ليست
إسرائيل وحدها من يرتكب الإبادة الجماعية الحالية بحق الشعب
الفلسطيني، بل ترتكبها
أيضا الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي. فهي إبادة جماعية
غربية بالأصل، حيث إن تأسيس إسرائيل كقاعدة استعمارية غربية لضمان السيطرة على العالم
العربي ونهبه، ليس بالأمر الجديد.
منذ
بداية عملية بناء قناة السويس، سعى الصهاينة والمسؤولون الإمبراطوريون البريطانيون
والفرنسيون المسيحيون واليهود إلى إنشاء دولة يهودية صهيونية في فلسطين، كقاعدة إمبريالية
دائمة لحماية قناة السويس من أي تهديدات، أكانت مقاومة محلية للحكم الإمبريالي في
منطقة القناة أو تهديدات من إمبراطوريات منافسة له. وقد كانت هذه هي الحجة التي طرحها
الصهيوني اليهودي الفرنسي- الألماني موزيز هيس في عام 1862 ("هل ما زلت تشك في
أن فرنسا ستساعد اليهود في إنشاء مستعمرات قد تمتد من السويس إلى القدس، ومن ضفاف نهر
الأردن إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط؟")، وأيضا من قبل مؤسس المنظمة الصهيونية
ثيودور هرتزل الذي جاء إلى مصر في عام 1903، للتفاوض على استيطان اليهود للمنطقة الواقعة
بين نهر النيل وقناة السويس. كما أكد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد لويد جورج أن السيطرة
البريطانية على فلسطين ضرورية استراتيجيا للدفاع عن قناة السويس، وهو الأمر الذي أكده
بالفعل وزير المستعمرات البريطاني المسيحي الصهيوني جوزيف تشامبرلين لهرتزل، عندما
عرض عليه سيناء والعريش للاستيطان اليهودي.
منذ
إنشائها في عام 1948، عُهدت إلى إسرائيل مهمة المساعدة في حماية قناة السويس، وكذلك
نفط الشرق الأوسط لصالح الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا حتى عام 1967. وباعتبارها
قاعدة إمبريالية، غزت إسرائيل مصر في عام 1956 لتسهيل الاستيلاء العسكري البريطاني
والفرنسي على القناة، بعد تأميمها من قبل الرئيس جمال عبد ناصر. وبعد عام 1967 عندما
أصبحت إسرائيل امتدادا إقليميا حقيقيا للولايات المتحدة، عُهد إليها حماية النفط وعروش جميع الأنظمة
العربية العميلة، التي نصبتها الولايات المتحدة أو تعهدت بإبقائها على رأس السلطة
وحمايتها من شعوبها. وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي وأحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر،
ظلت إسرائيل قاعدة إمبريالية مهمة، وأصبحت الشريك الرئيس في تحالف مفتوح مع الأنظمة
العربية العميلة للولايات المتحدة المكلفة بمهمة صد الأعداء الجدد، الذين اسْتَعْدَتْهم
الإمبراطورية الأمريكية في المنطقة وحول العالم.
على النقيض من المثقفين العرب المناهضين للإمبريالية، الذين ما انفكوا يؤكدون منذ قرن من الزمن على حقيقة أن إسرائيل قاعدة إمبريالية غربية مزروعة في قلب العالم العربي، فإن النخب العربية المؤيدة للإمبريالية اليوم وبمعيتها الطبقة التكنوقراطية العربية، التي تدير المنظمات غير الحكومية المحلية الممولة من الغرب، كانت تعدّ إسرائيل كيانا منفصلا عن الغرب، وإن كان مرتبطا به، وأن جماعات الضغط واللوبيات التابعة لإسرائيل تتمتع بقدر هائل من النفوذ في العواصم الغربية.
منذ
أن بدأت الجهود العسكرية والسياسية لإقامة إسرائيل كقاعدة عسكرية غربية في عام
1917، عندما أصدرت بريطانيا وعد بلفور بدعم من قوى استعمارية وإمبريالية أخرى، لم تهدأ
الحرب الإمبريالية والعنصرية
الغربية على الشعب الفلسطيني. وفي حين رعت بريطانيا استعمار
فلسطين واستيطانها، كانت عصبة الأمم الخاضعة لسيطرة الغرب هي التي عهدت إلى بريطانيا
في عام 1922 بهذه المهمة الغربية الخبيثة. كما كانت الأمم المتحدة، وهي الوريث الرسمي
لعصبة الأمم، هي التي شرّعت سرقة أرض الفلسطينيين من قبل المستوطنين اليهود، عبر قرار
التقسيم في تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، والاعتراف بالمستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية
بعد إنشائها.
من
الأهمية بمكان التذكير بهذه الخلفية لتفسير الدعم الغربي الهائل للإبادة الجماعية التي
ترتكبها إسرائيل، لا سيما أن الكثيرين يعتقدون على ما يبدو أن المذبحة التي يرتكبها
الغرب بحق الفلسطينيين لم تبدأ إلا بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. وعلى النقيض
من المثقفين العرب المناهضين للإمبريالية، الذين ما انفكوا يؤكدون منذ قرن من الزمن
على حقيقة أن إسرائيل قاعدة إمبريالية غربية مزروعة في قلب العالم العربي، فإن النخب
العربية المؤيدة للإمبريالية اليوم وبمعيتها الطبقة التكنوقراطية العربية، التي تدير
المنظمات غير الحكومية المحلية الممولة من الغرب، كانت تعدّ إسرائيل كيانا منفصلا عن
الغرب، وإن كان مرتبطا به، وأن جماعات الضغط واللوبيات التابعة لإسرائيل تتمتع بقدر
هائل من النفوذ في العواصم الغربية، التي يُزعم أنها دخيلة عليها.
وقد
أعربت هذه النخب عن صدمتها إزاء الدعم الغربي اللامحدود للإبادة الجماعية التي ترتكبها
إسرائيل مؤخرا، حيث لطالما كان إيمانها راسخا بالتزام الغرب بالدفاع عن "حقوق
الإنسان". عادة ما تقوم هذه النخب، التي تحاكي الدعاية الليبرالية الغربية، بتصوير
الغرب على أنه ملتزم بحقوق الإنسان "العالمية"، وليس بحقوق الأوروبيين والأمريكيين
البيض، وأي شعوب غير بيضاء أخرى تعد ضحايا لأنظمة يستعديها الغرب، التي تستحق من ثم تعاطف الليبراليين الأوروبيين والأمريكيين البيض عندما تتطلب المصالح الغربية ذلك،
وحتى يتم تهميش هذه الشعوب ونسيانها فيما بعد، كما حصل مع شعب العراق، وسوريا، وليبيا،
وغيرها.
وبما
أن الفلسطينيين لا يستوفون هذا المعيار العنصري والإمبريالي الغربي فهم لا يستحقون
التعاطف، وقد واصل الغرب منذ عام 1948 ذبحهم من خلال تزويد إسرائيل بكل الأسلحة اللازمة
للقضاء عليهم، وسرقة أراضيهم واستعمارها، وطردهم منها، وقمع السكان الباقين من خلال
إخضاعهم لنظام الفصل العنصري، الذي تديره الدولة الإسرائيلية والمذابح التي ينفذها المستوطنون
اليهود نيابة عنها. كما قدم الغرب غطاء قانونيا ودبلوماسيا منذ عام 1948 لحماية إسرائيل
من الاستنكار الدولي (أي من قبل الدول غير الغربية). وبينما يشهد العالم إبادة جماعية
يتم بثها مباشرة على الهواء بحق الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لم
يكن أمام الحكومات الغربية سوى خيار دعم الإبادة الجماعية علنا بكل الطرق الممكنة، عسكريا
وماليا، ومن خلال الدعاية الرسمية التي تعيد نشرها حرفيا وسائل الإعلام الغربية السائدة
العنصرية والمؤيدة للإمبريالية. ولم تكتفِ هذه الحكومات بدعم جهود إسرائيل
دبلوماسيا وسياسيا وماليا وعسكريا وإعلاميّا، بل أطلقت حزمة من التدابير القمعية الصارمة
بحق مواطنيها الذين يدعمون الفلسطينيين.
لقد
سارع المجرمون البريطانيون، الذين قادوا تاريخيا حملة سرقة وطن الفلسطينيين، إلى إرسال
الأسلحة والقوات في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر لمساعدة المستعمرة الاستيطانية التي
أنشؤوها، وخصصوا قواعدهم العسكرية في المنطقة للدفاع عن إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، صوتوا
لصالح حماية إسرائيل من إدانة الأمم المتحدة، وضغطوا على المحكمة الجنائية الدولية
لعدم توجيه الاتهام إلى زعماء إسرائيل المجرمين بسبب فظائعهم، وعارضوا تحقيقات محكمة
العدل الدولية في قانونية الاحتلال الإسرائيلي والإبادة الجماعية، وأطلقوا العنان لأجهزتهم
الشرطية لتهديد الناشطين البريطانيين الذين يدافعون عن الفلسطينيين، وأطلقوا حملة دعائية
كبرى بمساعدة هيئة الإذاعة البريطانية لدعم الجرائم الإسرائيلية. كما ساهمت الجامعات
البريطانية في هذا الجهد المؤيد للإبادة الجماعية، من خلال سن تدابير قمعية بحق طلابها.
أما
فرنسا التي بلغت عنصريتها ضد العرب والمسلمين مستويات مروعة في العقدين الماضيين،
فقد أرسلت السفن والأسلحة والقوات لمساعدة إسرائيل في حربها الإبادية، وأمرت القواعد
العسكرية الفرنسية في المنطقة بالدفاع عن إسرائيل، ووفرت الحماية لإسرائيل في الأمم
المتحدة، وبررت الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، ونشرت الدعاية المؤيدة
لإسرائيل من خلال وصف المعارضة للإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة بأنها شكل من
أشكال معاداة السامية، الأمر الذي حفّز، للمفارقة، التظاهرات الفرنسية الحاشدة، لكن
ليس ضد الإبادة الجماعية، بل ضد معاداة السامية المزعومة، في حين حظرت جميع التظاهرات
المؤيدة للفلسطينيين. وهذا ليس بالأمر الجديد، حيث كانت فرنسا المُورّد الرئيسي للأسلحة
لإسرائيل طوال الخمسينيات وحتى عام 1967، وكانت مهندسة البرنامج النووي الإسرائيلي.
الألمان
بدورهم، الذين ربما يكونون، على الرغم من المنافسة الشديدة، الأكثر تعصبا وكراهية للفلسطينيين
بين كل الأوروبيين والأمريكيين، قد حظروا وقمعوا كل التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين،
وزودوا إسرائيل بالسلاح والأموال والدعم الدبلوماسي، وسارعوا إلى الوقوف إلى جانب إسرائيل
في محكمة العدل الدولية للدفاع عن جريمة الإبادة الجماعية وإنكار أنها إبادة، وانتقدوا
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لطلبه إصدار أوامر اعتقال بحق زعماء مجرمي الحرب
الإسرائيليين، وأطلقوا العنان للدعاية المكثفة المؤيدة لإسرائيل والمعادية للفلسطينيين
بين مواطنيهم المغسولة أدمغتهم بشكل كبير، كما وجهوها للخارج، وقمعوا حرية التعبير
وأسكتوا أي منتقدين إعلاميين لدعم ألمانيا لدولة الإبادة الجماعية. ولا شيء من هذا
جديد بالطبع، حيث كانت ألمانيا موردا رئيسا للأسلحة لإسرائيل لعقود من الزمان، وقد
زودت إسرائيل بغواصات قادرة على حمل صواريخ كروز ذات رؤوس نووية. والواقع أن رئيسة
الاتحاد الأوروبي الألمانية، لا تنفك عن مناصرة حق إسرائيل في قتل الشعب الفلسطيني باسم
الدفاع عن النفس ضد شعب أسير.
ولم
تكن الأمم المتحدة نفسها لتتخلف عن الركب، فقد رفضت عشية الإبادة الجماعية الإسرائيلية
إدراج إسرائيل على قائمة منتهكي حقوق الأطفال في حزيران/ يونيو 2023، وأصدرت تقريرا
رديئا عن خدعة الاغتصاب التي أطلقتها إسرائيل ودعايتها الغربية بعد السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر، رغم أنها اضطرت إلى الاعتراف بأن فريقها "لم يتمكن من تحديد انتشار
العنف الجنسي، وخلص إلى أن الحجم الإجمالي ونطاق هذه الانتهاكات وتحديد من قام
بارتكابها، يتطلب تحقيقا كاملا".
كل هذه المساعدات للنظام الإبادي، ليست سوى مكمل للمشاركة العسكرية الرئيسة والنشطة من جانب الولايات المتحدة في الجرائم الإسرائيلية، التي بدأت قبل عقود من السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. ولكن منذ تشرين الأول/ أكتوبر، أرسلت الولايات المتحدة المزيد من القوات والأسلحة والغواصات وحاملات الطائرات للدفاع عن المستعمرة الاستيطانية.
وفي
الآونة الأخيرة، طلبت الأمم المتحدة من منسقة الشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار الهولندية
في غزة، سيغريد كاخ، التنسيق مع أعداء المقاومة الفلسطينية، بما في ذلك إسرائيل والإمارات
العربية المتحدة والأردن والسلطة الفلسطينية المتعاونة، بشأن اقتراح "وصاية دولية
انتقالية ومؤقتة" على غزة، التي تعتقد كاخ أنها ستُعتمد من خلال قرار من مجلس
الأمن التابع للأمم المتحدة. وحضرت كاخ اجتماعات ضمت رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد
فرج، الذي يتعاون مع الإسرائيليين لقمع المقاومة الفلسطينية، ومع اللواء في الجيش الإسرائيلي
غسان عليان، لمساعدتهم في فك عقدة "رفح ونتساريم"، التي تريد أن تتولى الأمم
المتحدة السيطرة عليهما.
ويبدو
أن اقتراح كاخ سيجعل الأمم المتحدة ليس فقط متواطئة مع الاحتلال الإسرائيلي، بل وطرفا
نشطا فيه، وهو أمر لا يزعج كاخ أو رؤساءها في الأمم المتحدة، كما بينت صحيفة "
الأخبار" اللبنانية مؤخرا. وفي الوقت نفسه، تبدو
فرص التربّح من غزة بعد الإبادة الجماعية مغرية للغاية بحيث لا يمكن تفويتها. وتشير
التقارير الصحفية إلى أن الحكومة الأردنية تنسق مع الأمريكيين والجامعة الأمريكية في
بيروت، بهدف الاستيلاء على جميع المرافق الصحية في مختلف أنحاء غزة، في حين تستعد الشركات
المصرية لتصبح المصدر الوحيد لمواد البناء في أعقاب الإبادة الجماعية. وبخلاف الأردن
الذي يبدو أنه مهتم بالاستثمارات المالية في قطاع الصحة، عرض الجزائريون إرسال المرافق
الطبية وبناء مستشفيات متعددة في غزة بمجرد فتح الحدود لمساعدة الفلسطينيين مجانا.
ومع
ذلك، فإن كل هذه المساعدات للنظام الإبادي ليست سوى مكمل للمشاركة العسكرية الرئيسة
والنشطة من جانب الولايات المتحدة في الجرائم الإسرائيلية، التي بدأت قبل عقود من
السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. ولكن منذ تشرين الأول/ أكتوبر، أرسلت الولايات المتحدة
المزيد من القوات والأسلحة والغواصات وحاملات الطائرات للدفاع عن المستعمرة الاستيطانية،
وقامت بإرسال المزيد من السفن والغواصات في الأسابيع الأخيرة. وتواصل الولايات المتحدة
تزويد إسرائيل بقنابل تزن 2000 رطل وأسلحة فتاكة أخرى لإبادة الشعب الفلسطيني، وقد
وافقت في الأسبوع الماضي على صفقة بيع بقيمة 20 مليار دولار من المزيد من الأسلحة المبيدة
للفلسطينيين إلى إسرائيل.
وهذا
بالإضافة إلى الدعاية الرسمية الأمريكية التي تقوم بنشرها الصحافة الأمريكية السائدة
المعادية للفلسطينيين، والقمع الشامل الذي تمارسه الشرطة الأمريكية ضد الاحتجاجات الجامعية، التي أمر بها رؤساء الجامعات لقمع طلابهم الذين تجرؤوا على معارضة الإبادة الجماعية.
أما حماية واشنطن لإسرائيل في الأمم المتحدة والمحافل الدولية فلا هوادة فيها، وكذلك
رفضها لقرارات محكمة العدل الدولية وإصدارها عقوبات بحق المحكمة الجنائية الدولية لإجرائها
تحقيقات في جرائم إسرائيل الوحشية بحق الشعب الفلسطيني.
الحرب الغربية والإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني تُشن دفاعا عن الغرب، وليس دفاعا عن إسرائيل فحسب، أما القيم المشتركة التي تلوح بها الدول الغربية وإسرائيل هي في الواقع نفس القيم -قيم الاستعمار الاستيطاني، والعنصرية، والتفوق العرقي الأبيض، والإبادة الجماعية- وكلها كانت ولا تزال جزءا من الأدوات الإمبريالية المستخدمة لصد التهديدات للمصالح الإمبريالية حول العالم.
كما
عزز الأمريكيون وجودهم العسكري الإمبريالي في المنطقة إلى ما يزيد على 40 ألف جندي
للدفاع عن قاعدتهم الاستعمارية الاستيطانية من أي محاولة لوقف حربها لإبادة الشعب
الفلسطيني. قد لا تكون إسرائيل استثنائية في تلقي الدعم الغربي لحروبها وفظائعها (تلقت
جنوب أفريقيا بشكل بارز قدرا كبيرا من الدعم الغربي، حتى وإن كان بمستويات لا تقاس
بما تحصل عليه إسرائيل)، ولكن هذه المستويات الهائلة من الدعم، تثبت بشكل لا لبس فيه
أن إسرائيل ليست جزءا من سياسة خارجية أو قضية خارجية للدول الإمبريالية الغربية، بل
إنها في الواقع قضية داخلية، تماما كما كانت دائما امتدادا للإمبراطورية الأمريكية
وشركائها الأوروبيين التابعين لها، كما حاججتُ في العديد من مقالاتي منذ عقود.
إن
ادعاء بعض منتقدي إسرائيل الغربيين اليساريين بأن الصهاينة الأمريكيين المؤيدين لإسرائيل
هم "متسللون صهاينة" أو "عملاء وجواسيس صهاينة"، أو متطفلون
من خارج النظام السياسي الأمريكي بدلا من كونهم جزءا جوهريا منه، يقلب الترتيب الفعلي
لهذه العلاقة. فعلى صعيد السيطرة الإمبريالية العالمية، فإن إسرائيل ومناصريها هم عملاء
للإمبراطورية الأمريكية وأتباعها الأوروبيين، وليس العكس. إن حقيقة أن أكثر من نصف
مليون يهودي إسرائيلي قد غادروا المستعمرة الاستيطانية منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي،
وأن 40 في المئة من المواطنين اليهود الإسرائيليين، وفقا لاستطلاعات الرأي التي أجريت
قبل تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قد فكروا في الهجرة حتى قبل بدء الإبادة الجماعية، تُظهر
أنه في حين فقدت الدولة الإسرائيلية دعم جزء كبير من مواطنيها، فإن رعاة البلد الإمبرياليين
سيدافعون عنها حتى الموت، ليس حبا في إسرائيل بحد ذاتها، بل دفاعا عن مصالحهم الخاصة
التي تعد إسرائيل جزءا داخليا رسميا من الغرب، وإن كانت تقع على مسافة إقليمية منه،
مع الأخذ في الاعتبار أن فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة لديها أعداد من
مواطنيها الذين يعيشون في إسرائيل، كمستوطنين يهود ويخدمون في الجيش الإسرائيلي.
إن
الحرب الغربية والإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني تُشن دفاعا عن الغرب، وليس دفاعا
عن إسرائيل فحسب، أما القيم
المشتركة التي تلوح بها الدول الغربية وإسرائيل هي في الواقع نفس القيم -قيم الاستعمار
الاستيطاني، والعنصرية، والتفوق العرقي الأبيض، والإبادة الجماعية- وكلها كانت ولا
تزال جزءا من الأدوات الإمبريالية المستخدمة لصد التهديدات للمصالح الإمبريالية
حول العالم. لقد أصبحت معارضة الإبادة الجماعية في غزة والدفاع عن الفلسطينيين تدرك
أخيرا، أن إسرائيل قضية داخلية في السياسة الأمريكية وأوروبا الغربية، وهذا يعني أن
القوى المؤيدة للفلسطينيين في الغرب أصبحت تدرك أيضا أن إبادة الشعب الفلسطيني هي جريمة
غربية في المقام الأول، وليست جريمة إسرائيلية حصريا.