو يكون خياره الرحيل حيث
لن يقبل المساواة أو العيش مع الفلسطينيين أبدا، وتحت جلده يعتبرهم من الأغيار.